لم تكن زيارة بنيامين نتنياهو للكونجرس الأمريكي مفاجأة، وهي أهم مؤسسة تشريعية ليس في الولايات المتحدة بل في العالم أجمع، لكن المفاجئ في الأمر لبعض الذين يحسنون الظن بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية أن تأتي هذه الزيارة في وقت يشار فيه بأصابع الاتهام لنتنياهو بارتكاب بجرائم إبادة ضد الإنسانية وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وفي وقت كانت المحكمة الدولية في لاهاي بصدد إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بوصفهما متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية في غزة!
إن التصفيق الذي ناله نتنياهو من قبل الكونجرس الأمريكي، يعبر عن الضمير الحقيقي للولايات المتحدة بالرضاء التام عن تلك الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، مما يؤكد أن ما يقوم به جيش الاحتلال الصهيوني من جرائم يندى لها جبين الإنسانية يتسق مع السياسة الأمريكية تجاه شعبنا الفلسطيني وشعوب المنطقة.
لقد مرّت منطقتنا العربية والإسلامية بكثير من الأحداث الجسام في العقود الفائتة، ولاسيما القضية الفلسطينية، ولم تجد دولنا ولا شعوبنا موقفًا مشرّفًا من الغرب وفي القلب منه الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تلك القضية ولم يتم تطبيق حتى القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بوصفها قرارات ملزمة كالقرار 242 و338، أو أن تطبّق حتى الاتفاقات التي قبلت بالتنازل عن مساحات واسعة من أرض الدولة الفلسطينية كما نص على ذلك قرار التقسيم، وكانت اتفاقية غزة أريحا، ولم تطبق كما كانت تنص بنودها رغم الاجحاف الذي نال الفلسطينيين.
إن القتال الذي تخوضه إسرائيل ضد غزة، يصورّه الإعلام العالمي المسيطر عليه من القوى الكبرى أنه صراع دولة حضارية ضد مليشيات إرهابية، علمًا أن غزة تخضع للاحتلال والقانون الدولي الحديث جرّم الاحتلال بالقوة، وأعطى حق المقاومة لمن تحتل أرضه ضمن قاعدة ” فلا اعتداء شرعي ولا دفاع شرعي لمحتل مغتصب، ومقاومة المحتل حق مشروع ومباح” لكن سيطرة القوى الكبرى على القرار السياسي الدولي جعل المصطلح السياسي يطغى على المصطلح القانوني.
إن الواجب الذي يقع على عاتقنا جميعًا أن نعمل على بث الوعي بين أبناء منطقتنا، وأن نعري المشروع الصهيوني الذي يهدد دولنا أجمع، ويشكل خطرًا على العالم المتحضر، وأن الأنظمة العربية التي تدعم هذا المشروع ترى أن وجودها متعلق بوجود هذا المشروع، ولذلك تمت محاربة الربيع العربي وسحق الشعوب الثائرة ضد تلك الأنظمة وإعادة إنتاج أنظمة أكثر شراسة. ولكى ننتقل من الأقوال إلي الأفعال؛ وجب علينا أن نبحث عن العنوان الحقيقى.
“العنوان الحقيقى”
العنوان الذى يجب أن يبحثه الجميع ليس هو تصفيق الكونجرس لنتنياهو أو اصدار بيان هنا أو هناك، ولكن العنوان الأول هو “ماهي الأعمال التى تضر المصالح الأمريكية والغربية في منطقتنا على المدى القصير والمتوسط والبعيد”.؟
ثم العنوان الثاني هو “كيف تتحرر منطقتنا وأنظمتنا من النفوذ الأمريكي والغربي ونحظى باستقلال حقيقي”.؟
والعنوان الثالث والأخير “هو كيف نزيد من مساحة الرفض للصهيوني في الساحة السياسية والإعلامية والاقتصادية في الغرب”؟
كل ذلك يحتاج لبناء قاعدة شعبية مؤسسية وليست انفعال عاطفي وحماسة مؤقتة سرعان ماتنطفيء، وقد ذكرنا مرارًا بمؤسسات اللوبي الصهيوني مثل الوكالة اليهودية والتى عمرها الآن يتجاوز مائة عام فنحن بحاجة لإنشاء مؤسسات متخصصة في مجالات دعم الحق الفلسطيني مثل مجالات المقاطعة والإغاثة والإعلام السياسى ومشاريع لعودة الفلسطيني لأرضه أو دعم صموده… إلخ، ولدينا فرصة أن نقيم تلك المؤسسات في بلد مثل تركيا أو ماليزيا أو دولة مثل إسبانيا أو جنوب إفريقيا…الخ.
المهم أن نملك ملكة البناء ونتحلي بالنفس الطويل، فالمعركة طويلة وممتدة ومتشعبة الأطراف ومتنوعة الساحات، فالمشروع الصهيوني استثمر فيه الغرب أكثر من مائة وخمسين عامًا، ولن ينهار بسهولة ولن تتوقف الأنظمة الاستعمارية الغربية عن دعمه إلا إذا صارت كلفته لا تطاق.