بقلم: د.أيمن نور
في خطوة تحمل الكثير من الحكمة والنضج السياسي، وتغليبا لصالح الأوطان، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن رسميًا انسحابه من سباق الرئاسة الأمريكية، مكتفيًا بفترة رئاسية واحدة. وليكون سادس رئيس سابق للولايات المتحدة علي قيد آلحياه هذا القرار الذي اتخذه بايدن يعكس تقديرًا واحترامًا للذات وللديمقراطية، وهو تصرف نادر الحدوث -خاصة -في عالمنا العربي.
ففي (٢٢دوله عربية) نكاد لا نعرف حاكم عربي (سابق ) -علي قيد الحياه -من الخليج إلي المحيط إلا ثلاثة اسماء فقط من حكام ٢٢ دولة والثلاثة هم: ١-الدكتور المنصف المرزوقي تونس ٢-الامير حمد أل ثاني قطر ٣-وتجاوزا ياتي اسم الرئيس الأسبق عمر البشير السودان الذي ترك السلطة -مرغماً – وبثوره قامت ضده ، بعد شروعه في تعديل الدستور، لتمديد مده بقاؤه في الرئاسة بعد استنفاذ مرات الترشح الرؤساء السابقين الأحياء في دولة واحدة هي أمريكا هم ٦ رؤساء وهم مثال حي على احترام آليه تداول السلطة في الأمم المتحضرة ،وبشكل سلمي ،ومرن ومنظم.
فبعد انتهاء فترة ولايتهم، يعود هؤلاء القادة إلى حياتهم الطبيعية، تاركين المجال لقادة جدد يحملون رؤى وأفكار جديدة. لم يفكر احدا منهم أن يعدل نصوص الدستور، ليمدد ،اويجدد، أو يؤبّد لم يمنع احدا منهم منافسه من الترشح ،ولو كان مرتكبا لجرائم، علي غرار ما ارتكبه دونالد ترامب-المحظوظ -لانه ليس من مواطني العالم الذي لا يستطيع ان يري فيه منافس رئيس الجمهورية الشمس إلا من وراء القضبان القائمة الحالية للرؤساء السابقين الاحياء في أمريكا والتي ينضم إليها اليوم جو بايدن (بعد ٤سنوات فقط ) من الحكم تشمل كل سته اسماء : **جيمي كارتر**: الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة (1977-1981)، والذي تحول بعد انتهاء ولايته (٤سنوات فقط )إلى ناشط في مجال حقوق الإنسان والعمل الخيري.
*بيل كلينتون**: الرئيس الثاني والأربعون للولايات المتحدة (1993-2001)، الذي أسس بعد انتهاء ولايته مبادرات عديدة في مجالات الصحة العامة والتعليم. **جورج بوش الأبن**: الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة (2001-2009)، الذي انشغل بعد انتهاء فترته الرئاسية بكتابة مذكراته والعمل في مشاريع خيرية. **باراك أوباما**: الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة (2009-2017)، الذي يواصل التأثير في السياسة العامة من خلال مؤسسته الخيرية. **دونالد ترامب**: الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة (2017-2021)، والذي لا يزال نشطًا في المجال السياسي. جو بايدن *:- الذي انضم اليوم – سادساً -لقائمة الرؤساء السابقين ،الأحياء في دوله واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية هذا النموذج الأمريكي يبرز بوضوح كيف يمكن للسلطة أن تنتقل بسلاسة من قائد إلى آخر، مما يعزز من قوة النظام الديمقراطي واستقراره. ولكن في المقابل، نجد في عالمنا العربي واقعًا مختلفًا تمامًا.
من النادر أن نرى حاكمًا عربيًا يتنحى عن السلطة (طواعية)وهو على قيد الحياة. فعلى مدار العقود الماضية، لم نسمع عن حاكم عربي يتخلى عن الحكم بإرادته إلا في حالة واحدة وهي الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر السابق، الذي قرر التنحي لصالح ابنه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطوة استثنائية. وقبله بعقود الحاكم العسكري العربي الوحيد الذي تخلي عن الحكم وهو عبد الرحمن سوار الذهب والذي تنازل طواعية عن حكم السودان في ٦ مايو عام ١٩٨٥ في مصر والعالم العربي,
ترتبط السلطة بالحاكم حتى آخر نفس. بدعوي المصلحة العليا للدولة او المؤامرات الخارجية وحماية البلاد والعباد من قوي الشر هذا النمط السياسي من (الديكتاتوريه الخام )يعزز من تراجع الديمقراطية الحديثة ويؤدي إلى استمرارية الأنظمة القمعية التي ترفض التداول السلمي للسلطة. وبالتالي، نجد أن الحكام لا يرحلون إلا عن الحياة، وهو ما يضعف من قدرة الشعوب على التغيير والتجديد. التجربة الأمريكية في تداول السلطة تقدم لنا درسًا مهمًا: أن السلطة ليست هدفًا بحد ذاتها، بل وسيلة لخدمة الشعب وتحقيق الرخاء. وعندما يدرك الحكام العرب هذه الحقيقة، يمكننا أن نأمل في مستقبل أفضل، حيث يمكن للشعوب أن تعيش في ظل أنظمة تحترم إرادتها وتدعم حقوقها في التعبير والاختيار.
ختامًا على الحكام العرب أن يتعلموا من خطوة بايدن العاقلة وأن يدركوا أن التاريخ لن يذكرهم فقط بما حققوه في السلطة، بل بكيفية تركهم لها أيضًا. فالقيادة الحقيقية لا تُقاس بمدة البقاء في الحكم، بل بما يُحقق من إنجازات واحترام للديمقراطية والإنسانية