مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: حوار صامت مع زعيم الأمة في ضريحه

عندما وقفت أمام ضريح سعد باشا زغلول، مفجر ثورة 1919، في ذكرى وفاته التي تصادف 23 أغسطس، انتابني شعور غريب ومثير.

كأن الزمن توقف للحظات، وكأنني في حضرة رجل لم يرحل تمامًا، بل ظل يراقب الأحداث ويتفحصها من مكانه.

بدأت تلك اللحظات تتشكل على هيئة حوار هامس بيني وبينه، فأنا أمام شخصية تاريخية ضخمة، زعيم أمة لم تزعزها التحديات.

قلت لنفسي: لو كان سعد باشا هنا اليوم، ما الذي سيقوله عن الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد؟ هل كان سيصمت أم يقوم؟ تعمقت في هذا السؤال، وتخيلت الردود المحتملة لهذا الرجل الذي لطالما كان رمزًا للنضال والكفاح

لم أكن أدرك بأنني سأخوض في حوار خيالي مع هذا الزعيم الوطني سعد باشا زغلول الذي شكل رمزا للمقاومة والتحرير في تاريخ مصر.

هذا الحوار الذي دار بيني وبينه كان يتناول الأوضاع الراهنة في بلادنا، وكيف تطورت الأحداث بعد رحيله عنا.

قلت لزعيمنا العظيم سعد زغلول: “لقد أتيت إلى هنا لأشكرك على تضحياتك ونضالك من أجل حريتنا، ولكنني لا أستطيع إخفاء حزني على ما أصبحت عليه البلاد في ظل الظروف الراهنة. لو كنت هنا اليوم، لكانت الأمور بالتأكيد مختلفة.”

أشعر بأنني تلقيت منه ردا بلغة الصمت، لكنني شعرت برمزية وجودي هنا، وبأنه يراقبنا ويحمل قلبه لوطنه حتى بعد مرور عقود على رحيله.

وبينما أتذكر تلك اللحظة، أدرك أن تاريخنا الوطني يحمل في طياته دروسا وعبرا لا يمكننا تجاهلها.

وتأملاتي بدأت تتبلور؛ كأنني أستطيع سماع صوته ينادي: “وأين هم أبنائي؟ لماذا تصمتون أمام الظلم والفوضى؟ لم أقاتل من أجل أن ترضوا بالاستكانة!”

نعم، ظننت أنه سيتحدث عن ضرورة استعادة الروح الوطنية الرفيعة التي أطلقها حين تولى الزعامة.

ثم تساءلت: هل هناك من بيننا من يجرؤ على الدفاع عن حقوقه بحرارة كما فعل هو مع أقرانه؟

فكرت في معاناتنا الحالية، في الشباب الذين يهيمون في زحمة الحياة ويكافحون ليتابعوا أحلامهم.

وبينما تنامت الأصوات المطالبة بالتغيير، شعرت بوجود فجوة مقلقة بين جيل سعد باشا والأجيال الحالية.

حيث لا أرى فيهم من يقف بثبات كما فعل سعد ورفاقه، بل أرى قلة متشكية تسعى للراحة وليس التغيير.

أدركت أن ما كان يعوزنا في تلك اللحظة هو الحماسة والالتزام. كنت أود أن أخبر سعد باشا: “لو كنت هنا، لكنت أول من يقود المظاهرات من أجل حرية الرأي والكرامة. كنت سأكون في الشوارع أصرخ بمطالب الشعب”.

لكن بدلاً من ذلك، يبقى الأمر مجرد أمل، شغف من القلب يفتقر إلى النهوض الفعلي.

سعد باشا كان يمتلك الشجاعة لفرض إرادته على المستحيل. واليوم، تحتاج بلادنا إلى هذه الشجاعة بذات القدر، نحتاج إلى زعماء حقيقيين يظهرون في قلوب الشباب.

كم أود لو أستطيع أن أقول له إننا نتوق للتغيير، ولكننا نتراجع تحت وطأة الرهبة والخوف.في لحظات الهدوء تلك، قررت أن أعد نفسي بأن أكون جزءًا من الحل.

بأن أكون صوتًا لمن يحتاجون إلى صوت، وأن أظهر للعالم أن الشباب المصري لا يزال لديه الأمل في الغد.

وأريد أن أكون جزءًا من الحركات التي تسعى نحو التغيير، وأن أظهر الاستعداد لمواجهة الصعوبات التي تعترض طريقنا.

عزيزي سعد باشا، أعدك بأن أحمِل شعلة الإصرار والأمل في قلبي، أعدك بأنني سأستمد من قوتك وشغفك لأضيء البصيرة في مسعى إيجابي يظهر دون خجل أو تردد.

وددت لو كنت موجودًا اليوم، فربما ستجدني أقف في صفوف الشجاعة، ألبي نداء التغيير في زمن يفترض أن يتغير.

إن صوتك لا يزال يدوي في أذهاننا وأعمالك محفورة في قلوبنا، ولن ننسى جهدك وقيادتك لحظة.

وفي ذكرى وفاة زعماءالأمة ورؤساء الوفد سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس وفؤاد باشا سراج الدين، نجدد العهد معهم ومع أبناء مصر الأبطال بأن نواصل النضال من أجل حرية وعدالة وازدهار حقيقيين، وأن نحافظ على ذاكراهم الخالدة كمصدر إلهام وحماية.

لنكن دائما على قدر المسؤولية تجاه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، لنحقق الأمنيات التي لم يستطع زعماؤنا الوطنيين خالدي الذكر تحقيقها في حياتهم، ولنجعل من بلادنا مكانا ينعم فيه الجميع بالكرامة والعدالة والحرية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى