شارك فيه 100 دولة حول العالم..ما المنتظر من مؤتمر الإفتاء العالمي؟
في عالم يموج بالأزمات الطاحنة، وحروب تعصف باستقرار الدول وظهور جماعات متطرفة تقتل باسم الدين وتُغرق المجتمعات في الظلام، باتت الجماهير في العالم الإسلامي بحاجة إلى بوصلة هادية تأخذ بيدهم نحو الطريق الصحيح للتخفيف من حدة الأزمات وتفادي الوقوع في تهلكة الفتن والتطرف، وفي سياق محاولات معالجة ما شاب الواقع العالميّ المتسارع من حالة تدهور خطيرة في منظومة القيم والأخلاق بما يهدّد السّلم الاجتماعيّ والأمن الدّوليّ، لم تتوان دار الإفتاء المصرية وذراعها الدولية المتمثلة في الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، عن القيام بواجب الوقت تجاه العالم الإسلامي الذي بات يأن من مستجدات متسارعة تستلزم وقفة من صانعي القرار والقيادات الدّينيّة وأصحاب الضّمير الحيّ نتيجة غياب الالتزام بالقيم والأخلاق الإنسانيّة والدّينيّة.
ومن منطلق استشعارها بالمسؤوليّة الكبيرة تجاه الأمّة، ولإدراكها خطورة ما يجري في السّاحة العالميّة والافتراضيّة من تطوّرات متسارعة، أعلنت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم عن عقد مؤتمر الدولي في نسخته التاسعة، تحت عنوان: “الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع” في الفترة من 29 إلى 30 يوليو 2024، برعاية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبحضور كبار المفتين والوزراء والعلماء من أكثر من 100 دولة حول العالم، ومشاركة أممية عالية المستوى من عدد من الهيئات الدولية، حيث يعد المؤتمر العالمي للإفتاء حدثا سنويا هاما يساهم في تعزيز مكانة الإسلام في العالم، ونشر القيم والمبادئ الإسلامية، وتعزيز التعاون بين المسلمين.
استنهاض الهمم وبعث الأمل
وحول أهمية المؤتمر في هذا التوقيت، أكدت الأمانة العامة للإفتاء أن المؤتمر يسعى إلى استنهاض همة العلماء والباحثين وأصحاب الرأي والفكر في العالم لبعث هذا الأمل والقيام به في الواقع، ذلك أنّ المؤسّسات الدّينيّة بشكل عامّ والإفتائيّة بشكل خاصّ تستطيع أن تلعب دورا هامّا في قضيّة الإصلاح الأخلاقيّ وترسيخ المعاني الصّادقة لمفهوم حقوق الإنسان، الّتي تنبثق في الأساس من المقاصد العليا للأديان، مشيرة إلى ان المفتون والعلماء في العالم كلّه بما لهم من اتّصال وثيق بالجماهير والحكومات والمؤسّسات الفاعلة يضطلعون بدور مهمّ في توظيف الفتوى لنشر القيم الأخلاقيّة، ويملكون الآليّات وأدوات التّأثير الّتي تمكّنهم من إحداث حراك إيجابيّ في العالم في مجال القيم الأخلاقيّة والرّوحيّة لتسود العالم كلّه.
وترسيخا لبعث صوت القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة من جديد ليبدّد الأصوات الدّاعية إلى الإبادة والقتل والكراهيّة والتّعصّب والتّطرّف، أوضحت الأمانة العامة للإفتاء أن نقاشات المؤتمر ستدور حول ثلاثة محاور، الأول هو “البناء الأخلاقي في الإسلام ودور الفتوى في تعزيزه”، حيث يناقش هذا المحور أهمية الأخلاق في الإسلام ودور المفتين في نشرها وتعزيزها بين المسلمين، وذلك من خلال إصدار الفتاوى التي ترسخ القيم والمبادئ الإسلامية، وتعالج الظواهر السلبية التي قد تهدد المجتمع.
وأضافت ان المحور الثاني سيأتى بعنوان “الفتوى والواقع العالمي.. الأفكار والمبادئ” ، ويبحث هذا المحور في آليات التعامل مع التحديات والقضايا المستجدة التي يواجهها المسلمون في مختلف أنحاء العالم، وذلك من خلال تطوير منهجية للفتوى تتناسب مع العصر الحديث، وتراعي التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
أما المحور الثالث فيأتي بعنوان: “الفتوى ومواجهة عقبات وتحديات البناء الأخلاقي لعالم متسارع”، ويتناول هذا المحور العوامل التي تعيق نشر القيم الأخلاقية في المجتمع، مثل انتشار الأفكار المتطرفة والظواهر السلبية، ودور المفتين في التصدي لهذه العوامل من خلال نشر الوعي والتثقيف، وتعزيز الحوار بين مختلف فئات المجتمع.
التنسيق وتعزيز التعاون
وحول أهم أهداف المؤتمر فقد أشارت الأمانة العامة للإفتاء أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز التعاون بين دور وهيئات الإفتاء في العالم، كما يساهم في نشر الوعي الديني والفكري، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتعزيز القيم والمبادئ الإسلامية. على صعيد أخر تشهد أعمال المؤتمر ثلاث ورش عمل، الأولى: حول الذّكاء الاصطناعيّ وتطبيقاته في العلوم الشّرعيّة عامّة وعلوم الفتوى على وجه الخصوص
والثّانية: حول إدارة الحوار العلميّ من جهة والدّينيّ الإفتائيّ من جهة أخرى لوضع ميثاق أخلاقيّ للتّطوّرات في مجالات العلوم التّجريبيّة والطّبيعيّة والاجتماعيّة، والذّكاء الاصطناعيّ. والثّالثة: حول رصد وتحليل إشكاليّات المحتوى الدّينيّ المتطرّف في المنصّات الرّقميّة وسبل معالجته.
واستمرارا للعطاء العلميّ والفكريّ للأمانة العامّة لدور وهيئات الإفتاء يقدّم المؤتمر في دورته الحاليّة عددا من المشروعات الرّائدة والمبادرات المهمّة، من أهمّها: المعلمة المصريّة للعلوم الإفتائيّة: وهي معلمة تجمع بين دفّتيها جميع ما يتعلّق بالإفتاء ومصطلحاته وتأهيل المفتين علميّا ومهاريّا، وإدارة الـمؤسّسات الإفتائيّة، وبيان ارتباط الفتوى بمختلف المجالات العلميّة والفكريّة الحديثة.
وكذلك إصدار الميثاق العالميّ للقيادات الإفتائيّة والدّينيّة في صنع السّلام ومكافحة خطاب الكراهية وحلّ النّزاعات، وهو خريطة متكاملة ترسم الأدوار وتحدّد المهامّ للقيادات الإفتائيّة والدّينيّة.، إضافة إلى إصدار عدد من الأدلة الإرشادية بلغات مختلفة، وموسوعة علميّة للتّديّن الصّحيح والتّديّن المغشوش، و المدوّنة الأخلاقيّة لمهنة المفتي والإفتاء، وهي مدوّنة تمّت صياغتها لتكون المرجعيّة الأساسيّة لكلّ العاملين بالمؤسّسات والهيئات الإفتائيّة، إلى جانب العديد من المشروعات الهامة التي يتم الإعلان عنها في ختام جلسات المؤتمر.
ومن المتوقع أن يسفر المؤتمر عن عدد من التوصيات والقرارات التي تساهم في تحقيق أهدافه، ومن أهمها: تطوير منهجية للفتوى تتناسب مع العصر الحديث، وتعزيز دور المفتين في نشر القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية، التصدي للظواهر السلبية والعوامل التي تعيق نشر الأخلاق، وتعزيز التعاون بين دور وهيئات الإفتاء في العالم.