مقالات ورأى

الدكتور ياسر محجوب الحسين يكتب: الاغتيال السياسي وسيلة الجبناء

يقوم موقع “أخبار الغد” في خطوة تعكس أهمية القضايا السياسية الراهنة، بإعادة نشر مقال مثير للدكتور ياسر محجوب الحسين، بعنوان “الاغتيال السياسي وسيلة الجبناء”، والذي تم نشره اليوم على موقع “الشرق” الإخباري الإلكتروني.

حيث يتناول المقال جريمتا اغتيال سياسي في يوم واحد، والفاعل واحد سواء بدا ظاهراً سعيداً، أو تخفى من وراء حُجب عبر أدوات مرتجفة، والهدف واحد تركيع الأمة، واخماد جذوة الجهاد، والنضال، وتسليم زمام أمرها كاملاً للصهيونية العالمية.

الأربعاء الماضي أفاقت الأمة على خبر صاعق باغتيال الوجه الدبلوماسي لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وزعيمها السياسي إسماعيل هنية في طهران.

وبعد سويعات جرت محاولة أخرى في السودان فاشلة لاغتيال رئيس مجلس السيادة، وقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان. اغتيال هنية تم بإعداد، وتنفيذ إسرائيلي، ربما بضربة صاروخية أو عبوة ناسفة فُجّرت عن بُعد باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية.

أما محاولة اغتيال البرهان فقد تمت بطائرتين مسيّرتين، في موقع تخريج دفعة جديدة من مجندي الجيش السوداني بولاية البحر الأحمر، بإعداد وتخطيط أجنبي، وتنفيذه من قِبل مليشيا الدعم السريع المؤيدة بشدة، والمتحالفة مع إسرائيل، وبمساعدة خدمات قمر صناعي إسرائيلي، غير أن المضادات الأرضية كانت قد تصدّت للمسيّرتين اللتين استهدفتا البرهان.

المقاومة الفلسطينية تخوض حرباً وجودية على أرضها المحتلة، والجيش السوداني يخوض كذلك حرباً وجودية متعددة الجنسيات تقف من خلفها إسرائيل وأعوانها في المنطقة لمحو الدولة السودانية من الوجود.

وأراد الفاعل في كلتا الحادثتين إرهاب المقاومة الفلسطينية، وإجبارها على كسر موقفها التفاوضي القوي الذي أنهك حكومة العدو بنيامين نتنياهو، حيث ظل الشهيد هنية يلعب دوراً كبيرًا في عملية التفاوض. وفي الحادثة الأخرى كان قد تم إعداد مائدة لئام تفاوضية تعقد في 14 أغسطس الجاري بجنيف لكنها تواجه موقفاً صُلبا من الدولة السودانية، موقف يرفض إعادة المليشيا الإجرامية للمشهد السياسي السوداني

بينما ظل ذلك الهدف هو الهم المسيطر على رعاة التفاوض، خاصة مع تقدم الجيش السوداني، وتشرذم المليشيا. وجاءت محاولة اغتيال البرهان بعد يوم واحد من إعلان وزارة الخارجية السودانية عن رفضها طلباً تقدمت به نظيرتها الأمريكية لزيارة بورتسودان في السابع من أغسطس الجاري لإجراء محادثات بخصوص مائدة التفاوض التي أعدتها واشنطن،

لكن بعد نصف ساعة من محاولة اغتياله، قال البرهان إن «الجيش السوداني لن يتفاوض مع مليشيا الدعم السريع، ولا يخشى الطائرات المسيّرة، ولا الموت، وسيستمر في القتال». وفي ذات الوقت لن تكون مفاوضات إسرائيل مع المقاومة سهلة وستزداد مصاعب نتنياهو وجيشه المنهار.

إن استمرار العمليات الهجومية بالمسيرات في السودان يشير إلى وجود إمداد لوجستي متواصل لمليشيا الدعم السريع من خارج الحدود، فضلاً عن دعم تقني معلوماتي لا يتوافر إلا من جانب إسرائيل.

