الحراك الطلابي..أداة ضغط تحمي الثورات وتحافظ على مكتسباتها
الحراك الطلابي في المجتمعات النشطة سياسيا، يُعد المضغة الاجتماعية التي تقوم عليها الثورات وتنشد التغيير وتشكل أداة ضغط قوية على الأنظمة السياسية، لما له من قوة عددية هائلة وعقول واعية مثقفة، تتحرك بفهم ونشاط شبابي طموح، بعيدا على الإيدلوجيات الضيقة.
وبعد أن خمدت أنشطة الحراك الطلابي في مجتمعاتنا العربية منذ حقبة السبعينيتات بسبب التضييق الأمني في الحرم الجامعي وقد رأينا ذلك مؤخرا في مصر، فقد منع النظام أى تضامن للطلاب مع القضية الفلسطينية، فبادر باعتقالهم سواء في الحرم الجامعي أو ملاعب كرة القدم، والعالم يتوق لأن يرى أنشطة الحراك الطلابي مجددا، خاصة في المجتمعات التى تطمح للغيير والإصلاح، وهذا ما تجلى مؤخرا في الولايات المتحدة وبنجلادش.
كانت ثورة 1919 كانت ثورة طلابية في المقام الأول، حيث برز دور الطلبة بشكل فعّال خلال هذه الفترة وتظهر أهمية دور الطلبة في ثورة 1919 من خلال استجابتهم لنفي زعيم الوفد سعد زغلول، حيث توجهوا إلى بيت الأمة رافضين التهدئة التي حاولت قيادات الوفد إقناعهم بها.
رفض الطلبة الانتظار والمفاوضات مع الاحتلال، وشعروا بالضرورة الملحة للخروج والاحتجاج بقوة من أجل استعادة حقوقهم وقد كانت هذه الفعالية الطلابية وقوداً لثورة 1919، التي تعتبر واحدة من أهم الثورات في تاريخ مصر المعاصر حيث انطلق صوت الطلبة بالهتاف الشهير “سعد سعد يحيا سعد”، معبّرين عن تضامنهم مع زعيمهم ومطالبتهم بإعادته.
انتعاش طلابي في بنجلادش
ففي بنجلادش كان للحراك الطلابي دورا كبير في إسقاط النظام، وقد أطلق “الحراك الطلابي ضد التمييز” والذي شكل أداة ضغط قوية ساندت الجماهير وقاد المظاهرات خلال الأسابيع الماضية ما سماه “أسبوع المقاومة” للتأكيد على مطالب أبرزها الإصلاح الإداري والقانوني في الدولة بعد سقوط رئيسة الوزراء وهروبها خارج البلاد.
وفي مقدمة مطالب الطلاب أمس الأربعاء، تشكيل محكمة للتعجيل بمحاكمة المتهمين بمقتل مئات في المواجهات التي آلت إلى استقالة الشيخة حسينة رئيس الوزراء السابقة وسفرها إلى الهند الأسبوع الماضي، متهمين المسؤولين بارتكاب “مذبحة”.
فبحسب وسائل إعلام محلية فقد قتل 111 شخصا في الرابع من أغسطس/آب الجاري وحده، و108 أشخاص في الخامس من الشهر نفسه، وهو يوم استقالة الشيخة حسينة وسفرها إلى الهند، و107 أشخاص في اليوم التالي. معظم الضحايا كانوا من الطلاب، إلى جانب عشرات من الشرطة ومؤيدي حزب رابطة عوامي الحاكم سابقا، والحزب الوطني المعارض ومواطنين، وأوضحت أن 78% من بين عينة تضم 212 قتيلا من مجموع الضحايا أصيبوا برصاص قاتل.
وطالب الحراك الطلابي إقالة جميع المسؤولين في الحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية ممن “شرّعوا المحاكمات والقتل خلال الحراك الطلابي” حسب بيانهم، وأن يلقى كل من حوكم ولاقى “تمييزا” فرصا قانونية متساوية للدفاع عن نفسه.
ضغط طلابي في جامعة كولومبيا
شهدت جامعة كولومبيا هزة طلابية في أبريل ومايو الماضيين عندما احتل الطلاب أجزاء من الحرم الجامعي في منطقة مانهاتن العليا للاحتجاج على الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين في غزة، مما ترتب عليه اعتقال مئات منهم. وندد المتظاهرون بسياسة رئيسة الجامعة نعمت شفيق لاستدعائها الشرطة إلى الحرم الجامعي لوقف المظاهرات، في حين انتقدها المؤيدون لإسرائيل لفشلها في اتباع ما يكفي من إجراءات لقمع التظاهرات.
لم يتوقف الحراك الطلابي فاستمر في ضغطه ونصب طلاب عشرات الخيام وطالبوا الجامعة ببيع أصولها الإسرائيلية، حاول مسؤولون في الجامعة التفاوض على اتفاق مع الطلاب بشأن تفكيك المخيمات. ومع فشل المحادثات، وعلى غثر ذلك اتخذت شفيق في 18 أبريل خطوة غير معتادة بمطالبة شرطة نيويورك بدخول الحرم الجامعي، مما أثار غضب كثير من جماعات حقوق الإنسان والطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
أدى تعنت رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق إلى تعقيد الأمر ووضعت نفسها في مرمى الانتقادات حتى قدمت استقالتها أمس الأربعاء، وذلك بعد أربعة أشهر تقريبا من إشرافها على تعامل الجامعة مع احتجاجات الطلاب في الحرم الجامعي على خلفية الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة.
وقالت شفيق في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين والطلاب “كانت أيضا فترة من الاضطرابات، إذ كان من الصعب التغلب على تباين وجهات النظر في مجتمعنا. لقد كان لهذه الفترة أثر سلبي على أسرتي، كما كان الأمر بالنسبة لآخرين في مجتمعنا”.
مع استقالة نعمت شفيق يكون الحراك الطلابي في أمريكا قد أضفى بعداً إعلامياً وشعبياً جديداً للقضية الفلسطينية، وأعاد استقطاباً في التفكير الطلابي الذي غاب عنه خلال النصف الأخير من القرن الماضي، وتدرك الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الغربية والعربية أهمية الدور الطلابي في دعم مشاريعها وحروبها أو معارضتها، وهو ما جعلها تستخدم تكتيك الحرب الناعمة لمحاصرة الدور الطلابي وتخفيف تأثيره في القضايا المتعلقة بالحرية والديمقراطية والاستقلال.