من منا لا يتذكر صفر الرياضة الذي حصلت عليه مصر، إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وذلك في مسابقة تحديد البلد الذي سيستضيف مونديال 2010.
بعدها علقت مصر السبب وقتئذ، على طلب الجهاز الأولمبي الذي سيحدد البلد المضيف، بأنه طلب رشوة من مصر قدرها 7 ملايين دولار، وأن مصر رفضت الدفع.
مأساة علاقة الرياضة المصرية بالعالمية يبدو أنها تتكرر، بالطبع لا يتوقف أنصار ودعاة تبرير ما حدث من نواكب للرياضة المصرية في حصادها الباريسي.
فإجمالي الميداليات في هذا المونديال 903 ميداليات، موزعة بالتساوي بين ذهبية وفضية وبرونزية. نصيب مصر منها بالكاد ثلاث ميداليات يتيمات من كل فئة.
أصحاب تخفيف الفجيعة التي حصلت في مونديال باريس 2024، يبدو أنهم يسعون إلى الحد من تلك المأساة بكل ما يشد انتباه الناس لأمور أخرى.
فأبواق القائمين بوضع الحجج والذرائع؛ للتقليل مما حصده المصريون، عادوا من جديد. هؤلاء يتركون ما حدث جانبا بشأن نواتج الألعاب المختلفة التي تقترب من درجة ضعيف، ويقومون منذ عدة أيام بالعمل في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي للفت نظر المصريين عن الحصاد المر.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فكما يحدث كثيرا في مناسبات مختلفة، حين يستشهد البعض بوقائع فساد في أوروبا والولايات المتحدة، أو نهب المحلات هناك عند حدوث فوضى أو انقطاع للكهرباء في تلك البلدان، أو اقتحام الكونجرس من قبل مؤيدي ترمب منذ أربع سنوات تقريبا، ليقولوا للمستمع أو للقارئ، بلداننا، ليست أسوء حالا من بلدانهم، أو ها هم المتمدينون والديمقراطيون يفعلون في بلدانهم كل سوء، كما يفعل هؤلاء.
لذلك تقوم اليوم نفس الأبواق بذات الشيء، فيركزون على وجود ديدان داخل أطعمة الفرق الرياضية، ومساوئ المواصلات والاتصالات، ومستويات النظافة والنظام الفرنسي للمونديال، وتلوث مياه الأنهار الفرنسية التي تجرى فيها بعض المسابقات.
بعبارة أخرى، يترك هؤلاء تقييم الفرق المصرية، ويتجهون إلى تقييم الأغيار.
واحد من أبرز المشكلات التي حدثت في الدورة الباريسية، هي حصاد الهشيم لغالبية الفرق المصرية، حصاد ضحل من الميدليات، لا يتناسب مع الجهد المبذول، ولا يتناسب مع كم الإنفاق الكبير المصروف على تلك الفرق، ناهيك عن نفقات السفر والإقامة وغيرها من نفقات تشي ببذخ شديد، وكل هؤلاء كشفت وسائل إعلام محلية عنه، بأنه يقدر بمليار و100 مليون جنيه (حوالي 22مليون دولار). بعبارة أخرى، جاء المونديال كالسوق، الكل يعرض فيه بضاعته، وها نحن تبين إننا جئنا ببضاعة مزجاة.
قد يكون البذخ غير ذي بال أو مراجعة أو محاسبة، أو كما يقول العامة غير مبكي عليه، حال إحراز نجاح ممثل في حصد عشرات الميداليات، هنا يمكن التغاضي عن الإنفاق المترف، ما دام كان العائد جيدا.
أما وأن العائد ضحل، والبذخ شديد؛ فهذا ما يتوجب التوقف عنده، لا سيما لو كانت هناك شبهات فساد، حدثت نتيجة أمور عدة داخل الاتحادات الرياضية، منها على سبيل المثال لا الحصر، إشراك الاتحادات امرأة أو أكثر حامل، وكان يمكن أن تضع مولودها في الشهر السابع خلال الدورة الرياضية، وأخرى لم تبذل، ولم يبذل فريق إعدادها العناء؛ فزاد وزنها بضعة جرامات، ما منعها من خوض المنافسة بعد شهور ونفقات الإعداد والتجهيز في مصر. زاد الطين بلة، المتسابق الذي دخل أحد الحانات، واتهم زورا بالتحرش، ولولا العناية الإلهية لتحول الأمر لفضيحة أخلاقية فوق الهزيمة الرياضية، ترى لماذا ارتاد هذا المكان أصلا؟ أخيرا وليس آخرا، ما حدث من “نحس” جواد الفارس المصري نائل نصار، الذي انسحب من مسابقة الفروسية، بعد إصابة جواده، لتكتمل الفرص الضائعة، حتى لو أعلن أنه وفريقه المساعد، جاءوا على نفقتهم الخاصة من الولايات المتحدة.
بالطبع من يتابع قطاع الرياضة في مصر، يجده واحدا من أبرز القطاعات التي تحتاج إلى تغييرات هيكلية ودرامية في التدريب واختيار الأكفاء والتمويل.