لا شك أن الاغتيال السياسي عمل جبان، وغير أخلاقي يشبه الصهيونية العالمية التي قامت، وتأسست على مثل هذه الأفعال.

في عام 2009، نشرت مجلة «مومِنت» اليهودية الأمريكية حوارا مع الحاخام الصهيوني «مانيس فريدمان» حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب،

وقد أتت إجابة «فريدمان» صريحة: «إنني لا أؤمن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تدمر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.

إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم».

وقد علل «فريدمان» ذلك بأنه الرادع الوحيد، والحقيقي للتخلص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل الإسرائيليين «النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات المدمرة التي اخترعها الإنسان».

يُعرف الاغتيال السياسي بأنه قتل شخصية سياسية بغرض تحقيق أهداف سياسية، أو عسكرية. وبينما تأخذ عملية القتل الجنائي شكلًا واحدًا، وتتم في اتجاه واحد. غير أن عملية الاغتيال السياسي تأخذ ثلاثة أشكال: الاغتيال المعنوي، والاغتيال المادي، والاغتيال «القانوني».

ووفقًا للقانون الدولي، يعتبر الاغتيال السياسي جريمة حرب. يُحظر بشكل صريح في الاتفاقيات الدولية. ونجد ذلك في المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث تُعرِّف القتل العمد باعتباره جريمة حرب.

وتحظر المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الاعتداء على الحياة، والسلامة البدنية للأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية. والاغتيالات السياسية ظاهرة وجريمة في آن، فهي ظاهرة اجتماعية تاريخية بحكم تكرار حدوثها وانتشارها زمانيًّا ومكانيًّا،

فضلًا عن تعدد، واختلاف أسبابها ودوافعها. ومن ناحية التوصيف القانوني هي جريمة وضرب من ضروب القتل العمدي، محرمة دينياً، ومجرمة قانوناً، ومرذولة اجتماعياً.

ولذلك نجد أن الجذر اللغوي لـ(الاغتيال) يأتي من: غاله، غوله، واغتاله: أي أخذه من حيث لا يدري فأهلكه. والغُول: (الجمع غِيلان)، والغِيلان في المخيال الشعبي عند العرب هي الشياطين التي تظهر للناس في الفلاة، فتتلون لهم في صور شتى وتغولهم؛ أي تضللهم وتُهلكهم. والغيلة: الاغتيال. يقال قتله غيلةً: على غفلة منه.

 إن الجهة التي تلجأ إلى الاغتيال السياسي تريد أن تكرس في الوعي العام أن مسار التاريخ يحتكم لقوة خفية شريرة، تعمل في الظلام وتهدف إلى تحقيق أهداف خفية غير معلنة بنزعة شيفونية أنانية.

بينما الواقع، والعلم يقرران أن التاريخ يتحرك وفق قوانين موضوعية، ومشاهدة وبإرادة جماعية خيِّرة. ومن أهداف الذين يقفون وراء جرائم الاغتيال السياسي أن يمتد تأثيرها ليشمل المجتمع والأمة بكاملها؛ إذ يأملون في تداعيات واسعة تشمل: الاضطرابات السياسية،

فغالباً ما يتوقعون أن يؤدي الاغتيال إلى فراغ في السلطة، وصراعات داخلية حول من سيخلف الشخصية المستهدفة. أما اجتماعياً فيستهدفون أن يؤدي الاغتيال إلى خوف، وانعدام ثقة في الحكومة، والنظام السياسي.

فهذه الجريمة النكراء تستهدف أشخاصًا مؤثرين في مجتمعاتهم مثل: زعماء سياسيين، قادة عسكريين، مفكرين، أدباء، مثقفين، صحفيين، ناشطين، وتداعياتها، وتأثيراتها تمتد إلى المجتمع بأسره.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى