بينما أمضى أحمد دومه عشر سنوات من شبابه خلف قضبان السجن، يدافع عن حريته وحقوق الآخرين في مصر.
بعد فترة السجن الطويلة والمريرة، خرج ليقود احتجاجات من أمام نقابة الصحفيين في القاهرة، يدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الحياة، الحرية، والمقاومة.
وكان من الممكن أن يُعاد دومه إلى السجن مجددًا وهو يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
في حين كان دومه يتألم في زنزانته لعشر سنوات، كان بعض رجال الدين يعيشون حياة فاخرة ومرفهة على حساب السلطة والثروة.
حيث يقدمون جلسات التنويم المغناطيسي للجمهور مقابل مبالغ مالية ضخمة، ويستمرون في التباهي والرقص على جثة الوطن.
لم يتأثر “علماء السلطان” بدماء الشهداء ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين، ولم تنغص حياتهم صرخات أطفال غزة وهم يتضورون جوعًا، لم تبتل لحاهم الطاهرة ببقايا جثث الأطفال والنساء المنتشلة من تحت الركام
لم ير مشايخنا كل هذا الدم “والذي يُعد دم طفل واحد من بين عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ هو أعظم عند الله من ان تُهدَّم الكعبة حجرًا حجرًا”، ب
ينما تداعت فتاواهم لإهدار دم دومه ولإهدار دم ديوانه “كيرلي” الذي كتبه بمحبسه.
لم نسمع شيخًا – من محرمي كتاب دومة والمطالبين بمصادرته – يفتي بحرمة حصار الفلسطينيين ومنع الغذاء والدواء، عن جوعاهم ومرضاهم .
لم نسمعهم قط يتحدثون عن حرمة عمل جسر يربط من الإمارات والكيان الصهيوني مرورًا بالسعودية والأردن، ليعوض الكيان عن حرمانه من الامدادات التي قطعها عنه أنصار الله الحوثيون باليمن،
ولكنهم ازعجهم جدًا بضعة أبيات لأحمد دومة يسقطون عليها فقههم السلطوي ، الذي يرى بيتًا من الشعر أكثر خطرًا على دينهم من قتل الأطفال
لم نسمع من مشايخ السلطان – أي سلطان – أية مطالبات بإدخال المصابين للمستشفيات، ولم يُحرموا مطلقًا تقاضي أموال من الفلسطينيين العابرين لحدودنا لظروف صحية أًو لأسباب قاهرة آخرى،
لقد كانوا صامتين، بينما ازعجتهم بعض ابيات دومة، وحركت مشاعرهم الدينية الخداعة.
ولكن اقلقهم جدًا وخافوا على الإسلام وعقيدة المسلمين بأبيات قالها أحمد دومه في محبسه معاتبًا ربه بأسلوب شعري فني لا يقاس مطلقًا بمقاييس فقهية
يقول دومه من محبسه : «زحمة السؤالات بتئذي خاصة والوضع صامت .. تبدأ الوحدة فـ نافوخي فابدأ أهذي.. والقى – دون الناس بحالها- قيامتي قامت .. زحمة السؤالات جنون تبتدي بـ ليه اتخلقت ؟!
ثم تسحلني في طريق آخره هو الرب كان منحاز لمين .. لـ اللي عاشوا يطلبوا دم الحسين .. ولا لكلاب السكك .. ؟! يعني ربنا في اللحظة دي كان قلبه فين؟!
في للاظوغلي ولا في الميادين ويصف أحد هؤلاء الشيوخ هذا الشعر بالكفر لأنه يشبه الله ببشر ينحاز !!!
وهذا الشيخ لا علاقة له باساليب التشبيه في اللغة العربية، ولا بأنواع الكناية ولا الاستعارة،
ولم يسأل الشيخ نفسه كيف شبه الله نوره، والذي لا مثيل له ولا حد ، ولكن الله شبه نوره في سوره النور بـمشكاة { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [النور: 35]
فالقرآن الكريم يشبه نور الله بمصباح في طاقة بالحائط ، فهل ترى هذا التشبيه ؟!!! لم يقرأ هؤلاء المشايخ كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني
والذي تم تصنيفه في أزهى عصور الدولة الإسلامية، والذي أرَّخ للأدب كأدب، ولم يؤرخ له بمنظور ديني،
لو أن هذا المؤلف الضخم الذي يعتبر من أهم مراجع الأدب العربي على الإطلاق في عصر مشايخنا هؤلاء لمُنع نشره ولحكم على مؤلفة بالكفر والمروق من الملة لما فيه من شعر لا استطيع أن أكتب بعض أبياته هنا بعد قرون طوال من تأليفه.
فهل قرأ هؤلاء المشايخ قصائد مثل “دع عنك لومي – مجلس الفتيان – لما جفاني الحبيب – أيها المنتلب – ما يلقى الفؤاد” ؟!
انظر ما قاله – عن كتاب الأغاني – القسم العلمي للدر السنيه فقد وصفوا الأغاني وصاحبه ( ما يحتويه الكتاب من تشويه مخز للتاريخ الإسلامي لاسيما الخلفاء والأمراء والعلماء وغيرهم, حيث لم يفتأ يصورهم في صورة من لا خلاق لهم ولا دين, لا يردعهم رادع عن اقتراف المحرمات, ولا يمنعهم مانع عن ركوب الشهوات.)
وأضافوا ومن المآخذ التي تؤخذ على هذا الكتاب استخفافه بالعقائد والطعن فيها, ونقلها والسكوت عنها, فتراه ينقل الكفر البواح, والاستهزاء بالصلاة, وما إلى ذلك, ويتضح ذلك من خلال بعض ما سنورده من نقول مقتضبة أبقينا فيها على الشاهد, وحذفنا ما ننزه سمعك ولسانك عنه.
وعلى الرغم من كل هذه المآخذ فقد حصل الأصفهاني على تكريم من الدولة حينها، ولكن مشايخنا نجحوا في العصر الحديث في قمع كل أدب وتسفيه كل إبداع، وتكفير المبدعين والتفريق بينهم وبين زوجاتهم
وهل قرأ مشايخنا كتاب ( الشعر والشعراء ) لابن قتيبة ، وهو بدوره من أهم مراجع ومصادر الأدب وصاحبه فقيه قبل ان يكون مؤرخًا أدبيًا،
ولكنه كان يدرك ما لم يدركه مشايخ السلطان في التفرقة بين الحكم الديني والحكم الأدبي ، فقد علم ابن قتيبه أن للادب مقابيسه الخاصة الغير خاضعة للمقاييس الدينية.
فوضع في مقدمة كتابه مقاييسه الفنية للشعر من حيث : ( البناء الفني – الوحدة العضوية- – اللفظ والمعنى – الطبع والتكلف – وتحدث عن أشعار العلماء واعتبرها ليست بشعر وأنها متكلفة،
وتحدث في مفدمته النقدية عن :- التجربة الشعرية – جماليات العمل الشعري – قضية الانتحال ) فكل هذه القضايا النقدية التي تناولها ابن قتيبه في كتابه العظيم كلها مقابيس أدبية فنية، لا دخل للدين فيها، لإنه ببساطه للدين مقاييس آخرى.
وكلنا رأينا كيف أن شخص المسيح – عليه السلام – لم يكن مسموحًا من قبل الكنيسة بظهوره في عمل فني سينيمائي بأوامر من الكنيسة ،
حتى وفتح البابا بولس السادس الباب على مصرعيه عندما وافق على عرض فيلم ( يسوع الناصري ) واصبح ظهور المسبح في الأفلام شيئًا طبيعيًا في عشرات الأفلام.
وبينما كان ظهور الصحابة بالأفلام والمسلسلات من المحرمات ، أصبح مسموخًا به واضحى مسلسل عمر، والذي يحكي قصة الخليفة عمر بن الخطاب ،
من أكثر المشاهدات، ومن المتوفع أن يظهر قريبًا النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – بشخصيته المثيرة لخيال كل المبدعين أمرًا واقعًا مجسدوا في أعمال فنية ..
وبينما يقف تيار المقاومة موحدًا واثقًا من يوم طوفان الأقصى، فكل فصائل المقاومة الفلسطينية- دينية وعلمانية وشيوعية وقومية – تتوحد في مقاومة المحتل الصهيوني ، يتفنن المقاولون – سياسيون ورجال دين – في الهاء الشعب، وسب المقاومة وتسفيهها
واعتبارها من القت الشعب الفلسطيني للتهلكة ، وكأن الشعب الفلسطيني كان يعيش تحت نعيم الاحتلال وجاء الطوفان ليجعله تحت جحيم المقاومة ؟!
وبينما جمعت المقاومة الفلسطينية بين شتى المقاومين فإنها جمعت بين السنة والشيعية فتجمعت ساحات المقاومة السنية في فلسطين وتركيا مع المقاومة الشيعية بإيران ولبنان واليمن،
فقد رأينا مشايخ السنة يتذكرون الخلافات الفقهية السنية / الشيعية، ويجترونها كما تجتر جمالهم شعيرهم،
فيلهون الناس في خلافات فقهية لا مبرر لوجودها، وبدلًا من تشجيع المقاومة، تحولوا لمعاول هدم
وأصبحوا ( مقاولين هدد ) للقضية الفلسطينية، يستفيدون من دعم العدوان ومن تسفيه المقاومة وحصارها
واعتبارها رجسًا من عمل الشيطان وأنها جلبت الخراب على الشعب الفلسطيني.
لا يمتلك هؤلاء المشايخ ناصية النقد الأدبي، ولا يملكون أدواته، ولكنهم يحاسبون الأدب بمقاييس دينية، وهي قضية قُتلت بحثًا
لماذا لا تتركون مساحة للحلم ، وتتنحوا جانبًا دعوا دومة يحلم :،يا مصدقين الحلم ومختارين ضيه .. رغم الليالي السود وعتمة الكوابيس .. يا مزروعين ف غيطان السجن قمح وأمل .. تسدوا جوع الوطن لبكرة وتحرروا من حبسكوا المحابيس .. يا عارفيم بالجاى يا أولياء الحق آه ” ياكافرين بال” لأ ” ومؤمني بال” ومأديين فرضكم جمعا عل المتاريس
عاشت المقاومة .. يسقط مقاولوا التطبيع