ذاكرة التاريخ

محمد نوح: رحلة فنية تزين تاريخ الموسيقى المصرية

تستذكر الساحة الثقافية والفنية في مصر اليوم أثر الفنان المتميز محمد نوح، الذي حفر اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الموسيقى العربية.

توفي الفنان والموسيقار المصري محمد نوح في 5 أغسطس 2012، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا عظيمًا، يمثل رمزًا للإبداع والموسيقى الراقية.

وُلد محمد نوح في 8 يناير 1937 في مدينة طنطا، حيث نشأ في بيئة ثقافية مهدت له الطريق ليصبح أحد أبرز الفنانين والمُلحنين في الساحة الموسيقية المصرية.

بعد إتمام دراسته الثانوية، التحق محمد نوح بكلية التجارة في جامعة الإسكندرية، حيث حصل على درجة البكالريوس.

محمد نوح: رائد الموسيقى المصرية وأستاذها في التأليف والإبداع

مما جعله يكتسب قاعدة معرفية قوية. لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، حيث قرر أن يتبع شغفه بالموسيقى، فالتحق بمعهد الموسيقى العربية، وهناك نال دبلوم المعهد، مُجددًا تصميمه على أن يصبح جزءًا من عالم الموسيقى.

لم يقتصر طموح محمد نوح على الدراسة في مصر فقط، بل انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة التأليف الموسيقي في جامعة ستانفورد.

وكانت هذه الخطوة علامة فارقة في مسيرته الفنية، حيث حصل على المعرفة والمهارات اللازمة لتطوير أسلوبه الفني والمساهمة بشكل أكبر في الساحة الموسيقية.

ولم يتوقف عند هذا الحد، بل سعى لدعم معرفته بالموسيقى والتحصيل الأكاديمي، ليكمل دراسته في معهد الموسيقى، مُكتسبًا دبلومًا في هذا المجال. وعبر موهبته الفذة، أصبح أستاذًا زائرًا في معهد الموسيقى، مما ساهم في إعداد جيل جديد من الفنانين.

وبدأ نوح مسيرته الفنية في المسرح الغنائي، حيث لفت الأنظار بشدة لموهبته في مسرحية “سيد درويش” التي عُرضت عام 1966.

وقد تكون هذه المسرحية نقطة انطلاقته نحو عالم الشهرة. كما درس أيضًا في الولايات المتحدة الأمريكية في جامعة ستانفورد قسم تأليف الموسيقى، حيث أضاف إلى معرفته الأكاديمية المزيد من المهارات المهنية.

وتعددت إسهامات محمد نوح في مجال الموسيقى، حيث برع في الأناشيد والأغاني التي تستلهم روح التراث المصري،

وغنى لأعمال سيد درويش، لكن عُرف أكثر بتلحينه لمجموعة من الموشحات التي أدّاها فنانون بارزون مثل نجاح سلام، على الحجار، محمد الحلو، محمد ثروت، وعفاف راضي.

خلال مسيرته الفنية، تعاون محمد نوح مع عدد كبير من المطربين البارزين، حيث عمل مع الفنانين مثل على الحجار، محمد الحلو، وعفاف راضي. وكان لهذه التعاونات تأثير كبير في إثراء الرصيد الفني العربي وتقديم أعمال حماسية ومؤثرة.

وبعد حرب أكتوبر 1973، أسس محمد نوح فرقة غنائية أطلق عليها اسم “فرقة النهار”، التي اشتهرت بأغانيها الوطنية الحماسية. لطالما عبرت أغاني هذه الفرقة عن الفخر والانتماء للوطن، ونجحت في استقطاب الجمهور المصري، خاصةً في تلك الفترة العصيبة من تاريخ البلاد.

كما أسس “فرقة النهار” في عام 1974، التي قدمت العديد من الأعمال الفنية المتميزة.

ولم يقتصر دور نوح على الغناء وحسب، بل قدم أيضًا مساهمات بارزة في السينما والمسرح. فقد وضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام المعروفة مثل “كريستال”، “مرسيدس”، “المهاجر” و”إسكندرية كمان وكمان”، محققًا بذلك تواصلاً فنيًا وجماليًا عميقًا بين الموسيقى والسينما.

عمل محمد نوح كأستاذ في مجال الصوتيات بالمعهد العالي للسينما، وأستاذ في المسرح الغنائي بمعهد الموسيقى العربية، حيث قام بتدريب وإعداد جيل جديد من الفنانين. كما نشر العديد من الأبحاث والدراسات حول الموسيقى الفرعونية، مُسهمًا في إثراء المعرفة الثقافية حول التراث الفني المصري.

وتميز محمد نوح بقدراته العزفية المتعددة، حيث كان عازفًا ماهرًا على العود، البيانو، الكمانجة، والناي.

وقد لعبت مهاراته العزفية دورًا كبيرًا في تقديم تجارب موسيقية فريدة تُعبر عن روحه الفنية.

وعلى صعيد الأسرة، كون محمد نوح “رباعية نوح” المكونة من بناته سحر ومريم، وابنه هاشم.

ورافقه أفراد أسرته في تنفيذ مشاريع فنية متميزة، مثل المسرحية الشهيرة “سحلب”، والتي كانت مثالًا على التعاون الوالدين في تحقيق الأحلام الفنية.

وأخرج عملًا فنيًا خاصًا بعنوان “رحلة العائلة المقدسة”، الذي قدم من خلاله تفاصيل غنية للحضارة والثقافة المصرية.

وكان محمد نوح فنانًا عبقريًا، مثقفًا وواعياً، حيث نذر حياته لفن يستلهم القيم الإنسانية وأصالة التراث المصري.

رحل محمد نوح عن عالمنا في عام 2012، عن عمر يناهز 75 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا عظيمًا يُعتبر مصدر إلهام للأجيال القادمة. إن مسيرته الفنية تُعد مثالاً يُحتذى به، حيث كان دائمًا في طليعة المبدعين الذين ساهموا في تطوير ورفع مستوى الموسيقى العربية.

ورحل عن عالمنا، لكن آثاره وموسيقاه تظل خالدة في قلوب محبيه وعشاق الفن، مما يجعله أحد أبرز رواد الموسيقى المصرية على مر العصور.

وتظل ذكراه محفورة في عقول الجماهير، كونه واحدًا من أعظم الأصوات التي أنارت سماء الفن في مصر.

وكما ستظل ذكراه محفوظة في قلوب محبيه وعشاق الفن، وستبقى أعماله خالدة من خلال الموسيقى التي تركها، مُؤكدة أن محمد نوح كان ولا يزال جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والفنية لمصر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى