عاد مرة أخرى المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية قيس سعيد للحديث عن فلسطين والحقوق الفلسطينية بمناسبة إعلان تجديد ترشحه لخلافة نفسه على قاعدة دستور كتبه بنفسه وتحت إشراف هيئة قام بتسمية أعضائها وفي ظل إشاعة أجواء خوف ورعب من القضاء الذي جعله وظيفة واداة يعاقب بها خصومه .
استباح الرجل مرة أخرى أشرف وأنبل قضية يجمع عليها التونسيون وأعاد على مسامعهم عبارات سبق وأن سمعوها منه مرارا وتكرارا،
ولكن دون أن يروا تطبيقا فعليا لأقواله خلال فترة رئاسته التي دامت 5 سنوات، وتعتبر فلسطين والعلاقات الخارجية من صلاحياته حتى قبل أن يستولي على السلطة بالكامل ويعطل عمل البرلمان والحكومة والهيئات الدستورية.
جدد الرجل هجوماته المتكررة على خصومه السياسيين ووصف ما يقومون به بـ “خيانات وارتماء في أحضان الصهيونية وانخراطا في المحافل الماسونية في تونس” وأعاد ما سبق وذكره ويتمحور حول أن “فلسطين هي قضية معركة ضد الصهيونية العالمية ولا تراجع في هذا الموقف ونعمل مع كل أشقائنا في العالم حتى يستعيد الفلسطينيون أرضهم كاملة ويقيموا على أرضهم دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.
المشكلة الأساسية أن الرجل يعتدي على حقوق التونسيين ويطالب كلاميا بدعم حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الذي ينتهك الاتفاقيات الدولية التي تلزم تونس ويطالب بتطبيق الاتفاقيات بحق فلسطين.
وهو أيضا يعتدي على الدولة ويفكك وحدتها ويضرب مؤسساتها، بينما تردد دوائره ومفسروه الحرص على المصالحة الفلسطينية..
يعلم أنه بلا تاريخ معروف في دعم القضية الفلسطينية ومع ذلك يتطاول على الذين يدعمون القضية فعليا طوال مسيرته الحقوقية والسياسية.
ولكن وبعيدا عن الوضع التونسي فإن ما أقدم عليه قيس سعيد خلال ولايته الرئاسية لا تؤهله لإعطاء الدروس للآخرين واستدعاء توصيفات كبيرة واتهامات دون فعل حقيقي.
سبق للرجل وأن ربط خلال لقائه بسفير فلسطين في تونس بمعارك التحرير في كل من تونس وفلسطين وقال بحسب ما نقلت وكالة وفا الفلسطينية “ذكر بالتلازم بين معركة التحرير الوطني الدائرة في تونس وانعتاق الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني” وإلى اليوم لا أحد يعرف شيئا عن معركة التحرير التي تخيلها ويخوضها الرجل في تونس ويربط مصيرها بتحرير الشعب الفلسطيني.
وهذه بعض الشواهد التي حصلت خلال فترة رئاسته وكنت كتبت فيها نصوصا في حينها يمكن الرجوع إليها ولتواريخها، وكل هذه الحقائق تؤكد أنه لا يمكن للرجل أن يكون صادقا في ما يقول بخصوص قضية فلسطين ولا يمكن أن يؤتمن على على أي قضية بعدما حنث في قسمه على دستور تونس وتنكر لكل وعوده ومنها الدعم الحقيقي لفلسطين.
1 ـ كان قد أعلن أن السياسة الخارجية لمصر هي سياسته الخارجية وكان أول تصريح سياسي بعد انتخابه هو أن يعيد للفرنكوفونية بريقها بأسلوب جديد ومبتكر، فهل من كانت سياسته هي السياسة المصرية والفرنكوفونية وجهته يمكن أن يكون معاد للصهيونية والماسونية كما يدعي؟
2 ـ أعلن الرجل أن الاحتلال الفرنسي لتونس كان حماية ولما سئل عن رأيه في من يطالبون فرنسا بالاعتذار قال إن من يعتذر يدين نفسه، وكانت هذه سياسته ورؤيته فمرة يقول بأنه يدعم فلسطين التاريخية كاملة وعاصمتها القدس ومرة يقول ندعم الشرعية الدولية ومرة يقول لا يوجد دولة اسمها إسرائيل ومرة يتفاخر بإنجازات الجيش المصري وبالتالي فالمتابع يجد نفسه أمام فوضى أفكار لا رابط عقلاني بينها.
3 ـ عجز الرجل عن إثبات أي إنجاز شخصي له أو لمحيطه في علاقة بفلسطين، فادعى أن جده كان من الذين حموا اليهود من الاضطهاد خلال فترة النازية وطبعا هذه الشهادة لم نجد أي أثر تاريخي لتأكيدها وجاءت في إطار الدفاع عن نفسه لما استهدفته بعض الدوائر الإعلامية الصهيونية لإخافته بسيف معاداة السامية فسارع بدفع الشبهة باستحضار قصة جده التي لا يمكن اعتمادها لأنها أولا غير ثابتة وثانيا ليست مرتبطة به هو وهو مسؤول عن أفعاله لا عن ما أتاه جده إن صدق.
4 ـ لم تكن للرجل الجرأة والإرادة السياسية للفعل الحقيقي وللتواصل مع المسؤولين الفلسطينيين وخاصة قيادة المقاومة التي تحظى بالدعم والإسناد الكبير من الشعب الفلسطيني. لقد سعت قيادة الفصائل الفلسطينية للتواصل مع ممثلي الدولة التونسية ورغم الوعود وحضور الوفود للترتيب لم يتم الإيفاء بالوعود ورغم المساعي الجزائرية لترتيب لقاء بين هنية وسعيد في الجزائر إلا أن سعيد تهرب وتحجج بأسباب واهية.
5 ـ لماذا طلب سعيد من برلمانه ونوابه التخلي عن مشروع قانون تجريم التطبيع والحال أن ذلك كان الشعار الرئيسي لحملته الانتخابية سنة 2019؟ أليس صحيحا بأن قيس سعيد له دين تجاه القضية الفلسطينية ومن المفروض يؤديه للقضية؟ ألم يكن شعاره “التطبيع خيانة عظمى” واحد من العوامل الحاسمة التي أوصلته إلى سدة الحكم في انتخابات 2019؟ ولماذا لم يكذب رئيس برلمانه الذي أعلن صراحة وفي لحظة صدق نادرة بأن الرئيس أكد له أن ذلك كان مجرد شعار انتخابي لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع؟
6 ـ لماذا رفضت الرئاسة أن تدعم تونس جنوب إفريقيا في إجراءاتها ومساعيها لتجريم ما تقوم به إسرائيل من إبادة بحق الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لم تقدم أو تنسق أي مساعي أمام محكمة العدل الدولية وهي من الدول الممضية على الأفعال المجرمة فأين يكمن الخلل؟ لماذا التردد في مجرد الدعم لجنوب إفريقيا؟ وهل ادعاء عدم الاعتراف بإسرائيل يعتبر منطقيا ومقبولا سياسيا وقانونيا وعقليا؟
7 ـ في 2021 ـ 2020 كانت تونس تتمتع بالعضوية الكاملة في مجلس الأمن وكان وبإمكانها القيام بالكثير ولكنها لم تفعل.. بل الأخطر أن الرئيس قيس سعيد عزل السفير منصف البعتي بعد فترة وجيزة من تعيينه بسبب مشاركته في إعداد وتنسيق رسالة مفتوحة لدعم فلسطين كان اشتغل عليها السفير الأندونيسي وطلب بداية الدعم التونسي لها. لم يتحمل قيس سعيد مجرد تململ ولفت الانتباه من الدوائر الصهيونية المسيطرة وسارع بعزل السفير بطريقة مهينة وهو في اآخر مساره المهني.
8 سارع بتعيين طارق الأدب مندوبا دائما للجمهورية التونسية بالأمم المتحدة. وطارق الأدب كان مجرد عضو البعثة التونسية بالأمم المتحدة، وكلّف سنة 2011، بمهام سفير بسلطنة عمان وليس لديه في مساره المهني ما يؤهله لهذا المنصب الرفيع. الأخطر من كل هذا أن السيد الأدب كان الرجل الثاني في مكتب رعاية المصالح التونسية في تل أبيب فقد اشتغل الرجل كعون إداري في سفارة تونس في عمان بين سنوات 1994 و1996 وكان يزور تل أبيب باستمرار ويوثق ذلك بكل فخر ويردفها بصور موجودة في أرشيف الخارجية والرئاسة التونسية يوثق فترة عمل مكتب المصالح الذي أغلق سنة 2000 احتجاجا على الانتهاكات الإسرائيلية. ما يمكن ملاحظته هو أن المتعارف عليه أن لا تتجاوز فترة المسؤولية في بلد ما الـ 4 سنوات ولكن واضح أنه يتم استثناء السيد الأدب وتطبيق مسار مهني وإداري على مقاسه ولازال إلى اليوم ممثلا لتونس في نيويورك رغم انعدام الإنجازات .
9 ـ من المعلوم بأن تونس والإمارات لعبتا دورا جد سلبي في اأامم المتحدة ولدى انعقاد جلسة الجمعية العامة للتصويت على إيقاف المجازر بحق الفلسطينيين وكل قام بدور للتشويش على الهدف الرئيسي، فالإمارات كانت تشكك وتجرم المقاومة وتونس من جانب آخر ترى الآليات غير مجدية والنتيجة كانت تصويت تونس ضد قرار إيقاف الحرب على غزة وهي سابقة غريبة في التعامل الديبلوماسي.
10 ـ تداعى الشعب التونسي لحملة تبرعات كبيرة وواسعة ووعدت السلطة بإيصالها لغزة ولكن تبين أن العملية تحوم حولها نقاط استفهام كبيرة جدا وتستوجب المساءلة السياسية والقضائية، وكانت فعلا أرسلت مساعدات عبر الهلال الأحمر التونسي وغيره من الجمعيات والهيئات الخيرية وتكفل الجيش بإيصالها لمصر ولكن إلى حد اليوم لم تدخل المساعدات التونسية إلى غزة فهل بالإمكان مصارحة الشعب بالحقيقة بعيدا عن الشعارات والخطابات؟
11 ـ لماذا وقع التخلي عن المطالب السابقة لتونس لمتابعة ملفات الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في تونس وبحق التونسيين ومنها مجزرة حمام الشط وقرار مجلس الأمن لسنة 1985 الذي يلزم إسرائيل بالتعويضات المالية وجريمة اغتيال أبو جهاد في 1988 وجريمة اغتيال أبو محمد ورفيقه سنة 1990 وملف اغتيال محمد الزواري وجريمة قصف وتدمير المدرسة التونسية في غزة سنة 2012 ثم 2014؟ وهل سمعت السلطة بجريمة الاعتداء على المقبرة التونسة في غزة في الحرب الدائرة اليوم ؟
12 ـ لماذا وقع التخلي عن مكتب الارتباط التونسي والمنسق لمصالح التونسيين في غزة؟ هل تتابع الخارجية التونسية أحوال العائلات والمواطنين الذين يحملون الجوازات والهويات التونسية؟ هل من الممكن مصارحة الشعب بحقيقة التضييقيات الحاصلة على عدد من العائلات وخاصة النساء من الذين عادوا لتونس خلال الأشهر الماضية وهل فعلا يقع التضييق على نوعية من المرضى الذين يعالجون في تونس ويحرم بعضهم من مقابلة من يرغب في ذلك من التونسيين وما السبب في ذلك؟
13 ـ ولماذا تجاهل “الرئيس” قيس سعيد أي ذكر أو تثمين لمن كان لهم الفضل والجهود الفعلية التي بذلت منذ 2013 لبناء وتجهيز سفارة فلسطين في تونس؟
14 ـ لماذا تخلت الرئاسة عن مشروع دعم مكتب للأسرى في تونس وهو من مخرجات “مؤتمر المسارات القانونية للقضة الفلسطينية”؟ والذي وقع في أكتوبر 2014 تحت رعاية رئاسة الجمهورية وكان الأستاذ قيس سعيد حينها أحد المدعوين ولكنه طبعا لم يحضر ولم يعتذر رغم التأكيد المسبق.
15 ـ لماذا وقع تغيير المسؤول الأول عن مكتب الجامعة العربية في تونس؟ خاصة وأنه سبق لقيس سعيد التأكيد على انه يجب “تثمين الدور الفعال لمكتب الجامعة في تونس وعدم التضحية برجال أثبتوا قدرتهم على تقوية الموقف التونسي”. وللتذكير فإن رئيس مكتب تونس هو أيضا نائب للأمين العام وله صلاحيات مهمة وهذه من ضمن المكاسب الديبلوماسية التي حققتها الديبلوماسية التونسية خلال فترة حكم الترويكا. إصرار قيس سعيد على تعيين صديقه بنعيسى في هذا المنصب ومن بعد ذلك توريطه في انقلابه على الدستور أضعف الموقف التونسي بالكامل وصار الرجل في وضع جد هش إداريا وعمليا جرد من صلاحياته لفائدة الأمين العام الحالي أبو الغيط.
16 ـ هل لدى الرئاسة الشجاعة الكافية لتبرير موقفها بمنح الجنسية التونسية لفلسطينيين يعلنون معاركهم الخاصة تجاه المقاومة الفلسطينية ويتباهون علنا بنهج إقصاء شرائح مجتمعية كبيرة ودعمهم لآليات غير قانونية ولا دستورية لتسيير الشأن التونسي. فعلى أي أرضية وقع منح الجنسية التونسية لعناصر عرفت بولائها لأعداء الشعب التونسي ومساره الديمقراطي المجمع عليه؟
17 ـ هل بإمكان الرئاسة مصارحة التونسيين وعامة الناس بالداخل والخارج عن طبيعة علاقة السلطة الحالية بالقضية الفلسطينية وعبر من يتم متابعتها فعليا؟
18 ـ لماذا بقي الموقف التونسي من القضية الفلسطينية معزولا وبلا أي فائدة ولا تأثير؟ وهل يوجد لتونس اليوم أي دور في مساعي وقف العدوان والإبادة والتدمير بحق الشعب الفلسطيني؟
19 ـ لماذا لم تعلن الرئاسة خلال السنوات الماضية عن طبيعة الإكراهات والضغوطات التي اعترضتها في علاقة بالملف الفلسطيني وهل فعلا طلب من تونس محاصرة الجزائر وعزلها عبر المساعي الإماراتية المصرية في ليبيا ـ حفتر والسودان ـ حميدتي؟
20 ـ هل أن الإعلان عن رفض التطبيع مجددا يأتي في إطار قناعة فكرية وتصور سياسي وإرادة جماعية أم مجرد رضوخ لإملاءات وتخوفات إقليمية لا قبل لقيس سعيد وجماعته على مواجهتها؟
هذه بعض النقاط التي من الضروري التوقف عندها لمقياس جدية تصريحات قيس سعيد من عدمها، والثابت أن تونس كشعب ونظام حكم مستقبلي سوف تمضي في مسار الدعم الحقيقي والفعلي للقضية الفلسطينية دون شعبوية ولا تبعبة أو استحمار للناس ولعقولهم.
بالتأكيد سوف تصلح تونس السقطات الديبلوماسية السابقة ومنها عدم التصويت على قرار وقف الحرب أو القيام بمساعي جدية في إطار القانون الدولي من أجل إيقاف الإبادة بحق سكان القطاع المحاصر والمدمر والذي ترتكب فيه حاليا أبشع جرائم الإبادة بحق السكان.