يعد جمال عبدالناصر واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا وإثارة للجدل في التاريخ المصري الحديث.
وعلى الرغم من أن جمال عبدالناصر يعتبر رمزًا للاستقلال والوطنية عند كثيرين، إلا أن هناك من ينتقدون فترة حكمه بشدة ويعتبرونها مليئة بالإخفاقات والقرارات المثيرة للجدل.
وقد اشتهر جمال عبدالناصر بأنه أشهر مسدس صوت في التاريخ، وأن إنجازه الوحيد كان في أنه استطاع أن يموت.
وبدأت مسيرة ناصر العسكرية تتعثر مبكرًا. وقد تعرضت لعدة هزائم ففي عام 1948، تلقى الجيش المصري هزيمة في الفالوجة خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. وفي عام 1954، واجه ناصر تحديًا داخليًا كبيرًا عندما فشل في محاولة اغتيال الرئيس محمد نجيب.
ولم تتوقف الهزائم عند هذا الحد، ففي عام 1956، اندلعت أزمة السويس التي انتهت بتدخل عسكري بريطاني فرنسي إسرائيلي.
ووصولًا إلى هزيمته الكبيرة فقد جاءت نكسة 1967 خلال حرب الأيام الستة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث فقدت مصر سيناء وتكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.
ورغم تصاعد هذه الهزائم، إلا أنه استمر في قيادة مصر في مواجهة التحديات ولم يكن الوضع الداخلي في مصر أفضل حالًا.
فقد ورط ناصر مصر في حرب اليمن التي استنزفت الاقتصاد المصري وأدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.
كما قام عبدالناصر بحبس الرئيس محمد نجيب بعدما طالب بعودة الجيش إلى ثكناته وتسليم السلطة للمدنيين، مما أثار جدلًا واسعًا حول نوايا ناصر الحقيقية في تحقيق الديمقراطية.
وألغى ناصر المجالس النيابية والأحزاب السياسية، مما قضى على نظام ديمقراطي كان يمكن أن يساهم في محاسبة الضباط الأحرار وتحقيق توازن في السلطة.
وكما تسبب عبدالناصر في إهدار الغطاء الذهبي للجنيه المصري، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد المصري بشكل كبير.
ولم يتمكن جمال عبدالناصر من تحقيق الاستقرار والازدهار لبلاده، وظلت مصر تعاني من التحديات الاقتصادية والسياسية.
فقد أدى حكم ناصر إلى تغييرات جذرية في المجتمع المصري، بعضها كان سلبيًا للغاية.
فبعد أن كان المصريون يتمتعون بحرية الحركة والسفر دون تأشيرات مسبقة، أصبح المواطن المصري يعاني من قيود السفر ويشعر بالدونية.
كما تدهور مستوى التعليم العالي في مصر، وأصبحت شهادات الجامعات المصرية غير معترف بها دوليًا بعد أن كانت جامعات مصر في مصاف أفضل الجامعات العالمية.
وانتهج ناصر سياسات قومية واشتراكية، ولكنه في الوقت نفسه أسس لنظام يعتمد على الولاء والطاعة على حساب الكفاءة والعلم.
وساد المناخ الذي يزدهر فيه المنافقون وتدهورت القيم والإنتاج، وارتفع صوت الغوغاء على كل شيء.
فقد عاش عبدالناصر قرابة عشرين عامًا في ضجة إعلامية فارغة ومشاريع دعائية، ولكنها انتهت بهزيمة تقسم الظهر وانهيار اقتصادي ومائة ألف قتيل تحت رمال سيناء.
وتحوّل العتاد العسكري إلى خردة، وضاع البلد وضاع المواطن وعلى الرغم من ذلك، يظل جمال عبدالناصر شخصية مثيرة للجدل، حيث يُعتبر بعض الناس أنه قائد عظيم ومنقذ للأمة العربية،
بينما يرون آخرون أنه فشل في تحقيق آمال شعبه وأنجزاته كانت محدودة.
وفي النهاية، يبقى جمال عبدالناصر شخصية معقدة ومثيرة للجدل، تجمع بين الإنجازات الكبيرة والإخفاقات المؤلمة. وبينما يظل البعض يرونه بطلًا قوميًا، يرى آخرون أنه كان مسدس صوت في التاريخ، وأكبر إنجازاته كانت موته.
ويظل على الأجيال الحالية والمستقبلية أن تستفيد من دروس تجربة جمال عبدالناصر وتعلم من أخطائه لبناء مستقبل أفضل لوطننا الحبيب مصر وللعالم بأسره.