كثيرون يدخلون هذا القطاع ،ويعتبرونه موئلا لنهب المال والإرباح السريع بغير حساب أو عقاب، كثيرون وبسبب تعدد الأجهزة الرياضية، يعتبرون هذا القطاع منهلا للمال الحرام دون رقيب، فيكبشون من هنا وهناك من دافع الضرائب ومن أموال القروض الثقيلة، التي أعجزت ولا زالت الموازنة المصرية، وجعلت البلاد تحت رحمة صندوق النقد الدولي، لأن تعدد الأجهزة يجعل هناك حججا لتحميل الأخطاء على الغير، والغير يتبرأ ويرفع عن نفسه المسئولية وينقلها لآخر وهكذا.
هنا من المهم الإشارة لأمرين، أمر يتصل بمونديال باريس تحديدًا، وآخر متصل بالرياضة المصرية عامة.
فيما يتعلق بمونديال باريس من المفيد التأكيد، أن المسئولين عن إعداد النشئ، ومعسكرات التدريب، ومدارس الكرة والنوادي، ومراكز الشباب، والقائمين على اختيار الممثلين للدولة في المسابقات المختلفة، وغيرها من أمور، كل هؤلاء القيادات يتحتم إيقافهم للحساب، لا يهم المنصب أو الموقع. وكما أن الناس ترفض أن يحاسب كمسري بسيط؛ بسبب مأساة قطار، أو فرد أمن بسبب حريق ضخم في مبنى، يستحيل أن يُقبل أن يحاسب موظف بسيط في هذا الاتحاد الرياضي أو ذاك، ويترك وزير الرياضة (الذي تم التجديد له في وزارة مدبولي الجديدة) أو رئيس هذا الاتحاد أو ذاك، أو تبقى الجمعيات العمومية لتلك المؤسسات قائمة، وهي مسئولة عن اختيار بعض القيادات المسئولة بشكل مباشر عن النتائج التي وصلنا إليها.
نتائج جعلت البلد في وضع غير مرضٍ عالميا، خاصة وأن هذا الوضع، يمكن أن ينضم إلى قائمة أوضاع أخرى غير مقبولة في التعليم والتعليم الجامعي، والشفافية والمحسوبية، وانتهاك حرية الصحافة وحق الرأي والتعبير، والحبس الاحتياطي، وتدوير زبائنه فيه لسنوات، واختيار أسوأ نظام انتخابي… إلخ.
لم نفز بنسب تفوق الـ 90% ألا في الانتخابات، وليتنا ما فزنا بتلك النتائج غير الواقعية. السؤال الآن: ألا من وقفة قوية يحاسب فيها كل هؤلاء، بما في ذلك أجهزة المحاسبة السياسية ممثلة في البرلمان للوقوف على إدارة جهاز الرياضة برمته.
أما فيما يتعلق بالرياضة المصرية على وجه العموم، فمن المجدي أن نرفع أصواتنا بسؤال يبدو ارتجالي، لكن الكثيرين يدعون إليه، كلما شهدوا مستوى دوليا رفيعا في مسابقة رياضية بعينها.
هل يمكن الحديث عن إلغاء كرة القدم في مصر، والتركيز على الألعاب الفردية مثلا!! في الولايات المتحدة لا توجد كرة قدم تقريبا، هناك تمايز في ألعاب أخرى كألعاب القوى.
من المهم أيضا وضع آلية قانونية، تتدخل من خلالها الدولة لضبط كافة الأمور الرياضية، لأن بقاء الدولة خارج تلك المنظومة عرضها لتضارب المصالح والفساد المزري.
أحد الأمور المهمة التي يجب لفت النظر إليها، هي تغليظ مبدأ العقاب وإسدال الثواب في كل الأمور، ومنها اختيار المدربين الأكفاء وربط رواتبهم بنتائج تدريبهم.
أيضا الابتعاد عن المحسوبية في اختيار الرياضيين الموهوبين، وإعادة النظر في علاقة التربية الرياضية في المدارس بمجموع الدرجات.
من المهم أيضا إعادة تقييم فكرة الانتخاب للاتحادات الرياضية، وهل من الصالح تعيين تلك الاتحادات، أم بقاء مبدأ الانتخاب حتى لا تتعرض الرياضة المصرية لعقوبات دولية؟
وبالنسبة للاتحادات وغيرها، من الضرورى تكثيف عمل الأجهزة الرقابية بغية تحويل المفسد فيها للأجهزة القضائية، لا سيما وأن المواطن العادى هو من يدفع فاتورة الإنفاق ببذخ على مراكز الشباب واللجنة الأولمبية، وذلك من مال المخالفات المرورية للمواطنين، والتي تذهب حصيلتها لوزارة الشباب والرياضة لدعم الرياضة في مصر منذ العام 1998.
أيضا من الواجب تشجيع الإنفاق على الرياضة من الرعاة لكل لعبة، خاصة الرياضات الفردية التي ثبت بعض التقدم فيها، وكذلك فتح الملاعب للجمهور بغية الإنفاق في ظل رقابة صارمة من الأجهزة الرقابية.
وأخيرا وليس آخرا، النظر في فكرة تأسيس محاكم رياضية تختص بالمنازعات الرياضية، حتى يتم الفصل في تلك المنازعات بشكل سريع.