مقالات ورأى

طارق الزمر يكتب: أسباب عزوف الشباب عن الحركات الإسلامية التقليدية

بقلم/ د.طارق الزمر

من أهم ما ميز الحركات الإسلامية التقليدية بالعالم العربي والإسلامي على مدى العقود الخمسة الأخيرة، فضلا عن مراحل التأسيس الأولى، القدرة على امتلاك الجاذبية للشباب، وهو ما جعلها تمثل حجر الزاوية في مجتمعاتها، فضلا عن المنافسة القوية للحركات الأيديولوجية الأخرى، بل والحكومات التي غالبا ما تفقد قدرتها على اجتذاب اهتمام الشباب أو اقناعهم.

وربما كانت قدرة الحركات الإسلامية التقليدية على اجتذاب انتباه الشباب والتأثير في وعيهم، من أهم أسباب استنفار الحكومات تجاهها، وذلك لأن الشباب بطبيعته هو عصب المجتمعات، كما يمتلك قدرة فائقة على الاقناع والتأثير، التي توفرها ديناميكيته الاجتماعية، ولعل تجربة الحركات الإسلامية في السبعينات في مصر والعالم العربي، نموذجا بارزا في ذلك، حيث أنتشر فكر الحركات الإسلامية على نطاق واسع في زمن قياسي.

لكن هذا النجاح تعرض لمشكلات عديدة في مراحل لاحقة، ولأسباب مختلفة، ففي “التسعينات” كانت الصدامات بين الحكومات العربية وبعض الحركات الإسلامية، سببا في محاصرة عملية النمو والتوسع الشبابي، فضلا عن تصاعد عمليات تشويه الحركات الإسلامية، التي أخذت شكلا منظما، ساهم في حصار نموها وخاصة في قدرتها على اجتذاب الشاب.

كما جاء “مطلع الألفية الثانية” ليضيف جاذبية جديدة للحركات الإسلامية، بل والتعاطف العام مع الإسلام عالميا، في ضوء صدام “القاعدة” مع “الولايات المتحدة الأمريكية” رمز الهيمنة العالمية، ثم لم يلبث أن تحول ذلك لحصار وضغوط شديدة، قوضت جزءا مهما من تواصله الحركات الإسلامية مع مجتمعاتها، ومن ثم شبابها.

ولما جاء “الثورات العربية” في بداية العقد الثاني من الألفية، كشفت عن مدى تغلغل الحركات الإسلامية داخل البنية الأساسية لمجتمعاتها، وهو ما جعلها هدفا للثورات المضادة، التي رأت فيها الخطر الأكبر، ولاتزال عملية المحاصرة لنمو الحركات والعمل على تقويض بنيتها الأساسية، والذي يعتمد بالأساس على المحاصرة العضوية والفكرية، تلقي بظلالها على قدرة الحركات على اجتذاب الشباب، إضافة إلى ما نظر إليه الشباب باعتباره اخفاقا كبيرا في استثمار أهم فرصة للتغيير والإصلاح في العالم العربي، التي وفرتها الثورات العربية.

كل ما سبق لا يمنع من رؤية العديد من الأسباب في بنية الحركات الإسلامية، وفي المتغيرات من حولها، والتي تساهم بشكل كبير في عزوف الشباب عن الانخراط في الحركات الإسلامية التقليدية، منها:

  • التغيرات الاجتماعية والثقافية: فالشباب اليوم يعيشون في عالم يتغير بسرعة، حيث تتغير القيم والأفكار بشكل مستمر، وهو ما يجعلهم يبحثون عن حركات وأفكار تتماشى مع تطلعاتهم، وخاصة أنهم يجدون أن الحركات الإسلامية التقليدية لا تواكب هذه التغيرات.
  • التحديات السياسية والاجتماعية: حيث إن بعض الدول تواجه الحركات الإسلامية التقليدية بضغوط سياسية واجتماعية، مما يجعل الشباب يترددون في الانضمام إليها خوفًا من العواقب.
  • التأثيرات الإعلامية: الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل آراء الشباب، وقد يكون هناك تصوير سلبي للحركات الإسلامية التقليدية في وسائل الإعلام، مما يؤثر على نظرة الشباب إليها.
  • التأثيرات العالمية: الشباب اليوم يتعرضون لتأثيرات ثقافية وفكرية من جميع أنحاء العالم بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التأثيرات تجعلهم يتبنون أفكارًا وقيمًا تختلف عن تلك التي تروج لها الحركات الإسلامية التقليدية.
  • الانفتاح على العالم: الشباب اليوم أكثر انفتاحًا على العالم وثقافاته المختلفة، وهذا الانفتاح قد يجعلهم يتبنون رؤى وأفكارًا تتجاوز الحدود التقليدية لأفكار الحركات الإسلامية.
  •  القيود التنظيمية: تتمتع بعض الحركات الإسلامية التقليدية بنمط تنظيمي صارم، مما يجعل الشباب يشعرون بأنهم مقيدون وغير قادرين على التعبير عن أنفسهم بحرية.
  • الافتقار إلى الابتكار: الشباب يميلون إلى الابتكار والتجديد، ولهذا فهم يجدون أن الحركات التقليدية تفتقر إلى الأفكار الجديدة والمبتكرة، التي تلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم.
  • الافتقار إلى القيادة الشابة: غالبًا ما تكون القيادة في الحركات الإسلامية التقليدية مكونة من أفراد أكبر سنًا، مما يجعل الشباب يشعرون بأنهم غير ممثلين بشكل كافٍ، وأن أفكارهم وتطلعاتهم لا تؤخذ بعين الاعتبار.
  • القضايا العالمية المعاصرة: بعض الحركات الإسلامية التقليدية، غير قادرة على التعامل مع القضايا المعاصرة التي تهم الشباب، أو لا تهتم بها بالقدر الكافي مثل حقوق الإنسان، والتغير المناخي، التكنولوجيا، فضلا عن مشاركة المرأة.
  • التعليم والتوعية: فنقص البرامج التعليمية والتوعوية التي تستهدف الشباب بشكل خاص، يؤدي إلى عدم فهمهم الكامل لأهداف الحركات الإسلامية التقليدية ورؤيتها.
  • التجارب السلبية: بعض الشباب قد يكون لديهم تجارب سلبية مع الحركات الإسلامية التقليدية، سواء من خلال التفاعل الشخصي، أو من خلال ما يسمعونه من الآخرين، مما يجعلهم يترددون في الانضمام.
  • البحث عن الذات: يتميز جيل الشباب بالشغف في البحث عن هويته الخاصة، ولهذا يجدون أن الحركات الإسلامية التقليدية لا توفر لهم المساحة الكافية لاستكشاف هويتهم وتطويرها بشكل مستقل.
  • التعليم والتوعية: النقص في البرامج التعليمية والتوعوية التي تستهدف الشباب، مما يؤدي إلى عدم فهمهم الكامل لأهداف الحركات الإسلامية التقليدية ورؤيتها.
  • التحديات الاقتصادية: الشباب يواجهون تحديات اقتصادية كبيرة مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، كما يشعرون أن الحركات الإسلامية التقليدية لا تقدم حلولًا عملية لهذه المشاكل، مما يجعلهم يبحثون عن بدائل أخرى.
المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى