الفساد ينهش في الهيئة العامة لقصور الثقافة: أين اختفت مخطوطات رفاعة الطهطاوي
في فضيحة جديدة تكشف عن الفساد المستشري داخل هيئة قصور الثقافة المصرية، يستعرض موقع “أخبار الغد” استيلاء الهيئة على 118 مخطوطًا نادرًا من قصر ثقافة طهطا في 28 يناير 2018، وذلك في ظل تكتم شديد وبسرية تامة.
وهذا الحادث وقع تحت نظر جميع المسئولين في الثقافة، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول كيفية إدارة التراث الثقافي وحمايته.
ويوجه المثقفون والناشطون أصابع الاتهام إلى إدارات الهيئة، ويبرزون قضايا الفساد والإهمال، التي تترك آثارًا سلبية على التراث الثقافي المصري.
وأحد أبرز القضايا المثيرة للجدل هو ما يتعلق بمخطوطات رفاعة الطهطاوي، التي خرجت من ثقافة سوهاج بدعوى الترميم منذ عام 2018، ولم تعد حتى الآن.
الفساد يُهدد التراث الثقافي: استيلاء هيئة قصور الثقافة على 118 مخطوطًا في طهطا
حيث تعود حكاية هذه المخطوطات إلى عام 1978، عندما أهدى خال رفاعة الطهطاوي مجموعة نادرة من المخطوطات إلى مجلس مدينة طهطا، وكان عددها 118 مخطوطًا.
وفي البداية، تم وضعها في بيت الثقافة داخل دولابين زجاجيين، ولكن بعد افتتاح قصر الثقافة، تم نقل المخطوطات إلى غرفة خاصة دون اهتمام كافٍ بحمايتها.
للأسف، بسبب عدم تعرض المخطوطات للتهوية المناسبة، تعرضت بعض الوثائق إلى التلف وتمزق الأوراق، مما جعلها في حالة يُرثى لها.
وكان من الضروري اتخاذ إجراءات سريعة لترميم هذه الوثائق القيمة في مكانها الأصلي،
وقد استولت الهيئة العامة لقصور الثقافة في 28 يناير 2018 على 118 مخطوطًا نادرًا من قصر ثقافة طهطا، تحت سمع وبصر جميع المسئولين، وفي حالة من التكتم الشديد
وكان من المأمول أن تتم عمليات الترميم بالمكان الأصلي لحماية هذه الكنوز الثقافية من الضياع، لكن بدلاً من ذلك، شهدت هذه المخطوطات عبثًا بالتراث الذي يُعتبر رمزًا للتنوير في العالم العربي.
وتتزايد المطالبات بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الفضيحة الوطنية وضمان حماية تراثنا الثقافي.
فضيحة ثقافية: عبث بتراث الشيخ رفاعة الطهطاوي
وتم نقل مجموعة من المخطوطات القيمة بعيدًا عن أعين أبناء طهطا، لكن محاولات نقل هذه الكنوز الثقافية باءت بالفشل على مدى الـ 30 عامًا الماضية.
ورغم أن نسبة المخطوطات التالفة لا تتجاوز 5% من إجمالي عددها، فإن الهيئة العامة لقصور الثقافة أصرت على تنفيذ هذا النقل العبثي.
وكشفت مصادر ثقافية لموقع “أخبار الغد” عن أن المخطوطات التي تم نقلها من قصر ثقافة طهطا تشمل مجموعة نادرة وثمينة، تتضمن النسخة الأصلية لكتاب “الأغاني” للأصفهاني، و20 جزءًا من “لسان العرب”، ومخطوط “الإتقان في علوم القرآن” لجلال الدين السيوطي.
كما تضم المخطوطات “الفتح الوهاب” للشيخ زكريا الأنصاري، ومخطوطات تتعلق بالنكاح والطلاق لجواد محمد عبد الرحيم الطهطاوي، وشرح منظومة العمرة للشيخ حسن العطار، بالإضافة إلى مخطوطات أخرى في النحو والبلاغة للطهارة والصلاة مما يبرز أهمية صون الثقافات التاريخية..
ورغم أن بعض هذه المخطوطات يعود إلى عام 898 هـ، وهناك أختام تؤكد ملكيتها لفترات لاحقة، إلا أنها تحتاج إلى ترميم عاجل.
وقد تم تصوير 6 مخطوطات فقط، وسط إقبال كبير، مع معلومات عن ثمن الشراء القديم لبعضها، مثل مخطوط “شذور الذهب” الذي تم شراؤه بقرش ونصف.
حالة المخطوطات النادرة: 2% فقط تحتاج إلى ترميم
كشفت مصادر مطلعة لموقع “أخبار الغد” عن حالة المخطوطات النادرة، حيث تمت تجليد بعضها بالكامل بالجلد لحمايتها.
وأظهرت النتائج أن 2% فقط من المخطوطات تحتاج فعليًا إلى ترميم، بينما تتراوح نسبة المخطوطات التي تتطلب صيانة بين 2 و5%.
صمت المخطوطات: ماذا حدث؟
يقول “أحمد زكي”، أستاذ التاريخ والثقافة في إحدي الجامعات: إن تراث رفاعة الطهطاوي يشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية المصرية.
ولكن ما حدث لمخطوطاته يثير الشكوك حول نوايا القائمين على إدارة الثقافة في مصر.
ويسلط زكي الضوء على أهمية الحفاظ على هذه المخطوطات، حيث تُمثِّل الجهود الفكرية والإبداعية التي شكلت تاريخ الفكر المصري المعاصر.
تتحدث الدكتورة “سلمى العطار”، باحثة في التراث الثقافي، عن المشكلات المرتبطة بغياب الشفافية والمساءلة في إدارة المخطوطات: “ليس هناك مبرر منطقي للتأخير في إعادة المخطوطات إلى مكانها.
ومن يجب محاسبته على هذا الفشل؟ هل سيتم التستر على فقدان هذه الآثار الثقافية؟”
رئيس الإقليم الثقافي: تعدد المناصب وإهمال الواجبات
وبالحديث عن تلك الملفات، نجد أن “ضياء مكاوي”، رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، هو نفسه الذي يشغل منصب مدير عام لفرعي ثقافة أسيوط وسوهاج.
ويسطر المثقفون انتقاداتهم حول استمراره في هذا الوضع، حيث يُعرّض قادة الثقافة إلى ضغوطات تجعلهم غير قادرين على أداء واجباتهم بشكل فعّال.
“إن وجود شخص واحد في أكثر من منصب قد يعكس فشل النظام الإداري الذي يتسبب في تراجع الأداء داخل الهيئة”، يقول “حسن كامل”، مُخرج مسرحي معروف بالأوساط الثقافية.
“هل يمكن لرئيس الإقليم أن يُقدم كل تلك التحديات بشكل فعّال؟ أعتقد أنه يجب أن يُركّز على عمله كمدير عام بدلاً من التشتت بين المناصب.”
الفساد والفوضى
يتفق العديد من المثقفين على أن الفساد في الهيئة العامة لقصور الثقافة ليس جديدًا، فإذا نظرنا إلى ما يحدث من تجديد وتطوير في المواقع الثقافية،
ويمكننا أن نرى أن معظم المشاريع تتوقف في منتصف الطريق، مما يجعلها هدفًا للفساد.
“أرى أن المعايير ينبغي أن تتغير في اختيار القيادات الثقافية. يتطلب الوضع الحالي شخصيات مؤهلة، وتكون لديهم القدرة على تحديد المسؤوليات.
لا يجب أن يُسمح لكل القيادات الثقافية الحالية بدء من رئيس الهيئة الحالي نزولا إلي رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي الذي يشغل في ذاك الوقت منصبين آخرين مديراً عاماً لفرعي أسيوط وسوهاج بالاستمرار في مناصبهم” يقول “أشرف عطية”، ناشط ثقافي.
الدعوة للمحاسبة
عليه، يُؤكد المهتمون بالثقافة أنه يتطلب نزاعًا اجتماعيًا للحديث عن الفساد، والذي يجب أن تتواكب معه خطوات فعلية.
ويجب أن تعمل الجمعيات الأهلية والمجتمعات الثقافية على إحداث تغيير حقيقي، من خلال تقديم مقترحات بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة.
“يجب على المثقفين أن يجتمعوا ويشكلوا جبهة واحدة للضغط من أجل الإصلاح. إن فقدان المخطوطات الثقافية ليس مجرد خسارة فنية، بل هو دليل على الإهمال والفشل في حماية تراثنا الثمين”، تقول “نجلاء شوقي”، ناشطة ثقافية مشهورة.
“إن فقْد هذه المخطوطات يمثل خسارة كبيرة للتراث الثقافي المصري. كان ينبغي على السلطات الثقافية التعامل مع هذا الإرث باحترام وحماية، وليس بطريقة تعكس الجهل والإهمال”، يقول “محمد صالح”، باحث في التراث المصري.
ويُشير صالح إلى أن المخطوطات لا تُعتبر مجرد أوراق، بل هي نافذة تُفتح على التاريخ والثقافة الفريدة للشعب المصري.
من جهل الهيئة بإجراءات الحفاظ على التراث، يتساءل المثقفون عن أسباب تأخر إعادة ترميم المخطوطات وحفظها للجيل القادم.
وقد اعتبرت التقارير كذلك أن عملية الاستيلاء على هذه المخطوطات تعكس سياسة الفساد المستشرية التي تُسيطر على الهيئة العامة لقصور الثقافة.
انتقد الدكتورة “سلمي عادل”، ناشطة ثقافية، هذا الإجراء بالقول: “من المؤسف أن نشهد مثل هذه الأفعال من الهيئة التي من المفترض أن تكون الحامية للتراث. نحن بحاجة إلى قيادات ثقافية تعي أهمية الفنون والآثار، وتلتزم بحماية تاريخنا”.
وفي نفس السياق، تعالت الأصوات المطالبة بتحقيق شفاف وعاجل حول هذا الموضوع، واهتمت منظمات المجتمع المدني بإجراء دراسات لتقييم الأثر السلبي لفقد هذه المخطوطات على التراث الثقافي.
والأكاديمية “رنا جمال” دعت إلى المزيد من الحوار بين المثقفين والسلطات المعنية: “يجب أن تُعطى أصواتنا وأفكارنا أهمية، فالحفاظ على التراث ليس واجبًا فقط، بل هو حق لكل مصري”.
الحفاظ على الهوية الثقافية أم الفساد المستشري؟ تحديات الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر
إن وضع الثقافة في مصر يعد مرآة تعكس القدرة على الحفاظ على الهوية. والوقت الراهن يتطلب تضافر الجهود للقضاء على الفساد المُستشري في الهيئة العامة لقصور الثقافة.
وإن تطلعاتنا نحو مجتمع ثقافي نابض يجب أن تقابلها إجراءات عملية وحقيقية تستند إلى الشفافية والمساءلة.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فنحن أمام خطر فقدان التراث الثقافي الذي يمثلنا، ويجب على جميع المعنيين خصوصًا في الهيئة العامة لقصور الثقافة أن يتحملوا مسؤولياتهم.
والحفاظ على تراثنا الثقافي يعني الحفاظ على هويتنا، ونرى أن ما يحدث يجب أن يكون دعوة لعمل أوسع نحو الإصلاح الحقيقي.
حيث يتطلب الوضع الحالي وقفة جادة من كافة المعنيين لضمان الحفاظ على الإرث الثقافي وحمايته من الاندثار أو الضياع.
وإن استعادة الثقة في الهيئة تتطلب ممارسات مُسؤولة تتماشى مع تطلعات المجتمع المصري نحو ثقافة غنية ومُستدامة.