مقالات ورأى

يوسف عبداللطيف يكتب: لماذا تتراجع الأخلاق في المجتمع الحديث ؟

“لا تتعجب”، هذه الجملة القوية تعكس واقعا مريرا يعيشه العالم اليوم. فعندما ننظر حولنا نجد الكثير من القيم الجميلة والمبادىء النبيلة التي كانت تحكم حياتنا قد باتت في زمننا هذا على وشك الاندثار والضياع، فما السبب وراء ذلك ؟

فمن الواضح أن هذا التحول الكبير في القيم والمبادىء يعود إلى عدة عوامل، أهمها التقلبات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية التي يمر بها العالم.

فنحن في زمن الهلفوت الذي أصبح نجماً، تراجعت القيم الحقيقية والأخلاق الحميدة، وأصبح الشهرة والمظاهر الخارجية أكثر أهمية. ونتيجة لذلك، ارتفعت معايير النجاح والسعادة لتشمل المظاهر الخارجية والثروة المادية دون النظر إلى القيم والمواهب الحقيقية.

وفي هذا العصر الذي أصبح المنافق قدوة وارتفعت قيمة اللئيم بينما هبطت قيمة الشريف، ويبدو أن القيم والمثل العليا قد أصبحت في خطر. إنها حقيقة صادمة ولكنها تتجسد يومياً أمام أعيننا.

وإلى جانب ذلك، أدت التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي إلى عزوف الكثيرين عن التفكير والتأمل، وبدلاً من ذلك يفضلون تبني الرأي المعتاد والتقليد.

وهنا تبرز مشكلة المنافق، الذي يتبنى آراء وسلوكيات لا تعكس ما هو في الحقيقة، مما يؤدي إلى فقدان الصدق والأمانة في التعامل مع الآخرين.

ولكن البحث عن الأسباب والتفكير في تلك المشاكل لا يكفي، بل يجب علينا السعي لإيجاد حلول، وذلك ببناء جيل جديد قادر على استعادة القيم والمبادىء الحقيقية.

ويمكن أن تبدأ هذه الخطوة من التعليم الذي يركز على بناء شخصية الفرد وتنمية مهارات التفكير النقدي والقدرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل.

وإن القيم الأخلاقية التي كانت تعتبر ذات أهمية قصوى في المجتمعات القديمة بدأت تتلاشى أمام القيم المادية والسطحية. وبدلاً من أن يكون الشرف والأمانة صفات يفتخر بها الناس، بات الكثير منهم ينظر إليها على أنها علاهما قديمة لا تلائم عصرنا الحديث.

وهذا التحول في القيم والمثل الأخلاقية ليس بالأمر الطبيعي، فقد أصبح الكثيرون يحاولون تبرير سلوكهم الفاسد بزعم أنه أمر شائع في العصر الحديث، ولكن الحقيقة أنه لا يمكن تبرير التصرفات السلبية والسلوكيات الفاسدة بأي ذريعة كانت.

وإن الانحدار الأخلاقي الذي نشهده يمثل خطراً حقيقياً على المجتمعات والثقافات، وإذا لم يتم التصدي لهذه المشكلة بجدية، فإننا سنشهد تدهوراً مستمراً في المجتمع وفقدان الثقة بين أفراده وكما يجب تشجيع القيم الحقيقية مثل الأمانة والصدق والتسامح والإيثار لدى الشباب والأجيال القادمة.

ومن الضروري أيضا أن نبدأ بتغيير مواقفنا وأفعالنا الشخصية، ونكون مثالا يحتذى به للآخرين. بالقيام بذلك، سيصبح من الممكن استعادة القيم والمبادىء النبيلة وتحقيق التوازن بين الشهرة والنجاح والقيم الإنسانية.

لذا، يجب على الناس أن يتحدوا في مواجهة هذا الانحدار الأخلاقي ويعملوا جماعياً على إعادة القيم والمثل الأخلاقية إلى مكانتها الصحيحة. يجب علينا التأكيد على أهمية النزاهة والشرف والأمانة في جميع جوانب الحياة.

وعلينا أيضاً تعزيز الوعي حول أهمية القيم الأخلاقية الصحيحة وتعزيزها في التعليم والتربية. يجب أن نكون قدوة حية للأجيال الجديدة ونعلمهم أهمية القيم الأخلاقية في بناء مستقبل أفضل.

إنه يتطلب جهداً مشتركاً وتضافراً من الجميع للتغلب على هذا الانحدار الأخلاقي وإعادة الثقة والاحترام للقيم والمبادئ الأخلاقية. إنها مسؤولية نحن جميعاً علينا تحملها لضمان بقاء المجتمعات قوية ومزدهرة.

في النهاية، “لا تتعجب” لم يعد مجرد عبارة شعبية بل أصبحت تعبر عن واقع مرير يعيشه العالم اليوم. ولكن يمكننا استعادة القيم والمبادىء النبيلة من خلال العمل المشترك والتفكير النقدي والسعي لبناء مجتمع أفضل يستند إلى القيم والعدالة والصدق.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى