مقالات ورأى

سمير الوسيمي يكتب : هل التوافق الوطني ضرورة في الحالة المصرية؟

تعد عملية التوافق الوطني من أهم الركائز التي تسهم في استقرار الأمم وتقدمها، وخاصة في الدول التي تعاني اضطرابات سياسية مثل مصر. في عام 2013 شهدت مصر انقلاباً عسكرياً على حكم مدني ديمقراطي، مما ألقى بظلاله على مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد. ولذلك فإن أهمية التوافق الوطني تظهر جلية في مثل هذه السياقات، حيث يصبح الحوار الشامل والاتفاق على المبادئ المشتركة بين القوى السياسية والاجتماعية المؤمنة بالتوافق الوطني ضرورة ملحة لتحقيق السلام والسلم المجتمعي والأمان الاجتماعي والتنمية المستدامة.

وأود من خلال هذا المقال أن ألقي الضوء على العديد من الرؤى حول التوافق الوطني، ومفهومه، وأهميته، ومتطلبات بنائه، ومعوقات حدوث ذلك، كما سأطوف سريعاً على الحالة المصرية، مع إشارة لبعض النماذج عالمياً، وأترك للقارئ الكريم الوصول إلى الرأي حول مدى أهمية هذا التوافق في تقديم حل للأزمة المصرية من أجل تحقيق الاستقرار المأمول لبلد كبير بحجم مصر.

تعريف التوافق الوطني

التوافق الوطني يمكن تعريفه أنه العملية التي يتم من خلالها الوصول إلى اتفاقات شاملة بين الأطراف السياسية والاجتماعية المختلفة داخل الدولة. ويتطلب ذلك الحوار البناء والتفاوض القائم على الاحترام المتبادل بهدف تحقيق أهداف مشتركة تخدم مصلحة الوطن كله. ويُعدّ أيضاً هذا التوافق أساسياً لبناء مجتمع متماسك ومستقر، حيث يتم تجنب النزاعات والصراعات التي قد تؤدي إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية.

أهمية التوافقات السياسية

لا يمكن التقليل من أهمية التوافقات السياسية في أي مجتمع يسعى لتحقيق الاستقرار والتقدم. فالتوافق السياسي يؤدي إلى:

  1. الاستقرار السياسي: من خلال تقليل النزاعات والصراعات السياسية، مما يعزز من استقرار النظام السياسي ويسهم 
  2. في تحقيق الأمن المجتمعي للجميع.
  3. التنمية الاقتصادية: يخلق التوافق الوطني بيئة سياسية مستقرة، مما يزيد من ثقة المستثمرين ويعزز من فرص النمو الاقتصادي.
  4. الوحدة الوطنية: يسهم التوافق في تعزيز الشعور بالوحدة والانتماء بين مكونات المجتمع المختلفة، مما يحد من الانقسامات الاجتماعية.
  5. الحفاظ على الحقوق والحريات: يسهم التوافق في حماية الحقوق والحريات العامة وتعزيز الديمقراطية من خلال الاتفاق على مبادئ أساسية تحترم كرامة الإنسان وحقوقه.

متطلبات بناء التوافقات الوطنية

لبناء توافق وطني فعال ومستدام، يجب أن تتوفر مجموعة من المتطلبات الأساسية، منها:

  1. الإرادة السياسية: يجب أن تكون هناك رغبة حقيقية وصادقة من جميع الأطراف المؤمنة بعملية التوافق الوطني، بغرض الوصول إلى توافق بعيداً عن المصالح الضيقة.
  2. الحوار الشامل: ضرورة إشراك جميع الفئات والقطاعات في المجتمع في عملية الحوار، لضمان أن تكون النتائج شاملة وتعكس تنوع المجتمع.
  3. العدالة والمساواة: يجب أن يتم التفاوض على أسس عادلة تحقق المساواة بين الجميع، مما يعزز من شرعية التوافقات المتوصل إليها.
  4. الثقة المتبادلة: بناء الثقة بين الأطراف المختلفة يعد أساساً للوصول إلى توافق، ويتطلب ذلك الشفافية والتعاون المستمر.
  5. الإيمان بالتوافق: يجب أن يتوفر الحد الأدنى -لدى المشاركين في عمليات إحداث توافق وطني- من الإيمان بالتوافق الوطني وأهميته لصالح المجتمع ككل وبأنه حل للتعايش السلمي بين الجميع.

معوقات بناء التوافق الوطني

بالرغم من أهمية التوافق الوطني، فهناك عدة معوقات قد تعرقل تحقيقه، منها:

  1. انعدام الثقة: وجود شكوك متبادلة بين الأطراف المختلفة يعرقل التوصل إلى اتفاق، ويؤدي إلى تفاقم الخلافات.
  2. الانقسامات العرقية أو الطائفية: تشكل هذه الانقسامات عقبة كبيرة أمام التوافق، حيث تخلق بيئة من التوتر والصراع.
  3. المصالح الشخصية والفئوية: تضارب المصالح يمكن أن يمنع الوصول إلى توافق شامل، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب المصلحة العامة.
  4. التدخلات الخارجية: التدخلات من قبل قوى خارجية قد تؤثر سلباً على عملية التوافق، حيث تدعم بعض الأطراف على حساب أخرى لتحقيق أهدافها.

هل نحتاج إلى دليل لبناء القناعات حول التوافق الوطني؟

إن وجود دليل أو إطار عمل يحدد خطوات بناء التوافق الوطني يمكن أن يكون مفيداً في توجيه الأطراف المختلفة نحو تحقيق توافق فعّال. هذا الدليل يمكن أن يتضمن:

  1. مبادئ توجيهية: تحدد المبادئ الأساسية التي يجب الالتزام بها لتحقيق التوافق.
  2. خطوات عملية: توضح المراحل المختلفة لبناء التوافق، من بدء الحوار إلى تنفيذ الاتفاقات.
  3. آليات متابعة: لضمان تنفيذ الاتفاقات والتوافقات المتوصل إليها، ومنع الانحراف عنها.

الحالة المصرية: تحليل وتشخيص

السياق السياسي

منذ ثورة 25 يناير 2011، عاشت مصر فترة من الاضطرابات السياسية، تخللتها انتخابات وصراعات على السلطة بين مختلف القوى السياسية. ثم أتى انقلاب 2013 على أول رئيس مدني منتخب، الدكتور محمد مرسي، والذي مثل نقطة تحول حاسمة. وأدى ذلك إلى تعميق الانقسامات السياسية والمجتمعية، حيث أصبحت مصر تعاني من صراعات بين مؤيدي الحكومة الحالية ومعارضيها.

التحديات الرئيسية

  1. التفكك السياسي: هناك انقسام حاد بين القوى السياسية المختلفة، مما يجعل من الصعب -وفي رأيي ليس مستحيلاً- الوصول إلى توافق.
  2. القمع السياسي: القيود المفروضة على الحريات السياسية والمدنية تسهم في زيادة التوترات.
  3. الاقتصاد المتعثر: الأوضاع الاقتصادية الصعبة تزيد من الضغوط على الحكومة والمواطنين، مما يعقد من إمكانية الوصول إلى توافق.
  4. التدخلات الخارجية: تأثير القوى الإقليمية والدولية على السياسة المصرية يعقد من إمكانية التوصل إلى توافق داخلي.

التوصيات والتصورات المستقبلية

  1. إطلاق حوار وطني شامل: يجب دعوة جميع الأطراف السياسية والاجتماعية -دون استثناء أو إقصاء أو تشويه أو تخوين- إلى حوار شامل يهدف إلى وضع أسس جديدة للتوافق الوطني، ولا يكفي من وجهة نظري إطلاق حوارات شكلية أو حتى جادة من وقت لآخر في غياب الأطراف الفاعلة والتي يمكن البناء عليها في تحقيق توافق وطني حقيقي.
  2. إصلاحات سياسية: ضرورة إجراء إصلاحات سياسية تضمن حرية التعبير، والحق في التجمع، وحق القوى السياسية المختلفة في المشاركة في صنع القرار.
  3. تحقيق العدالة الانتقالية: معالجة الانتهاكات السابقة من خلال آليات العدالة الانتقالية يمكن أن يسهم في بناء الثقة بين الأطراف المختلفة.
  4. تعزيز الحوكمة: تعزيز الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة من خلال إصلاحات حوكمية شاملة.
  5. تطوير الاقتصاد: وضع استراتيجيات لتحسين الأوضاع الاقتصادية، بما في ذلك جذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل.
  6. دور المجتمع المدني: تمكين منظمات المجتمع المدني للعب دور فعال في بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية.

أهمية الحوكمة لبناء مبادئ حاكمة للتوافق الوطني

تلعب الحوكمة الجيدة الرشيدة Good Governance دوراً حاسماً في بناء التوافق الوطني، حيث تسهم في:

  1. تعزيز الثقة: بين المواطنين والحكومة من خلال الشفافية والمساءلة، وكذلك بين القوى والفئات المختلفة لتعزيز مبادئ التعاون، والتضامن، والنزاهة، والرؤية الاستراتيجية، ومنح وتداول السلطة، واحترام القانون والنظم، والرقابة.
  2. تحقيق العدالة: في توزيع الموارد والفرص، مما يعزز من شعور الجميع بالانتماء والمساواة.
  3. ضمان المساءلة: مما يجعل الأطراف المختلفة ملتزمة بما تم التوافق عليه، ويحد من التلاعب والانحراف عن الأهداف المتفق عليها.

نماذج من دول مختلفة

هناك العديد من الأمثلة العالمية التي توضح تأثير التوافق الوطني على تحقيق استقرار المجتمع وفعاليته:

  1. جنوب إفريقيا: تجربة التحول من نظام الفصل العنصري إلى ديمقراطية تعددية كانت مثالاً ناجحاً للتوافق الوطني، حيث تم التوصل إلى اتفاقيات شاملة بين الأطراف المختلفة.
  2. تونس: نجاح الحوار الوطني في تونس بعد ثورة 2011 في بناء توافقات سياسية أسهمت في استقرار البلد وتحقيق تقدم ديمقراطي، لكنّ التجربة تعرضت لإشكالات الاستبداد وعودته مرة أخرى وأول ما أسقطه ليعود للصدارة كان ضرب التوافق الوطني وزرع الفرقة والاستقواء بالقوة العسكرية والأمنية في مواجهة التوافق الدافع باتجاه السياسة والديمقراطية والحريات العامة، فهذا نموذج يوضح فائدة وجود التوافق في مرحلة، وخطورة غيابه أو إسقاطه في مرحلة أخرى.
  3. إيرلندا الشمالية: اتفاق الجمعة العظيمة عام 1998 أنهى عقوداً من الصراع وأسس لمرحلة جديدة من التعاون السياسي والتقدم الاجتماعي.

ختاماً يتضح لنا مما سبق أن بناء توافق وطني يحتاج إلى جهد مشترك من جميع الأطراف المعنية -المؤمنة بأهمية التوافق الوطني- وإلى رؤية شاملة تتجاوز المصالح الضيقة وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. ومن جانبي أرى أنّ التوافق الوطني هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في أي مجتمع، وخاصة في حالة مصر التي تحتاج إلى خطوات جريئة من الجميع، وإرادة سياسية حقيقية لتحقيق التوافق الوطني المستدام.

المراجع والاستشهادات

– الكتب:

  – “مبادئ التوافق الوطني: دراسات في النظم السياسية” من تأليف جيمس س. فيشكن.

  – “التحول الديمقراطي في العالم العربي” من تأليف مجموعة من الباحثين.

– الدوريات العلمية:

  – مقالات من مجلات مثل “دراسات في الحوكمة” و”مجلة الشؤون الدولية”.

– تقارير منظمات دولية:

  – تقارير البنك الدولي عن الحوكمة والإصلاحات السياسية.

  – تقارير منظمة الشفافية الدولية عن مكافحة الفساد.

المصدر

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى