آثار مصرية تُباع بأثمان بخسة: آراء المواطنين تتفق على ضرورة حماية التراث
في فضيحة جديدة تعكس الفوضى المحيطة بالتجارة في الآثار، أفادت وسائل الإعلام المصرية بأن تمثالًا أثريًا نادرًا تم بيعه مؤخرًا في المزاد الذي أقامته دار سوثبي البريطانية، بسعر يُعدّ “بخسًا” مقارنة بقيمته التاريخية والثقافية.
يُظهر هذا الحدث القلق المتزايد بشأن سرقة الآثار المصرية ونقلها إلى الخارج دون تقدير حقيقي لأهميتها.
التمثال المعروض كان يُظهر رأسًا منحوتًا من الحجر الجيري القبرصي، ويُعتقد أنه يعود إلى النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد.
وقدّر ثمن التمثال بين 4000 إلى 6000 جنيه إسترليني، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بالفوائد المرتبطة بالآثار المصرية، والتي تُعتبر كنوزًا ثقافية لا تُقدّر بثمن.
وصف الخبراء التمثال بأنه يعكس الحرفية العالية للفن المصري القديم، حيث يحمل عناصر فنية فريدة.
فقد ارتدى الكاهن أو الراهب غطاء رأس مخروطي الشكل مع تاج مجزأ، بينما تميز وجهه بملامح دقيقة تُظهر ذقنًا مدببًا، وفمًا منحوتًا بدقة مع شق في الأنف، بالإضافة إلى تشكيلات عينية تُبرز تفاصيل عميقة على شكل لوز.
تزامن بيع هذا التمثال مع مخاوف متصاعدة حول تجارة الآثار، حيث انتقد نشطاء حقوقيون وأثريون مزادات مثل سوثبي التي تُقدّم قطعًا أثرية بأسعار منخفضة،
بينما يُعتبر العديد من هذه القطع جزءًا لا يتجزأ من التراث المصري القديم. ويعكس هذا الاتجاه خطراً محدقاً على الحضارة المصرية، إذ تُعتبر الآثار هويةً وطنيةً ولها قيمة تاريخية عميقة.
تعليقًا على ذلك، قال الدكتور أحمد فخري، أستاذ الآثار في إحدي الجامعات “إن بيع هذا النوع من التماثيل بهذا السعر يُعدّ بمثابة انتهاك صارخ لحقوق مصر التاريخية. فنحن بحاجة إلى المزيد من الحماية لآثارنا من النهب التجاري”.
كما دعا النشطاء إلى اتخاذ خطوات عاجلة لحماية التراث الثقافي المصري، بدءًا من تعزيز القوانين المحلية والدولية بشأن تجارة الآثار، وصولًا إلى تفعيل بروتوكولات استرداد الآثار المسروقة.
حيث رُصد مؤخرًا بيع عدة قطع أثرية مصرية قديمة بأسعار متدنية، تتنافى تمامًا مع قيمتها التاريخية والثقافية.
كان من أبرز هذه الحوادث، بيع الفنان “جابريال فاندر فورت” لقطعة أثرية تاريخية من قصر الملك إخناتون بتل العمارنة بسعر لا يتجاوز 199 دولار، وهو مبلغ يعد مثار استنكار من قبل الخبراء والمواطنين.
وتستهجن العديد من الأصوات المصرية هذا الأمر، خاصة أن تل العمارنة يُعتبر أحد أهم مواقع الحضارة الفرعونية، حيث تم تدمير العديد من آثار المدينة بواسطة الكهنة الذين بدوا مستائين من حكم إخناتون.
لذا، فإن كل قطعة قد تُعثر عليها من تلك المنطقة تُعد كنزًا ثقافيًا لا يقدر بثمن، ويتطلب ذلك عناية واهتمامًا خاصين لحماية هذا التراث.
الفضيحة المتكررة
من المعروف أن بيع الآثار المصرية يعد موضوعًا مثيرًا للجدل. وفي ضوء أحدث هذه الحوادث، يتساءل المواطنون كيف يتم تدمير الهوية المصرية بهذه الطريقة الفظيعة، خاصةً مع معرفة أن ثمن تذكرة لدخول متنزه في الولايات المتحدة يتجاوز بكثير ثمن تلك القطعة الأثرية النادرة؟!
تقول “هالة عبد الرحمن”، 38 عامًا، ربة منزل: “كيف يمكن أن نسمح لقطع مهمة من تاريخنا بأن تُباع بهذه الأسعار البسيطة؟ هذه القطع يجب أن تُعرض في المتحف المصري، وليس في مزاد علني بأقل من ثمن وجبة في مطعم!”.
بينما يُشير البائع “علي أبوزيد”، 45 عامًا، والذي يمتلك محلًا لبيع القطع الفنية: “المشكلة ليست في للبيع فقط، بل من يشتري وما هي الدوافع وراء ذلك.
لا أستطيع أن أتخيل أن تُباع آثار مثل هذه للجمهور. المحزن أنه لا نعرف من يشتري، ومن المحتمل أن تُدمر أو تُخفي”.
الغموض حول المشترين
هذا الغموض حول مَن هم المشترون يتزايد، ومن ثم يتساءل المواطنون: من يسيطر على هذه القطع ومن يفوز بها؟ بالنظر إلى مثال تمثال “سيخم كا”، الذي بيع بـ14 مليون جنيه إسترليني، تبقى الأبواب مفتوحة حول مَن يمتلك تلك التماثيل، وما هم أغنياء العالم الذي يمتلكها.
تقول “سلمى محمود”، 28 عامًا، خريجة آثار: “عندما نبيع الآثار، نحن نبيع تاريخنا. لا أستطيع تصديق أن أي شخص يقبل بذلك. كيف يُسمح لأثرياء مجهولين بالاحتفاظ بتراث يُعتبر ملكًا للجميع؟”.
العمليات الخفية
موضوع تدفق الآثار المصرية للخارج دون أي تحكم يثير البلبلة. في حين تمتلك مصر تاريخًا عريقًا، تتوجه الأنظار إلى دور بعض الأفراد في تلك العمليات.
ويُسند هذا الأمر إلى دوائر التهريب، كما تأتي الأقاويل حول دور أشخاص يُعتقد أنهم من أصول يهودية، يعملون على شراء الحضارات وتخزينها بعيدًا.
ويؤكد “عماد حسين”، 50 عامًا، كاتب ومؤرخ: “ليس من العسير القول إن هناك دورًا قديمًا للعديد من الأفراد من ثقافات مختلفة في شراء القطع الأثرية المصرية.
ويجب أن نكون يقظين أكثر وأن نحمي ذاكرتنا. فالكثير من هذه النخب السياسية والأثرياء يسعون للحصول على مثل هذه الكنوز”.
دعوات للحماية
توالت الدعوات من نشطاء حقوق الثقافة والمثقفين في مصر لحماية الآثار المصرية. في ظل الظروف الحالية، يبدو أنه من الضروري إيجاد تشريعات لحماية التراث الثري للمصرين.
تقول “نجلاء رمضان”، 35 عامًا، ناشطة ثقافية: “يجب أن يصبح القانون أكثر شدة، ومعاقبة من يتورط في تجارة الآثار. نحن بحاجة إلى مبادرات عاجلة لاستعادة القطع المُهربة”.
صوت الشارع
الخطوات العملية التي ينبغي اتخاذها تُعتبر شغفًا مشتركًا بين المصريين. ففي الشارع المصري، تتعالى الأصوات،
بينما يقول “طارق سالم”، 40 عامًا، فني بالمتحف: “يجب أن نعيد كل قطعة لمصر. الناس هنا لا يعرفون قيمة المُلك الكبير الذي نملكه”.
وفي ردود الأفعال المُنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يبدي الكثيرون سخطهم من هذه الممارسات.
وهذه الأصوات تكشف عن وعي لا يُمكن تجاهله. يتهم الناشطون أولئك الذين يُساعدون في تسهيل العمليات التي تؤدي إلى ذلك.
رؤية مستقبلية
تكتسب قصة الآثار المصرية أهمية كبيرة، حيث يعيش الوطن على ضفاف النيل بقلوب مؤمنة بقيمتها.
والحاجة للتصنيع والاستعادة تظل قائمة. تحتاج السلطات المصرية إلى التعامل بشكل جدي مع هذه القضية.
يقول “عازر زكريا”، 33 عامًا، باحث في مجال الآثار: “إن الوقت حان لنُثبت للعالم أن آثارنا لا تُقدر بثمن. يجب أن نكون يقظين، وعلينا أن نعمل لمشدد النقاط في تقوية قوانين حماية التراث”.
متى سيبدو الأثر المصري آمنًا؟
إن الأيام ستكون مُحملة بالتحديات، لكن الإرادة الشعبية ستظل مرتعًا للمعرفة والثقافة. تكمن القوة في الشجاعة والمثابرة للحفاظ على الهوية الثقافية للمصريين.
وتبقى الأسئلة مطروحة: متى سيبدو الأثر المصري آمنًا؟ وما هي الخطوات التي نحتاج إلى اتخاذها لحماية تراثنا؟
ويحتاج المصريون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التأكد من أن الآثار المصرية ستبقى كنوزًا للأجيال القادمة، وليس مجرد مواد تجارية في الأسواق العالمية.
وتبقى الشكوك حول كيفية وصول هذا التمثال إلى مزاد سوثبي، خاصةً مع التاريخ الطويل لنهب الآثار المصرية الذي شهدته البلاد.
حيث تقول التقارير إن العديد من القطع الأثرية قد تم تهريبها في فترات صعبة، وأن الدول الأوروبية بحاجة إلى تحمل المسؤولية التاريخية تجاه هذه الآثار.
ويُظهر هذا البيع السخيف اعترافًا بالحاجة الملحة لتطوير سياسات أكثر صرامة حول حماية التراث الثقافي المصري.
ويبقى السؤال: إلى متى ستستمر هذه الممارسات في سرقة هوية الحضارات العريقة؟ إن الجهود لاسترداد الآثار والحفاظ عليها تتطلب تضافر الجهود ليس فقط من مصر، بل من المجتمع الدولي بأسره.