مقالات ورأى

د. ياسين أقطاي يكتب : قضايا وأحداث.. غزة وحقيقة الديمقراطية الغربية

أناس يأكلون على كل الموائد…

لقد تابع الجميع الصورة السريالية المُبتذلة في الكونجرس الأمريكي لحديث رئيس وزراء الكِيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المُلطخة يده بالدماء من جانب، والتصفيق الحار المُتكرّر من أعضاء الكونجرس.

والحقيقة أن ذلك المشهد يُمثل الوجه الحقيقي لعصرنا ونظامنا العالمي وحداثتنا ومُعاصرتنا.

ومن ناحية أخرى فإن الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام يشهد مسافةً كبيرةً بين النُّخَب، وهذه دائمًا حقيقة يتم التأكيد عليها في هذا الواقع الذي ما زال الكِيان الإسرائيلي يقوم بالإبادة الجماعيّة لشعب غزة الذي يُعاني من القصف والتهجير على مرأى ومسمع من العالم كله طَوال 300 يوم تقريبًا،

في مشهد مرير ومُهين للمُسلمين البالغ عددهم 2 مليار مُسلم.

ولا تنفك الأيام تؤكد المسافة الواضحة والغربة والانفصال الكبير بين شعوب العالم الإسلامي وقادته السياسيين، فكل طرف يلعب على أوتار مُختلفة تمامًا. ويعودُ هذا الاختلافُ وتلك المسافة إلى الاحتلال الذي شغل المِنطقة رَدَحًا من الزمن وتبعاته التي لا تزال تشم رائحتها في كل مكان في الشرق الأوسط.

وبالعودة إلى طوفان الأقصى الذي بدأ في 7 أكتوبر، نجد أن أهم حقيقة كشف عنها هي أنه على الرغم من كل ما يبدو على السطح في الغرب من الديمقراطية وحرية الفكر والعمل والتعبير، وصورة الدولة والأمة جنبًا إلى جنب، فإن العالم الغربي محكوم بنفس المسافة؛

وذلك لما نشهده من ردود فعل الشعوب ومواقفهم في عدة مناطق على الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة، التي تختلف اختلافًا كبيرًا عن مواقف دولهم وقادتهم السياسيين، ولاسيما في أمريكا وإنجلترا وألمانيا. وهذا يعني أن طوفان الأقصى قد كشف حقيقة أنهم كانوا تحت الاحتلال أيضًا.

إن دعم أمريكا غير المحدود لإسرائيل التي ترتكب الإبادة الجماعيّة، هو بالفعل أصل جميع مشاكل الشرق الأوسط. لقد أظهر الشعب الأمريكي في كل مُناسبة أنه لا يدعم ولا يوافق على الإبادة الجماعيّة التي تحدث منذ 7 أكتوبر. فرغم أن الجامعات الأمريكيّة كانت مسرحًا للاحتجاجات منذ أحداث عام 1968،

فإنها لم تشهد مثل الاحتجاجات الحاليّة من قبل. فالاحتجاجات غير المسبوقة مُمتدة في جميع المدن الكُبرى، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الشعب الأمريكي لا يدعم بلده في سياساته تجاه إسرائيل. ومع ذلك تواصل الحكومة الأمريكية دعمها لإسرائيل، وإن كان ذلك مع بعض التردد الواضح في الآونة الأخيرة.

وفي مؤسسة أمريكيّة رفيعة المُستوى وهي الكونجرس، يبدو أن أعضاءه ما زالوا يسيرون ضد التيار ويقفون بعناد أمام الشعب وإرادته، وذلك حين يقف هؤلاء الأعضاء ودون تردد يُصفقون بحرارة لنتنياهو المُتهم الأوّل بالإبادة الجماعيّة،

الذي لا ينبغي أن يكون مكانه في الكونجرس، ولكن في قفص الاتهام ثم السجن. وهذه كلها مواقف تكشف كيف تمَّ اختطاف الديمقراطية في أمريكا؛

حيث يُعارض مُمثلو الشعب إرادته ويضربون بالاحتجاج الشعبي عُرض الحائط دون أي مُبالاة. وهذا يؤكد أن كل شيء يحدث هناك يبدو ظاهريًّا فقط أنه عملية ديمقراطيّة، لكن الحقيقة أن الأعضاء المُنتخَبين لا يُمثلون الشعب وإرادته حقيقةً.

وفي الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة التي ستُجرى بعد 100 يوم، يتنافس بايدن (كامالا هاريس الآن) من جانب، وترامب من جانب آخر في وعودهما بدعم إسرائيل في وقت يخشى العالم بأسره الظهور في صف إسرائيل صاحبة الإبادة الجماعيّة الأكثر وحشية.

وبعبارة أخرى، فإن مشاعر الجماهير الأمريكيّة المُعادية لإسرائيل، والتي يراها الجميع خارج أمريكا، ليس لها تمثيل في تلك الانتخابات. لمن سيُصوّت من لا يريدون أن تدعم أمريكا إسرائيل؟ ليس أمامهم مجال للاختيار إلا أقل الضررين.

أعضاء الكونجرس الأمريكي يثقون بشكل مُفرط في الأساطير التي يعتمدون عليها في دعم اللوبيات الصهيونية، والحقيقة أن خرافة هذه الأساطير تقيّدهم وتقودهم إلى الهاوية وهم لا يشعرون.

فهذه اللوبيات تملك المال والإعلام وشبكة العَلاقات والقوى الأخرى، وقد أسست هذه السيطرة الصهيونية سلطة فعالة في الانتخابات تحت ستار الديمقراطية التي صارت اليوم مع فاعليتها بلا معنى.

واليوم يبدو أن هذه الحسابات الرخيصة لأعضاء الكونجرس ستطيح بها رياح التغيير، بعد تصريحات المُرشحة الرئاسيّة الجديدة ونائبة الرئيس كامالا هاريس ببيان غير مُتوقع إثر اجتماعها مع نتنياهو.

عندما قالت إنهم لا يستطيعون تجاهل المذابح في غزة وموت الأطفال والمدنيين، وأن الوقت قد حان لإنهاء ذلك في أقرب وقت ممكن، ربما كانت تُلقي الضوء على الوضع الجنوني لأعضاء الكونجرس، الذين أُصيبوا بالعمى جراء سيطرة اللوبي عليهم.

المصدر الراية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى