مقالات ورأى

شهرزاد عكاشة تكتب: بعد الانتخابات المقبلة .. من سيحكم تونس ؟؟ الفائز أم العسكر ؟؟؟

تدلّ كل المؤشرات في تونس على أن نتائج الانتخابات محسومة سلفا، من استبعاد بعض مرشحين من السباق الانتخابي المقبل في أكتوبر 2024 بسبب حجب الداخلية التونسية لوثائق أساسية في ملف الترشح أو من خلال اعتقالات طالت البعض الآخر،

ناهيك عن اتهامات عديدة لهيئة الانتخابات بالانحياز لقيس سعيد الرئيس المنتهية ولايته و تقديم قضايا في الغرض لدى المحكمة الإدارية في تونس ..

هذا السيناريو تتبناه وجهات نظر عديدة لا سيما من الأحزاب و النشطاء و حتى الاعلاميين و الصحفيين و قد تثبت صحته،

إلا إذا امتنعت المعارضة عن مقاطعة الانتخابات و هو الخيار مطروح بشدة الآن أو إذا أنصفت المحكمة الإدارية مترشحين آخرين هما عماد الدائمي و منذر الزنايدي.

المرشحان تم منعهما من استيفاء شروط الترشح عبر حجب بطاقة السوابق العدلية التي تمنحها وزارة الداخلية ورفضت هيئة الانتخابات تسلم عدد من التزكيات منهما سواء نيايبة كانت أو شعبية، كما تم إسقاط تزكيات أخرى للمترشحين المتبقين بشكل أحادي و دون ملاحظين و لا مراقبين.

من حق قيس سعيد أن يطمح إلى ولاية رئاسية ثانية، لكن ليس من حقه الاستقواء على منافسيه بأجهزة الدولة و تطويع الهيئة التي قام بتنصيبها بنفسه لصالحه على حسابهم،

كما ليس من حقه أيضا أن يحيط نفسه بقيادات الجيوش الثلاث في كل مجلس أمن قومي و يكيل الاتهامات،

لمن يعارضونه أو يحتجون على الأوضاع المعيشية الرديئة و غلاء الأسعار و انقطاع الماء ، باستغلال الانتخابات للتآمر و الارتماء في أحضان الخارج و تأجيج الأوضاع ، داعيا إلى حرب تحرير ضد هؤلاء “التونسيين”.

منذ صعوده إلى السلطة، لم يتقبل قيس سعيد أن يكون دوره “صوريا”، فاختلق مفهوما جديدا للقوات المسلحة دون أي نص قانوني ولا دستوري و أسماه “القوات المسلحة الأمنية و العسكرية” كما هو الشأن بالنسبة لمجلس الأمن القومي أيضا ،

محاولا وضع يده على كل القوات الحاملة للسلاح، حتى و أن كانت أعوان الجمارك و ضل يهرع منذ 2019 إلى ثكنات الجيش، يتنقل من الواحدة إلى الأخرى في كل مناسبة ، خاصة بعد خلافه مع رئيس حكومته الثانية هشام المشيشي الذي اختاره بنفسه ثم انقلب عليه و قام بعزله بعد خلاف بينهما على تعيين قيادات أمنية موالية لقصر الرئاسة بقرطاج.

العسكر في تونس كان دائم المحاولة في التدخل في السياسة عكس ما يعتقد الكثيرون، من محاولة انقلاب 1962 إلى تدخله في 1984 ضد المدنيين و النقابيين المحتجين في ثورة الخبز و غيرهما، ولم يفوّت فرصة تعطش سعيد الى تجاوز سعيد صلاحياتَه التي يخوّلها له دستور 2014 ،

عبر المحاكمات العسكرية للمدنيين و السياسيين، إضافة إلى دور سياسي كبير لاحق في أزمة جائحة كوفيد 19 عبر احتكار اللقاحات لدى مصالح الصحة العسكرية لصالح قيس سعيّد وحتى يتم اتهام رئيس الحكومة بالتقصير و يسهل عزله.. لتؤدّي تلك العوامل وغيرها إلى انقلاب 25 يوليو 2021 و كان إغلاق البرلمان بدبابة عسكرية نقطة البداية الفعلية لحكم العسكر العلنية.

كانت تلك فرصة الجيش الذهبية للخروج من الثكنات و ممارسة السلطة المدنية، خاصة بعد خطاب سعيد ليلة انقلابه الذي قال فيه ” من سيطلق رصاصة واحدة سترد عليه القوات المسلحة بوابل من الرصاص” رغم علمه المسبق أن ثقافة السلاح غير موجودة في المجتمع التونسي عموما و لا في المجتمع السياسي أيضا… و من حينها انطلقت المحاكمات مدنية كانت أو عسكرية ضد الصحفيين و السياسيين و النشطاء و حتى المدونين بتهم التآمر على أمن الدولة و الارهاب و تبييض الأموال.

منذ أيام قليلة و قبيل الانتخابات، تم عزل رئيس الحكومة أحمد الحشاني [ رابع رئيس حكومة من تعيين سعيد منذ توليه السلطة] و تعيين آخر جديد ينتظر تعيين فريقه الحكومي من القصر وسط مفاوضات بين الرئيس و العسكر على عدد الوزارات التي ستُمنح لهم كجزاء لهم بعد فوزهم قبلا بوزارتين و هما الفلاحة والصحة،

في حين أنه من المفترض أن يتم الابقاء على الحكومة السابقة بما أنها تُعدّ حكومة تصريف أعمال، إلا أن ما يبوح به التحوير الأخير هو أن سعيد ومفاوضيه من العسكر تغيب عن أذهانهم فرضية صعود مرشح آخر في الانتخابات المقبلة و بالتالي مواصلتهم للحكم.

و باختلاف المناصب المدنية التي حصل عليها عدد منتسبي وزارة الدفاع الوطني التونسية بمختلف رتبهم منذ ثورة يناير 2011 ، سواء في الوزارات أو في مناصب ولاة “رؤساء” محافظات، فقد أثبت محكّ الممارسة فشلهم في أداء مهامهم لانعدام تجربتهم في أي من المناصب ذات الصبغة التقنية أو الاقتصادية.
و لئن بدا سعيد على غير استعداد لاقتسام حكمه مع أي كان، بيد أنه يعلم أن المؤسسة التي أوصلته إلى السلطة المطلقة في 2021 ٌ قادرة على إيصال غيره و بطرق شتى.

و على خطورة الوضع الأمني سواء داخل البلاد، مع تفاقم استيطان أفارقة جنوب الصحراء القادمين عبر الحدود البرية التي هي مسؤولية القوات المسلحة البرية بدرجة أولى و خطر قوات فاغنر جنوبا في المثلث الحدودي المشترك مع ليبيا و الجزائر و اقتراب قوات حفتر، نجد قيس سعيد ومعاونيه من حملة الرتب اللامعة و البوط العسكري يتقاسمون الوزارات في حكومة جديدة حسب الأخبار المُسرّبة من كواليس قرطاج.

في هذا الجو المشابه جدا للأجواء السياسية منذ انقلاب عبدالفتاح السيسي في مصر، تقام انتخابات على المقاس، قد تعتبرها الأحزاب السياسية مشلولة الحركة بسبب اعتقال قيادييها، غير شرعية و قد يمتنع التونسيون عن التصويت كما حصل في الانتخابات التشريعية التي نظمها سعيد وحظيت بنسبة اقبال لا تتجاوز 12 بالمائة و وصفت بـ “المسخرة”.

في كل الحالات لا تهمّ قيس سعيد نسبة الإقبال، ما دام يعدو تقريبا لوحده تقريبا في مضمار السباق مع من يعتبرهما عدد كبير من المتابعين مجرد مرشحين برتبة كومبارس .. و سيتعلل سعيّد بالإرادة الشعبية حتى و لو لم تتجاوز الـ 15 بالمائة و بالسيادة الوطنية التي نسيها ذات ربيع في فرنسا حين قام بتقبيل أكتاف الرئيس الفرنسي و قال أن الدخول الفرنسي لتونس في القرن الماضي كان حماية و ليس استعمارا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى