في ذكرى رحيله..سعد زغلول من الثورة إلى السياسة
تمر اليوم الجمعة ذكرى رحيل مؤسس أقدم حزب على الساحة السياسية ومكافح الاحتلال الإنجليزي في مصر الزعيم سعد زغلول والتي توافق يوم ٢٣ أغسطس عام ١٩٢٧. والبداية في تأسيس حزب الوفد كانت عام 1919 عندما خطرت لسعد زغلول فكرة تشكيل الوفد المصري للدفاع عن قضية مصر سنة 1918م حيث دعا سعد زغلول أصحابه إلى مسجد وصيف للتحدث فيما كان ينبغي عمله للبحث في المسألة المصرية بعد الهدنة بعد الحرب العالمية الأولى.
ولد سعد زغلول في أول يونيو سنة 1860 في قرية «إبيانة»، وكان أبوه الشيخ إبراهيم زغلول عميد القرية، وأمه بنت الشيخ عبده بركات من أسرة عريقة.
ورث سعد من أبويه بنية الفلاح وصلابة الخلق وصدق العزيمة، ولما مات أبوه وهو في سن السادسة عُنِيَ بتربيته أخوه الأكبر وفقا لكتاب سعد زغلول زعيم الثورة لعباس محمود العقاد. أُلْحِق سعد بمكتب القرية حتى بلغ الحادية عشرة من عمره، ثم أُرْسل إلى الأزهر حيث ثابر على حضور الدروس بين يدي المجددين من أساتذته، وكان يتردد على مجلس جمال الدين في داره.
حينما استعانت الحكومة بالشيخ محمد عبده في تحرير “الوقائع المصرية” سعى في تعيين سعد لتحرير القسم الأدبي، فمكث محررًا بها حتى نشبت الثورة العرابية. شارك سعد زغلول في الثورة العرابية وناله من أذى الاعتقال بلاء غير يسير، وخسر وظيفته، وبات في قائمة أنصار عرابي باشا.
اضطُرَّ إلى احتراف المحاماة، وكانت الدولة البريطانية قابضة على ناصية الأمور، فنمى إلى المسئولين أنَّ سعدًا وزميلًا له ألَّفَا جماعة سرية باسم “جماعة الانتقام” فاعتُقِلا وظلا في الاعتقال بعد الحكم ببراءتهما أكثر من ثلاثة أشهر. وبعد ثماني سنوات عُرضت عليه وظيفة «نائب قاضٍ» بمحكمة الاستئناف في سنة 1892، فقبلها، وبقي في القضاء 14 عامًا، ثم عُيِّن وزيرًا للمعارف، ثم وزيرًا للحقَّانية.
تكوين الوعى السياسي
تشكل الوعي السياسي للطالب الشاب، حين تشبّع بفكر جمال الدين الأفغاني، وأستاذه محمد عبده، الذي خاطبه في إحدى رسائله بعبارة “مولاي الأفضل ووالدي الأكمل”، وكان يصف نفسه بأنه “خريج حكم الأستاذ الإمام”، ويعترف بأن طريقة الأزهر في التعليم هي التي كونت شخصيته الاستقلالية.
وأصبح واحدا من دعاة الإصلاح بنشاطه وخطاباته في المجامع، وفي ثورته المبكرة التي أذكى روحها الأفغاني والإمام، فشبّ متمردا على الفساد والاستبداد، وتبدى ذلك في كل ما كان يكتبه، وهو طالب أزهري في مستهل صباه. ساعدت حوادث عدة على بلورة شخصيته وصقل تجربته السياسية؛ ومن أهمها: هزيمة ثورة عرابي باشا في 1881، وما أعقبها من أمر اعتقاله، ثم اتُهم بتشكيل جمعية باسم “الانتقام” وسجن لفترة قصيرة، وبعدها دخل في مرحلة كمون سياسي.
توليه الوزارة
تولى زغلول وزارة الحقانية “العدل” في وزارة محمد سعيد باشا يوم 23 فبراير/شباط 1910، وعندما سقطت في 1913، اعتزل المناصب الحكومية لـمدة 11 عاما. وفي يوم 28 يناير/كانون الثاني 1924، تولى رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، عقب تصدّر حزبه أول انتخابات تشريعية، ومن 1926 إلى 1927 ترأس مجلس البرلمان.
وخلال مدة انشغاله بالسياسة، كان ينشر بغير إمضاء أو باسم مستعار مقالات في مجلة “القضاء الشرعي” و”البلاغ” و”كوكب الشرق”، وقليل منها كان يترجمه عن كتب أجنبية. ومقالات أخرى كان يوحي بفكرتها إلى سكرتيره محمد إبراهيم الجزيري ويراجعها قبل نشرها.
تولى سعد رئاسة الوزارة مرة واحدة في الفترة ما بين 28 يناير/كانون الثاني 1924 إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها، وذلك بعد أول انتخابات برلمانية جرت على أساس دستور 1923.
المواجهة والنفي
في يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، قابل وفد ثلاثي بزعامة سعد، المندوب السامي البريطاني لدى مصر “ريجلند ونجت”، لتبليغه مطالب حق مصر في الاستقلال، ثم أصبح الوفد هيئة تسمى “الوفد المصري” تشكلت من أعضاء الجمعية التشريعية، ويمثل أكثرهم طبقة كبار الملاك. وحصلت الهيئة على توكيلات لهيئات نيابية ومواطنين من الشعب تخولها صفة المتحدث باسمها، ثم طلب زعيمها سعد من المندوب، ترخيص السفر إلى لندن للتباحث مع المسؤولين حول الاستقلال.
وفي مواجهة رفض الحكومة البريطانية، اتخذ يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، قرار حضور “مؤتمر الصلح” في باريس عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وبادر إلى إرسال برقية بذلك إلى رئيس الوزارة البريطانية.
في يوم 8 مارس/آذار 1919 أُلقي القبض على أعضاء الوفد ونُفوا إلى جزيرة مالطة، مما أدى إلى اندلاع الثورة في جميع أنحاء البلاد، فأُفرج عنهم وسمح لهم بحضور المؤتمر، لكنهم صدموا باعترافه بالحماية البريطانية على مصر.
تُوفي سعد زغلول في 23 أغسطس/آب 1927 في القاهرة عن سن يناهز 68 عاما، وشُيع جثمانه بعد ظهر يوم 24 أغسطس/آب إلى قبره بالإمام الشافعي. وبعد نحو 9 سنوات نقل جثمانه إلى ضريح سمي باسمه إلى جوار بيته الذي تحوّل إلى متحف “بيت الأمة”، وشُيّعت جنازته للمرة الثانية يوم 19 يونيو/حزيران 1936م.