مصر

قصف مدرسة “التابعين” في غزة: جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني

المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي

في فجر يوم السبت، شهدت غزة مجزرة مروعة بعد قصف إسرائيلي استهدف مدرسة “التابعين” التي كانت تأوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة. وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني وإصابة العشرات بجروح.

وقد وصف الجيش الإسرائيلي هذا الهجوم، في بيانه الرسمي، بأنه “ضربة دقيقة استهدفت إرهابيي حماس الذين كانوا يعملون داخل مركز القيادة والسيطرة التابع للحركة والموجود في المدرسة”،

مضيفًا أن المدرسة كانت تُستخدم كـ”مأوى لسكان مدينة غزة”.

إن هذا الهجوم يمثل جريمة حرب صارخة وانتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني. المدارس، باعتبارها منشآت مدنية، تحظى بحماية خاصة بموجب القانون الدولي،

حيث يُمنع استهدافها ما لم يتم استخدامها لأغراض عسكرية فعلية. ومع ذلك، فإن القصف الذي تعرضت له مدرسة “التابعين”، وهي موقع معروف يؤوي مدنيين نازحين،

يعد انتهاكًا لمبدأي التمييز والتناسب، وهما من المبادئ الأساسية التي تحكم سلوك الأطراف المتحاربة في النزاعات المسلحة.

انتهاك مبدأ التمييز

يُلزم القانون الدولي الإنساني، وخاصة البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، الأطراف المتحاربة بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين،

ويحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية بشكل متعمد. وينص المبدأ على أن الهجمات يجب أن تكون موجهة فقط ضد الأهداف العسكرية المشروعة.

إن استهداف مدرسة “التابعين” – وهي مكان يعرف الجميع أنه يؤوي مدنيين نازحين – يشكل انتهاكًا صارخًا لهذا المبدأ. فحتى في حالة وجود عناصر عسكرية، لا يمكن تبرير الهجوم الذي يؤدي إلى قتل عشرات المدنيين.

انتهاك مبدأ التناسب

ينص مبدأ التناسب على أنه حتى في حالة استهداف هدف عسكري مشروع، يجب ألا تكون الخسائر في الأرواح أو الإصابات بين المدنيين أو الأضرار بالأعيان المدنية غير متناسبة مع الفائدة العسكرية المتوقعة من الهجوم.

إن القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل أكثر من 100 مدني في مدرسة تعج بالنازحين لا يمكن اعتباره متناسبًا بأي حال من الأحوال، مما يجعل هذا الهجوم انتهاكًا صارخًا لهذا المبدأ.

انتهاك قاعدة حماية المنشآت التعليمية

وفقًا لاتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907، والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، تحظى المنشآت التعليمية بحماية خاصة في النزاعات المسلحة. وبهذا، يُحظر استهداف المدارس إلا إذا كانت تُستخدم لأغراض عسكرية، وحتى في هذه الحالة،

يجب اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين. في حالة مدرسة “التابعين”، لم تُقدم إسرائيل أدلة موثوقة تُثبت استخدامها كمركز قيادة لحماس، وحتى إذا تم استخدام جزء منها لأغراض عسكرية، فإن الهجوم الكاسح الذي أودى بحياة عشرات المدنيين لا يمكن تبريره.

أهمية التوثيق ومكافحة الإفلات من العقاب

إن الهجوم على مدرسة “التابعين” يمثل جريمة يجب توثيقها بدقة من قبل المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان. إن التوثيق السليم يعد خطوة حيوية نحو تحقيق العدالة وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

يجب أن يسعى المجتمع الدولي إلى ضمان عدم إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب. وقد دعت العديد من الهيئات الدولية إلى إجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في هذا الهجوم وغيره من الهجمات المماثلة لضمان تطبيق العدالة الدولية.

إن احترام القانون الدولي الإنساني ليس خيارًا، بل هو التزام يجب على جميع الأطراف المتنازعة الالتزام به. إن القصف الإسرائيلي لمدرسة “التابعين” يظهر تجاهلًا صارخًا لهذه الالتزامات،

مما يتطلب رد فعل حازمًا من المجتمع الدولي لضمان محاسبة المسؤولين وضمان حماية المدنيين في النزاعات المستقبلية.

إن ما حدث في مدرسة “التابعين” يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي بأسره. إن الإفلات من العقاب على مثل هذه الجرائم يؤدي إلى تكرارها،

ويفرض على المجتمع الدولي مسؤولية مشتركة في ضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي. يجب أن تبقى حماية المدنيين في قلب أي صراع، وأي انتهاك لهذه القاعدة الأساسية يجب أن يُقابل بإدانة قوية وإجراءات ملموسة لمحاسبة المسؤولين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى