مقالات ورأى

احمد بدوى يكتب : المسيح المخلص في السياسة المصرية

لسبب ما يبدو أن هناك إيمان جمعي في الوجدان المصري بفكرة المسيح المخلص، الذي يأتي ليطهرنا بعذابه فتتحول آثامنا – التي لا يعترف جزء كبير منا بأنه شريك فيها – لِنِعَم تتنزل علينا من السماء بشكل مفاجئ لا يد لنا في تنظيم سريانه أو حتى استجداؤه من الله!

ورغم مئات الحالات التي أثبتت خطأ هذه النظرة الطفولية ورغم انتهاء كل محاولات تجسيد المسيح بالسجن (نذكر هنا حالات ذات أهمية خاصة مثل حالات أحمد الطنطاوي،

علاء عبد الفتاح، عبد المنعم أبو الفتوح) ،، أو حتى القتل (حالة د. محمد مرسي) ، إلا أن هناك إيمان عميق، عند المؤمنين بضرورة التغيير – سواء لأسباب عقائدية أيديولوجية أو لأسباب براجماتية منطقية بحتة – بأن كل شئ يمكن أن ينقلب رأسًا على عقب

في الاتجاه الصحيح لو فقط تحرك الناس خلف المسيح المخَلِّص الذي هو في ذاته الزعيم المُخْلِص الذي يمتلك الحل لكل مشاكلنا من أول الديون المرعبة حتى سلوكيات العنف ضد المرأة!

وأنا هنا لا أتحدث من منطلق نقدي للفكرة فقط وكأني أعاديها على طول الخط، وإنما أتحدث بمنطق الذي يؤمن بضرورة وأهمية دور القيادة في توجيه الجموع والجماهير

ومن يدرك أن أى زعيم سياسي ليس سوى ممثل لإرادة جماعته التي يتولى قيادتها سواء كانت حزب أو حركة أو تيار سياسي،

وبالتالي أتحدث من منطلق من يدرك أن وجود زعيم بدون تنظيم يساوي في لا فاعليته وهراؤه وجود تنظيم دون قيادة أو مبادئ حاكمة.

وبناء عليه أتحدث من منطلق من يفهم أن العقل الجمعي المصري قد أدرك أن قفزات التغيير المفاجئ سوف تُقابَل بعقوبات ومشاكل لا قِبَل له بها، عقوبات صحيح أن أغلبها مخططة ومعدة مسبقًا ممن يحملون مفاتيح خزائن مصر ويرفضون مجرد التفكير في تسليمها لأصحابها ويستعدون لبذل كل غالي ورخيص في سبيل الاحتفاظ بها،

إلا أنه صحيح أيضًا أن جزء منها – من العقوبات التي تواجه الثائرين – نابع من عشوائية الحراك الذي يستهدف إحداث تلك القفزات،

مما يجبر العقل الجمعي – مع الاستثناءات التي لا تنفي القاعدة الغالبة مثل ثورة الوراق (التي أؤمن أنها لم تكن تستمر لو لم تكن منظمة وذات مصداقية عند السكان الشعب الذي يدعمها ويدافع عنها،

رغم أنني لم أذهب أبدًا إلى هناك ولم يتسنى لي أى فرصة على الإطلاع إلا على ما يطلع عليه غيري من فيديوهات تخرج من الجزيرة من حين لآخر لتُشهِد الناس على أن شعب الوراق لم يستسلم “حتى الآن”

إلا أنني لا أستطيع تصور أن تكون تلك المقاومة مجرد تحركات عشوائية غاضبة من سكان غاضبين) على الاستسلام أمام إرادة أصحاب السلطة،

خوفًا بالأساس، من تدهور الأوضاع أكثر مما هي عليه لو تحرك الناس فعلًا لإسقاط الحكومة دون خطة منظمة ومدروسة ومعلنة لترويض تلك الجماعة الجامحة “التي تطلق على نفسها الدولة المصرية” التي ينتمى لها مئات الآلاف من الأعضاء ويعتمد على وجودها بضع ملايين تشكل النخبة الاقتصادية للبلاد.

دون حكومة بديلة تكون قادرة على تولي زمام الحكم في أى بلد لن تكون نتائج أى حراك سياسي ضد أصحاب السلطة فيها مُرضية،

قد تنجح الجموح في لحظة الغضب أن تطيح برأس السلطة ولكن دون وجود حكومة بديلة تملأ الفراغ الذي سينشأ عن تلك الإطاحة تكون النتيجة دائمًا هي أن تعود تلك الجماعة التي تفرقت مع سقوط رأس النظام إلى التماسك مرة أخرى وأن تسعى بكل إمكانياتها الهائلة للعودة للسلطة الرسمية مرة أخرى،

وهى غالبًا ما تنجح في ذلك، ما لم يقوم المجتمع بإفراز قيادة سياسية جديدة تملأ الفراغ بسرعة وتحقق حالة جديدة من الديكتاتورية المخففة أو حتى المشددة حسب نظرتها للأمور وحسب قدرتها على حشد الجموع لتأييدها.

أيوة يعني ايه المطلوب؟

أولًا إدراك أن أى تغيير ديمقراطي حقيقي لا يمكن إلا أن يكون منظمًا ومتجذرًا في المجتمع،

وأن الإعداد لمثل ذلك التغيير يحتاج أولًا للوقت لكى يتم إعداده وإنضاجه وتحويل الشتات الحالي لوحدة وطنية تقف على أرض صلبة بمطالب موحدة جامعة يتبناها ويؤمن بضرورتها الغالبية الساحقة من “الفاعلين” داخل المجتمع المصري، وإدراك أن كل ذلك ليس كافيًا في ذاته ما لم يتم ترجمته لوجود حكومة بديلة مدنية ديمقراطية ذات شعبية واسعة وسط جموع المصريين.

فهل يمكن تحقيق ذلك؟

قطعًا لا، إذا كنا نتحدث عن يوم غد أو بعد غد، ولكنه قابل للتحقق بالتأكيد إذا تشكلت نواة للجماعة الديمقراطية (وهى الخطوة التي أعتقد أنها قد تمت بالفعل وسأتحدث عنها لاحقًا) واستطاعت هذه النواة بشكل تدريجي التطور نحو تكوين حزب أو تيار جامع للديمقراطيين المصريين

واستطاع ذلك الحزب الحصول على ثقة المصريين في مواجهة أحزاب السلطة المختلفة. وقتها ستكون خطوة تشكيل حكومة وحدة وطنية خطوة ضرورية ومنطقية في خطوات التحول الوطني للديمقراطية وتولي الشعب حكم نفسه بنفسه لأول مرة في التاريخ الحديث وإن كنت أشك أنه سيتخلص تمامًا من الحنين لمخلص يتولى شئونه بالنيابة عنه. 

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى