ثقافة وفنون

زلزال الفساد الثقافي في سوهاج: سرقة بيت ثقافة العسيرات تثير غضب الموظفين والأدباء

في حادثة صادمة أثارت الجدل في الأوساط الثقافية، فوجئ موظفو بيت ثقافة العسيرات في سوهاج، التابع لإقليم وسط الصعيد الثقافي، بسرقة محتويات المكان، بما في ذلك كتب تراثية قيمة ومراوح كهربائية.

ويعد هذا الحادث جزءًا من مسلسل الفساد المستمر الذي يضرب بعمق قلب الثقافة في مصر، مما يطرح تساؤلات عن واقع المؤسسات الثقافية ودورها في حفظ التراث والأصالة.

قضية محورية في مشهد ثقافي مضطرب

إن حادثة السرقة تأتي في وقت تعاني فيه الهيئة العامة لقصور الثقافة من مشكلات متزايدة، مما زاد من قلق الأدباء والمختصين.

فقد سبق أن شهدت البلاد سرقة لمخطوطات تراثية تعود لرفاعة الطهطاوي من قصر ثقافة طهطا في بداية عام 2018، وقد كشف عنها تقرير لموقع “أخبار الغد”. هذه الحوادث تعكس تفشي الفساد وسوء الإدارة في المؤسسات الثقافية.

حكاية بيت ثقافة العسيرات

يعتبر بيت ثقافة العسيرات أحد أقدم وأهم المراكز الثقافية في محافظة سوهاج، وهو مكان تاريخي عريق أسهم في تشكيل مسار العديد من الأدباء والشعراء.

وخلال فترة الثمانينيات، تألقت فرقة كورال العسيرات على شاشات الفضائيات، مما جعل المكان معروفًا ثقافيًا يستقطب المواهب ويعبر عن هوية المحافظة.

ومع ذلك، فإن حالته الحالية تُعبر عن واقع مؤلم. لقد تحولت المكتبة إلى مكان مهجور، حيث يمثل شكلها الحالي معلفًا للماشية تابع للجمعية التعاونية للإصلاح الزراعي. مشهد بشع يسجل تراجع الثقافة في خضم الفساد وسوء التنظيم.

أزمة صارخة في بيت ثقافة العسيرات .. موظفون ومثقفون يهتفون للإنقاذ

في صدمة جديدة تعكس تدهور الواقع الثقافي في مصر، يعاني بيت ثقافة العسيرات في سوهاج من أوضاع مأساوية بعد نبذه من مقره القديم تحت ضغط حكومي.

فقد قررت الجهات المسؤولة إعادة المقر القديم لوزارة الأوقاف بحكم قضائي، مما دفع المسؤولين في البيت إلى الانتقال إلى موقع بديل أشبه بمعلف للماشية.

واقع مزري

تتكون منشأة بيت ثقافة العسيرات الجديدة من غرفة واحدة مسقوفة بألواح الحبيبي وبعض العروق الخشبية.

ووضعٌ يرثى له حيث يفتقر هذا المكان لأبسط مقومات العمل الثقافي الجاد. تشهد الجدران، المصنوعة من الطوب الأحمر، تشققات عديدة،

بينما تسربت مياه الأمطار من فتحات السقف العديدة إلى الداخل، مما يجعل الكتب والمحتويات الأخرى عرضة للتلف.

ويقول “م. ي.”، موظف بالبيت: “نقلنا الكتب داخل الحمام خوفًا من أن تلتهمها الفئران. وهذا وضع محزن للغاية. كيف يمكن لثقافة بلد أن تزدهر في مثل هذا المكان؟”.

ويضيف، “تشقق الجدران وسقف الغرفة يجعلان العمل هنا شبه مستحيل، فالأجواء غير ملائمة تمامًا.”

تيار من الشكاوى

همسات الموظفين والمختصين تتصاعد في أوساط الثقافة، حيث بدأ الكثيرون يتحدثون عن ضرورة إعلاء الصوت ضد هذه الإهانة للثقافة.

وتقول نجلاء مجدي، أديبة مهتمة بالشأن الثقافي: “من المعيب أن يكون مكان الثقافة، الذي يُفترض أن يحتضن الإبداع والمعرفة، في مثل هذه الأوضاع. وهذه إهانة للأدباء والمثقفين والجمهور على حد سواء.”

ويُعتبر بيت ثقافة العسيرات أحد المعالم الثقافية القديمة في المحافظة، حيث خرج منه العديد من الأدباء والشعراء الذين أثروا الساحة الأدبية.

ولكن هذا الإرث الثقافي مُعرض اليوم للاندثار وسط ظروف مهينة. يقول سامي توفيق، شاعر وصحفي: “كان لدينا تاريخ وثقافة، والآن نحن في وضع غير إنساني. لا يمكن السكوت عن هذا، يجب أن نكون صوتًا للمطالبة بحماية ثقافتنا.”

