المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي
منذ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967، يعيش سكان الجولان من مختلف الطوائف حياة مليئة بالتحديات والصراعات. يقدر عدد سكان الجولان بحوالي 27,000 نسمة، ينتمون إلى طوائف درزية وسنية وعلوية ومسيحية. في هذا المقال، سنستعرض التركيبة السكانية لسكان الجولان، القرى المحتلة، اقتصاد الجولان، نضالهم المستمر ضد الاحتلال الإسرائيلي ورفضهم للجنسية الإسرائيلية، إضافة إلى التحديات التي يواجهونها يوميًا، ومشاركتهم في الثورة السورية ضد النظام السوري.
التعداد السكاني والقرى المحتلة
يعيش سكان الجولان في ست قرى رئيسية:
• مجدل شمس: أكبر القرى من حيث السكان، وتضم غالبية درزية.
• بقعاتا: قرية درزية ثانية من حيث الأهمية.
• مسعدة: قرية درزية أخرى.
• عين قينيا: قرية صغيرة ذات غالبية درزية.
• الغجر: قرية ذات غالبية علوية وتقع على الحدود مع لبنان.
• الحمة: قرية تاريخية ذات طابع متنوع بين السنة والدروز.
إضافة إلى هذه القرى، توجد العديد من المزارع والمناطق الزراعية التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل.
اقتصاد الجولان
يعتمد اقتصاد الجولان بشكل رئيسي على الزراعة، خاصة زراعة التفاح والكرز، بالإضافة إلى تربية المواشي وإنتاج الألبان. الظروف الجغرافية والمناخية للجولان تجعلها منطقة زراعية غنية،
مما ساهم في تطوير قطاع الزراعة الذي يُعد مصدر الدخل الرئيسي للسكان. مع ذلك، يعاني الاقتصاد من قيود بسبب السياسات الإسرائيلية المفروضة، والتي تعرقل نموه وتطوره بشكل طبيعي.
نضال سكان الجولان ضد الاحتلال الإسرائيلي
منذ اللحظة الأولى للاحتلال، رفض سكان الجولان من مختلف الطوائف الانصياع للسياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى دمجهم وإذابة هويتهم الوطنية السورية. رفضوا حمل الجنسية الإسرائيلية بشكل قاطع، واكتفوا بوضع الإقامة الذي فرضته إسرائيل عليهم. وقد تجلت مظاهر النضال في عدة صور منها:
- الإضرابات والمظاهرات: نظم سكان الجولان العديد من الإضرابات والمظاهرات احتجاجًا على السياسات الإسرائيلية، وخاصة تلك المتعلقة بفرض الجنسية والتوسع الاستيطاني.
- الحفاظ على الهوية الوطنية: على الرغم من الضغوط المستمرة، حافظ سكان الجولان على هويتهم الوطنية السورية من خلال التعليم والاحتفالات الوطنية.
- العصيان المدني: رفض السكان المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية وأي نشاطات تعتبر اعترافًا بالاحتلال.
التحديات المستمرة
يواجه سكان الجولان تحديات كبيرة نتيجة الاحتلال، منها:
• القيود على الحركة: تفرض إسرائيل قيودًا صارمة على حركة السكان، مما يؤثر على حياتهم اليومية واقتصادهم. العديد من السكان يعانون من صعوبات في الحصول على تصاريح السفر، مما يحد من قدرتهم على التنقل للعمل أو الدراسة أو العلاج.
• مصادرة الأراضي: تستمر إسرائيل في سياسة مصادرة الأراضي لصالح التوسع الاستيطاني، مما يحد من الموارد الزراعية للسكان. هذا يؤدي إلى تقليص المساحات الزراعية المتاحة لهم ويزيد من الضغط الاقتصادي عليهم.
• البنية التحتية والخدمات: تعاني القرى في الجولان من نقص في البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والمياه والكهرباء. الخدمات الصحية والتعليمية متدنية، مما يؤثر سلبًا على جودة الحياة للسكان.
• الضغط السياسي والاجتماعي: تحاول السلطات الإسرائيلية تغيير البنية الديمغرافية والثقافية للجولان عبر تقديم مزايا لحاملي الجنسية الإسرائيلية، مما يواجهه السكان بالرفض المستمر. هناك محاولات مستمرة لفرض الهوية الإسرائيلية على الشباب من خلال البرامج التعليمية والتجنيد الإجباري.
• التوترات الأمنية: يعيش سكان الجولان في حالة من القلق الدائم نتيجة التوترات الأمنية المستمرة في المنطقة. التواجد العسكري المكثف والاشتباكات المتقطعة تزيد من حالة عدم الاستقرار والخوف بين السكان.
• التحديات البيئية: عمليات الاستيطان والتوسع الزراعي الإسرائيلي تؤدي إلى تدهور البيئة الطبيعية في الجولان، مما يؤثر على المصادر الطبيعية مثل المياه والتربة، ويزيد من صعوبة الحياة الزراعية للسكان.
موقف المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة
على الرغم من اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان في عام 2019، لا تزال معظم دول العالم تعتبر الجولان أرضًا سورية محتلة. يتجاهل الاحتلال الإسرائيلي قرارات الأمم المتحدة التي تطالب بانسحاب إسرائيل من الجولان وإنهاء احتلاله. من أبرز هذه القرارات:
• قرار مجلس الأمن رقم 242 (1967): يدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع عام 1967، بما في ذلك الجولان.
• قرار مجلس الأمن رقم 338 (1973): يدعو إلى وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر 1973 ويؤكد على تنفيذ القرار 242.
• قرار مجلس الأمن رقم 497 (1981): يعلن أن قرار إسرائيل بضم الجولان “لاغٍ وباطل وليس له أثر قانوني دولي”، ويطالب إسرائيل بإلغاء ضم الجولان.
مشاركة الجولان في الثورة السورية
رغم أن الجولان يقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن سكانه لم يتجاهلوا معاناة وطنهم الأم سوريا خلال الثورة السورية ضد النظام السوري التي بدأت في عام 2011. على الرغم من القيود المفروضة عليهم، أظهر سكان الجولان تضامنهم مع مطالب الحرية والكرامة للشعب السوري من خلال عدة طرق:
- التظاهرات والاحتجاجات: نظم سكان الجولان تظاهرات واحتجاجات تضامنية مع الثورة السورية، رافعين الأعلام السورية وشعارات الثورة، مؤكدين دعمهم لإخوانهم في الداخل السوري.
- الدعم الإعلامي: عمل النشطاء في الجولان على نقل صورة ما يحدث في سوريا إلى العالم الخارجي عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مما ساعد في تسليط الضوء على معاناة الشعب السوري.
- المساعدات الإنسانية: بالرغم من القيود، تمكن سكان الجولان من إرسال مساعدات إنسانية إلى المناطق المتضررة في سوريا، سواء كانت مادية أو معنوية.
تظل هضبة الجولان منطقة متنازع عليها، ويستمر سكانها من الدروز والسنة والعلوية والمسيحية في نضالهم للحفاظ على هويتهم ورفض الاحتلال الإسرائيلي والجنسية الإسرائيلية. تتجلى مقاومة سكان الجولان في تمسكهم بأرضهم وتراثهم ومواصلة حياتهم اليومية رغم التحديات الكبيرة. يظل الأمل معقودًا على تحقيق العدالة واستعادة حقوقهم المسلوبة. في ظل هذه الظروف الصعبة، يواصل سكان الجولان العيش بروح من الصمود والعزيمة، متمسكين بأمل العودة إلى وطنهم الأم سوريا وتحقيق السلام العادل والدائم.