وحدَهم الحمقى الذين يراهنون على «سلام عادل» مع الدولة العنصريّة في تل أبيب! وحدَهم عمي البصيرة الذين يتوهّمون أنّ السلام مع كيان الاحتلال سيجلب لشعوب المنطقة الأمن والاستقرار والرخاء!
وحدَهم الخونة والعملاء،
من موْتور، ومأمور، ومأجور، الذين يأخذون بـ «النوايا» الطيبة لدولة الإرهاب وحماتها، ويقرّون بـ «حقها» في الوجود على أرض فلسطين!
أيّ سلام ننتظره من القتلة والمعتدين، أعداء الإنسانية وهم الذين تشبّعوا بالكراهية، والاستعلاء على جميع البشر مستندين الى تعاليم توراتية وتلمودية، صاغوه بأنفسهم،
لتجعل منهم زيفاً «شعب الله المختار»، وتعطيهم «الحق» بالتفوّق النوعي، والديني، والعرقي، والجنسي دون سائر البشر من «الغوييم»، الذين هم بمفهوم التلمود بمثابة الحيوانات!
أيّ سلام ينتظرنا من دولة الاحتلال، وجرائم التطهير العرقي، والإبادة والترحيل التي ترتكبها، لم تتوقف يوماً، ولم يشهد العالم مثيلاً لها في وحشيتها وفظاعتها، وإبادتها الجماعية، ولم ينجُ منها الرضّع والأطفال والمسنون.
دولة تأسّست على الغزو والقتل والدماء، لا تزال مستمرّة في حروبها ومجازرها، وتطهيرها لشعب متجذّر على أرضه منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
أيّ سلام تنتظره شعوب المنطقة والعالم من الكيان «الإسرائيلي» المؤقت، وجميع من تولّوا قيادته منذ عام 1948، وأياديهم ملطخة بدماء مئات الآلاف من العرب نتيجة المذابح التي ارتكبوها بحقهم على مدى عقود قبل قيام دولتهم وبعده؟
أيّ سلام ننتظره من قتلة الأبرياء عمداً بدم بارد، ومن مجرمين لم يتورّعوا عن نبش المقابر الجماعيّة، لتطفو بعد ذلك على الرمال ما تبقى من الجثث المتناثرة!
أيّ سلام يعوّل عليه مع دولة متمرّدة على المجتمع والقوانين الدولية، ووزير ماليتها العنصري بتسلئيل سموتريتش يقول بكلّ قذارته «إنّ ترك مليوني شخص من سكان قطاع غزة يموتون جوعاً، يمكن أن يكون أمراً مبرراً».
أيّ سلام يننظره، ويتطلع اليه المنبطحون، والمتخاذلون والمتآمرون، والمتواطئون مع دولة قاتلة مارقة ترفع علناً خريطتها الجغرافية التوراتية التي تدفعها شهيتها على الدوام إلى الحروب، وسفك الدماء، والاستيلاء على الأرض، واللجوء الى سياسة القضم والضمّ تنفيذاً للوعد الإلهيّ الوهم؟
هل يتصوّر الزاحفون المهرولون، المطبّلون للسلام مع الكيان المحتلّ، العابث بكلّ القيم الروحية والأخلاقية، والإنسانية، والحضارية، أنهم سيلقون منه الدعم، والعطف، والحماية، والرعاية، والأهمية،
وهو الذي يعتبر دولته، دولة «شعب الله المختار»، وينظر إليهم نظرة احتقار ودونية كنظرة الأسياد للعبيد، وما أكثر العبيد في هذه الأمة؟!
أيُّ سلام مع الاحتلال اليوم أو مستقبلاً، وأيّ استقرار ورخاء ينتظره المغفلون بعد إلقاء السلاح جانباً من دولة لا تتوقف شهيتها عن التوسع، وهي المدجّجة بالسلاح النووي، فيما يُحرّم على الآخرين امتلاك الحدّ الأدنى من التكنولوجيا النووية السلمية!
أيّ سلام نتطلع إليه مع دولة سلوكها وعقيدتها ونهجها يستند إلى رفض حقوق الآخرين جملة وتفصيلاً، وتغرز في نفوس مستوطنيها وطلاب مدارسها الكراهية والحقد،
وعقيدة التفوّق العرقيّ على العرب وسائر البشر، وتشرع قتلهم وإبادتهم دون ذرة إحساس أو رحمة!
سلوا فلسطينيّي 1948 الذين هم تحت سلطة دولة
«الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان» كيف يعيشون ويعامَلون وفي أيّ درجة يُصنّفون؟!
ما شهده العالم منذ عشرة أشهر من جرائم همجية يندى لها الجبين، ومن إبادة جماعيّة لقطاع غزة، وهدم وتنكيل، وقتل، واعتقالات،
وإذلال المواطنين في الضفة الغربية، التي تجاوز عدد المعتقلين فيها خلال هذه المدة أكثر من ثمانية آلاف فلسطيني،
بالإضافة الى أكثر من ستة آلاف معتقل في غياهب سجون الاحتلال قبل السابع من تشرين الماضي. مع ما يرافق هذا الاعتقال من تعذيب، وتجويع، واغتصاب وإذلال.
إنّه السلام المستحيل مع دولة الإجرام، آخر المحتلين في هذا العالم، دولة خارجة عن القانون الدولي، وضاربة بعرض الحائط كلّ القرارات الأممية ذات الصلة بالفلسطينيين وقضيتهم.
السلام الحقيقيّ لا يمكن له أن يتحقق بين شعب ومحتلين لأرضه.
فشتان بين السارق والمسروق، والقاتل والمقتول، ليطلبوا منه بعد ذلك التوقيع على صكّ الغفران، والاعتراف بدولة الاحتلال.
لن نغفر لدولة البغي جرائمها ضدّ الإنسانية. لا غفران إزاء كلّ ما ارتكبه ويرتكبه الطارئون الصهاينة على مدى قرن من الزمن بحق العرب، أكان ذلك في فلسطين أو في دول عربية أخرى.
السلام الحقيقي، والاستقرار، والأمن، لن تنتزعه «إسرائيل» ولا حلفاؤها بأساطيلهم، ومقاتلاتهم، وصواريخهم، ولا بكلّ أسلحة العالم كله، وإنما يتحقق فقط عندما تخلو أرض المشرق من المحتلين ودولتهم العدوانية!
«إسرائيل» والسلام في المنطقة لا يمكن لهما أن يلتقيا،
ولا يمكن للأحرار أن يتعايشوا مع دولة عنصرية ادّعت نفاقاً أنها واحة للحرية والديمقراطية، والتسامح.
أيّ سلام ننتظره، و»إسرائيل» والولايات المتحدة ومن معهما، يرون اليوم أنها الفرصة الذهبية التي لن تتكرّر، للسير بعيداً في إنهاء المقاومة في فلسطين وطي صفحة الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني نهائياً؟
هذا ما يريده الكيان في العمق، وما تريده الولايات المتحدة وأوروبا من حرب «إسرائيل».
لذلك يتمادى العدو في حربه المدمّرة متحدياً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. غير عابئ بهما، بتغطية ودعم كلي من واشنطن وحلفائها.
السلام «الإسرائيلي» الذي تمّ مع الذين نفضوا أياديهم من فلسطين وشعبها، سلام لن يحقق لدولة الاحتلال الأمن والسلام. الأمن والسلام الحقيقيّ ينبع من أرض فلسطين، ولا من خارجها، ولا يتحقق إلا على أيدي أبنائها.
لا ثقة بدول الغرب ووساطاته، وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي دعمت الكيان «الإسرائيلي» على مدى ثمانية عقود ولا تزال، غير مبالية بحقوق شعوب المنطقة، ولا بالمجازر الوحشيّة التي يرتكبها العدو ضدّ الفلسطينيين.
قدر الفلسطينيين والأحرار في هذا الشرق، أن يستمرّوا في مقاومة الاحتلال حتى النهاية، ولا بديل عنها، وإنْ كانت ضريبة الدم التي يدفعونها غالية، وغالية جداً إلى حين تطهير أرضهم من الغزاة، وعملائهم، وحماتهم. إنّهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما الحياة والكرامة والحرية، وإما الموت والذلّ والعبودية. ولن يكون لأبناء هذه الأرض وهذه الأمة في نهاية المطاف إلا الحياة والحرية، وإنْ كان الدرب شائكاً ومرهقاً، ومكلفاً، لكنهم سينتصرون…