هل من إنقاذ؟

تتزايد دعوات المثقفين والموظفين للجهات المعنية من أجل إنقاذ بيت ثقافة العسيرات واستعادة هيبته.

حيث تشهد المدينة العديد من الندوات والمناقشات التي تتناول كيفية الحفاظ على الثقافة المصرية والتصدي لهذا الفساد المستشرى. ومرئيات وتطلعات مهمة تطرح الأمل في تحقيق تغييرات إيجابية وتوفير بيئة مناسبة للإبداع.

وقالت الدكتورة مريم رجب، أستاذة في الأدب: “يجب على الوزارة والهيئات المعنية أن تتخذ خطوات جدية لحماية هذا الإرث. والفجوة الثقافية تتزايد، وبحاجة ماسة لمؤسسات ثقافية تدعمها.”

ويشكل الوضع الحالي في بيت ثقافة العسيرات منبرًا لمطالبة تدعو إلى التغيير الفوري والتحرك الجاد. ولكن واقع الحال يفرض سؤالًا ملحًا: هل ستستمع الجهات المعنية لنداءات المثقفين والعاملين في هذا المجال؟

أم أن هذا المكان سيظل يُعاني في صمت ويكون شاهدًا على الإهمال المستمر للثقافة المصرية؟إن صوت الأدباء والفنانين يجب أن يُسمع، ولتكن هذه الأزمة بداية لحوار أوسع بشأن الثقافة في البلاد وضرورة دعمها وحمايتها.

آراء الموظفين والمختصين

تتزايد الآراء السلبية بين الموظفين والمختصين في مجال الثقافة حول هذا الوضع الكارثي. يقول “م. أ.”، موظف في بيت ثقافة العسيرات: “إن ما حدث أمر مؤسف للغاية.

ونحن هنا لخدمة الثقافة والفن، ولكن ما نشهده هو تدمير متعمد للمؤسسة. يجب أن يتم محاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة.”

أما الدكتورة ليلى محمود، أستاذة الأدب الحديث في إحدي الجامعات المصرية، فتقول: “هذا الحادث هو تجسيد حقيقي للأزمة الثقافية في مصر. نشهد تراجعًا تجاه التراث والمكتبة، مما ينعكس على الأجيال القادمة. يجب أن تكون هناك محاسبة صارمة وإعادة بناء لتلك المؤسسات العريقة.”

استجابة المسؤولين

وفي ظل هذه الأجواء، كان من المتوقع أن تتخذ الهيئة العامة لقصور الثقافة خطوات فورية لاستعادة المفقودات وحماية ما تبقى.

لكن السؤال المطروح: أين هي تلك التدابير الفعالة؟! الانتقادات تتوالى حول غياب الرؤية والخطط الاستراتيجية لإنقاذ المؤسسات الثقافية.

كما أشار الكاتب محمد عبدالعليم ناشط ثقافي إلى نقطة مهمة، حيث قال: “لا يمكننا أن نقبل باستمرار هذا الفساد. لقد حان الوقت لوضع حلول جذرية. الثقافة ليست مجرد فعاليات، بل هي هوية وطريقة حياة.”

دور المجتمع المدني

وفي هذا السياق، يبرز دور المجتمع المدني في مواجهة الفساد الثقافي. يشار إلى أن الجمعيات الثقافية والنقابات يجب أن تلعب دورًا فاعلًا في حماية الفنون والآداب والتراث. وقد يتطلب ذلك تكاتف المجتمع بأكمله لدعم المشهد الثقافي.

المؤسسة الثقافية بحاجة إلى الاستيقاظ من الغفوة والتصدي للأفكار السلبية التي تضر بأصالتها. تعتبر الثقافة خط الدفاع الأول عن الهوية، ومن الضروري أن يتم العمل على إحيائها وحمايتها.

سرقة بيت ثقافة العسيرات تسلط الضوء على أزمة الهوية والتراث

إن سرقة محتويات بيت ثقافة العسيرات تمثل جرس إنذار يحذرنا من عواقب الفساد غير المراقب. الوقت قد حان لوقفة جادة من جميع الأطراف المعنية للعمل على إصلاح المشهد الثقافي وتعزيز التراث.

علينا جميعًا أن نسعى لإعادة الهيبة لثقافتنا، لأن المستقبل يحتاج إلى أجيال قادرة على استيعاب الماضي واستخدامه في بناء مستقبل أفضل. يجب أن نكون حذرين في استذكار القيم والمبادئ التي ساهمت في بناء الهوية الثقافية المصرية.

هذه هي دعوة للجميع، لاستعادة البيت الثقافي ليكون منارة للإبداع، وصرحًا للمعرفة، ومكانًا يجمع القلوب ويعكس أصالة هذا الوطن.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى