عمار علي حسن يكتب: زمن مبارك ظاهرة الحنين إلى الاستبداد
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، مع زيادة أسعار السلع وهبوط سعر الجنيه مجددًا مقابل الدولار، يبرز شعور حنين إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. هذا الحنين، الذي لم يكن جديدًا، أصبح أكثر وضوحًا بين المصريين، حيث يعبرون عنه على مواقع التواصل الاجتماعي وأثناء حديثهم في المقاهي والأسواق ووسائل النقل.
ذكريات مبارك على المنصات الاجتماعية
في يوم واحد، وقبل حضوري لندوة ثقافية، رأيت مقطع فيديو يتداوله المصريون على “فيسبوك” و”تويتر” يظهر فيه مبارك وهو يرفض طلب صندوق النقد الدولي بتخفيض سعر الجنيه. كما كان هناك مقطع آخر لنقيب المحامين رجائي عطية الذي رفض وصف مبارك بـ “المخلوع”، مشيرًا إلى أنه تخلى عن السلطة لتجنب حرب أهلية. كما استعاد البعض مشهدًا لمبارك يتحدث مع نظيره الزائيري حول مكافحة الجفاف، مما يعكس مقارنة بين مواقف الماضي والحاضر.
الحنين إلى العهد السابق
خلال الندوة، تم الإشادة بمشروع “مكتبة الأسرة” الذي كان تحت رعاية السيدة سوزان مبارك، واعتبره المتحدث من أهم المشاريع الثقافية في القرن العشرين. وفي المقهى، بدأ الناس يتحدثون بجهر عن المنتخب المصري لكرة القدم تحت قيادة المدرب حسن شحاتة، ثم تراجع الحديث إلى الوضع السياسي والاقتصادي الحالي مقارنة بأيام “أبو تريكة” ورفاقه.
تباين الآراء حول الماضي والحاضر
يستعيد الكثيرون مواقف مبارك وقراراته، ويقارنونها بما يحدث الآن في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. هذا الشعور يعكس الضغوط الاقتصادية وخنق الحريات العامة، في حين يعارض البعض هذا الاتجاه ويرون أن مبارك يتحمل جزءًا من المسؤولية عن الوضع الحالي.
حديث سائق التاكسي وما يعكسه من واقع
قبل أيام، صادفت سائق تاكسي في القاهرة قال لي: “ولا يوم من أيامك يا مبارك”، متحدثًا عن الضرائب وارتفاع أسعار الوقود والسلع. كان حديثه يعكس إحباط الكثير من المصريين بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. حاولت توضيح وجهة نظري له عن الثورة وأسبابها، مشبهًا الوضع بأم أهملت طعامها حتى تعفن، مما دفعني لطرح مقارنة أخرى عن العائلة التي تعاني من الإهمال.
دعوة للتفكير
في النهاية، يتساءل الكثيرون: هل يجب أن نلوم من كشف العفن الذي أصاب النظام، أم من تسبب فيه؟ هذا السؤال يعكس التحديات التي تواجه المجتمع المصري اليوم، حيث يبدو أن الحنين إلى الماضي يتزايد في ظل الظروف الحالية، مما يستدعي التفكير في كيفية البناء على الماضي بدلاً من مجرد الحنين إليه.
فقدان الأمل:
فقدت عائلة أحد الشباب والدها فجأة، وتدهورت حالة والدته الصحية. لم يعد بالإمكان تحمل مصروفات التعليم، فتسرب الأخوة من المدرسة. يتذكر الشاب تلك الأيام التي كانت فيها والدته بصحة جيدة، ويعبر عن استيائه من الحالة التي وصلت إليها البلاد، مشيرًا إلى أن ما حدث هو نتيجة مباشرة لسياسات مبارك.
لا يقتصر الحنين إلى الماضي على المصريين فقط؛ بل يعاني العديد من الشعوب حول العالم من نفس الشعور. في إسبانيا، أظهر استطلاع للرأي أن الكثيرين يحنون إلى أيام الجنرال فرانكو، رغم قسوة حكمه. وفي الفلبين، يتذكر البعض أيام فرديناند ماركوس، بينما ينظر الروس إلى الحقبة السوفيتية بتعاطف.
ثقافة الحنين:
في مصر، يُقال مثل “أحيني اليوم، وأمتني غداً”، مما يعكس ثقافة سائدة بين كثير من الناس. هذا الحنين لا يقتصر على فترات معينة، بل يمتد إلى فترات تاريخية مختلفة، حيث يحن البعض إلى زمن السادات أو حتى إلى العهد الملكي.
الذكريات الشخصية:
يُظهر الحنين أيضًا بُعدًا شخصيًا، حيث يتذكر الشباب أيام طفولتهم، بينما يتذكر الكهول شبابهم. هذا الشعور قد يكون طبيعيًا، لكن الخطر يكمن في اعتقاد بعض النخب أن العودة إلى ما قبل الثورة هي الغاية التي يسعى إليها الجميع.
اعتقاد خاطئ:
يعتقد البعض أن الاستقرار يعني الجمود، وأن الاستمرار في الحكم هو الحل. لكن هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أن الاستمرار يتطلب قوة وحيوية، وأن الجمود لا يمكن أن يقود إلى التقدم.
الفساد والاستبداد:
يتحدث الكثيرون اليوم عن “الفساد الرحيم” و”الاستبداد المرن”، حيث كان هناك نوع من التسامح تجاه النقد، لكن هذا التسامح لم يكن إلا غطاءً للفساد المستشري. إن نباح الكلاب في هذه الحالة يصبح واجبًا وضرورة أخلاقية، حيث يجب على الشعب أن يقف ضد الفساد والممارسات الخاطئة.
تحليل الوضع الراهن:
تراجع سقف المطالب الشعبية في مصر تشير المعطيات الحالية إلى أن الجماهير العريضة في مصر لم تعد تسعى لتحقيق مطالب ثورة 25 يناير 2011، التي تشمل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. بل يبدو أن هناك تراجعًا في سقف المطالب، حيث أصبح الهدف هو العودة إلى ما دون تلك المطالب، مما يقلل من الضغط على السلطة.
سردية السلطة: محاولة لتبرير الواقع
تسعى السلطة الحالية إلى تشكيل سردية تخدم موقفها، حيث يتم تصوير العهود السابقة على أنها كانت بائسة. وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الاتجاه عندما وصف الدولة التي تسلم مقاليدها بأنها “كانت كُهنة”، مما يبرز فكرة ضرورة عدم التفكير في إصلاح الماضي، بل في بناء “الجمهورية الجديدة” وفقًا لرؤيتها.
حنين إلى الماضي: خطر على الأمة
إن هذا الحنين إلى العهود السابقة، مهما كانت طبيعتها، يعكس نوعًا من الإيمان الخفي بدائرية التاريخ، وهو أمر قد يكون خطرًا على أمة عريقة مثل مصر. فمن الضروري أن تسعى الأمة إلى حياة أفضل، بدلاً من قبول الوضع الحالي الذي يتسم بالتراجع.
- تأملات في الواقع: من الأسوأ إلى الأسوأ
يعاني الناس في مصر من “وضع أسوأ”، مما يدفعهم إلى الحنين إلى “وضع سيء” سبق أن عاشوه، بعد أن كانوا يحلمون بـ “وضع حسن”. وهذا يشير إلى خطأ كبير في عدم الربط بين ما ساهم به “الأسوأ” الحالي و”السيئ” الذي مضى، خاصة في ظل مرض الاستبداد الذي يؤثر على المجتمع.
دعوة للتغيير: ضرورة الارتقاء بالحياة
إن القبول بالعودة إلى زمن “الاستبداد المرن” و”الفساد الرحيم” يعد خطيئة، فمصر تستحق حياة أفضل، تتناسب مع تاريخها ومكانتها. وفي هذا السياق، يصبح من القسوة أن يتقبل الكثيرون مصيرهم كما عبر عنه بديع الزمان الهمذاني، حيث يرددون: “رضيت من الغنيمة بالإياب.”