تقارير

مصائب لا تحصى: عندما غرق الاقتصاد المصري تحت وطأة التضخم

تعاني مصر في الوقت الراهن، من أزمة اقتصادية طاحنة، حيث أصبحت العملة متقلبة وشهدت معدلات تضخم قياسية.

حيث يعود هذا الوضع إلى ما كانت عليه البلاد في العامين 2015 و2016، وأيضا في عام 2003، بالإضافة إلى تكرار الأوضاع المماثلة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

تدابير يائسة: مصر تخفض قيمة الجنيه في خضم الأزمة الاقتصادية

وكما تعرضت مصر لأزمة مالية في عام 2023، وقد قامت الحكومة والبنك المركزي بتخفيض قيمة الجنية.

وتراجعت قدرة البلاد على تحمل الديون ونقص النقد الأجنبي، مما أدى إلى زيادة مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي.

وتسبب الفساد السياسي ونقص الغذاء والدواء وإغلاق الشركات والبطالة وتدهور الإنتاجية والاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان وسوء الإدارة الاقتصادية في تفاقم الأزمة.

الأزمات الاقتصادية التي أثرت في تاريخ مصر

وبالنظر إلي تاريخ مصر الطويل يشهد بوجود أزمات اقتصادية مرتبطة بالتضخم وانهيار سعر العملة. وهذه الأزمات تتراوح بين الاعتدال والشدة التي تصل إلى حد المجاعة.

وفيضان النيل وقرارات الحكام والإجراءات الإدارية لعبت دورًا في إحداث وحل هذه الأزمات على مدار القرون.

تأثير النيل: كيف شكّل الفيضان والجفاف مصير مصر الاقتصادي

ففي العهد الإخشيدية، تسبب انخفاض منسوب النيل في أزمة اقتصادية. تراجع منسوب النيل في عهد أونجور بن الإخشيد عام 954، مما أدى إلى تلف المحاصيل وارتفاع الأسعار في شهر رمضان.

وفي عهد علي بن الإخشيد عام 963، ارتفعت أسعار القمح بشكل كبير. واستمر التدهور الاقتصادي بسبب انخفاض منسوب النيل والاضطرابات حتى عام 966، حيث وصل سعر ويبة القمح إلى 32 كيلوجرام بدينار.

وتم حل الأزمة عام 972 بفضل إرسال المعز لدين الله الفاطمي عساكره من المغرب ودخول جوهر بن عبد الله الرومي إلى القاهرة وتوحيد الأسعار وتشديد الرقابة وفرض عقوبات على السماسرة.

وخلال فترة حكم الفاطميين، تعرضت مصر لأزمات اقتصادية في عام 997 ميلادية، بدأت أزمة اقتصادية جديدة بسبب انخفاض منسوب النيل، مما أدى إلى ارتفاع سعر الخبز.

وفي عام 1005، انخفضت كمية الدنانير المتوفرة في السوق، مما أدى إلى زيادة سعر الدينار بشكل كبير. تم حل الأزمة بإنزال صناديق من بيت المال وتوحيد سعر صرف الدراهم.

وفي زمن الخليفة المستنصر، حدثت أزمة أخرى عام 1053 ميلادية بسبب انخفاض منسوب النيل، مما أدى إلى ارتفاع سعر الخبز. وتم حل الأزمة بتغريم عريف الخبازين وتوزيع الخبز المحتكر.

الانهيارات النقدية والسوقية التي عرّفت ماضي مصر

وفي الفترة الفاطمية كانت مليئة بالأزمات الاقتصادية في مصر. بعد الأزمة في عهد المستنصر بالله، حدثت أزمة أخرى في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله،

وتلاها غلاء آخر في عهد الحافظ لدين الله وآخر في عهد الفائز بنصر الله. وتم حل الأزمات بتدخل الحاكم وتنظيم الأسعار وتوزيع السلع الأساسية.

وفي الدولة الأيوبية شهدت أزمة اقتصادية خلال حكم أبو بكر بن أيوب في عام 1200، حيث انخفض منسوب النيل وتزاحم الناس في القاهرة بحثاً عن الطعام.

وقد بلغ سعر رأس البقرة 70 ديناراً، وسعر اردب القمح 80 ديناراً. تم حل الأزمة بعد ثلاث سنوات من خلال توزيع الطعام على الفقراء،

حيث بلغ سعر الدجاجة 2.5 دينار وسعر 0.45 كيلو من الخبز درهم ونصف. وبهذا تم تجاوز الأزمة الاقتصادية في تلك الحقبة.

وفي العصور الوسطى، كانت الدولة المملوكية تعاني من أزمات اقتصادية. في عهد السلطان العادل كتبغا، حدثت أزمة اقتصادية في عام 1296 بسبب قلة المواد الغذائية بسبب جفاف المطر في البلاد.

وقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير حيث وصل سعر 150 كيلو من القمح إلى 100 درهم، والشعير إلى 60 درهم، والفول إلى 50 درهم، واللحم إلى 3 دراهم.

وتضخمت على الناس وكان السبب في ذلك هو نقص الأموال في البلاد. وكان الناس يأملون في الحصاد القادم لتخفيف الأزمة،

ولكن حدثت آفة أفسدت المحصول وزادت أسعار السكر والعسل والدجاج والبطيخ والبيض والقمح والفول والعدس.

وقد تم حل الأزمة عندما قام الأمراء بتوزيع الطعام والمخزون على الشعب. وكانت أحد أسباب الأزمة زيادة الضرائب وتلاعب الناس في وزن النقود.

وفي عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، حدثت أزمة اقتصادية أخرى وتم حلها بدعم السلطان للناس وتركهم شهرًا.

الأزمات الاقتصادية في مصر: تاريخ من التضخم وانهيار العملة

وفي الدولة العثمانية كانت في حالة من الاضطراب عندما حضر سليم الأول، أول سلطان عثماني في مصر بعد عهد قنصوه الغوري.

وكانت قيمة العملة في حالة انخفاض شديد حتى تحولت من الذهب إلى النحاس والفضة والرصاص. وتم تسليم دار الضرب إلى شخص يدعى جمال الدين الذي عبث بأموال الدولة وصك العملات بشكل كبير حتى فقدت قيمتها.

وبعد ذلك تولى يعقوب اليهودي المكان واتبع نفس النهج حتى وفاته. وكان يفرض ضرائب مضاعفة على التجار من بلاد الشام وحلب وكذلك على تجار الهند، مما أدى إلى انخفاض الإقبال على مصر.

وكما فرض ضريبة على القمح والبطيخ والرمان وزاد الضرائب على العمال. وكان يعقوب اليهودي يصرف الأموال على عمائر لا فائدة منها ويزخرف الحيطان بالذهب.

وفي عهد أحمد باشا، زادت صناعة النحاس وتم تصديره إلى السودان وباقي بلاد أفريقيا. تم فرض ضريبة على صناعة النحاس مما أدى إلى نقص النقود في الدولة وارتفاع أسعار الحبوب والمأكولات.

وتم تعديل النقود 24 مرة في حكم الولاة العثمانيين وكانت العملة المصرية مرتبطة بالعملة التركية. وتم تحديد سعر العملات وتسعيرها واستبدال بعض العملات بأخرى جديدة.

وتم تقسيم الدينار إلى 10 دراهم فضة وظهرت عملة جديدة تسمى البندقية. وتم تحديد سعر الفرنك وتسعيره.

وفي عهد محمد علي، كانت العملة المتداولة خليط من العملة التركية والمصرية وكانت أسعارها ترتفع وتهبط. وتم ربط العملات المصرية بعملات الأستانة واحتكار سك النقود.

وتم تحديد سعر البندقية والمحبوب والقرش وتم تسعير العملات وثبت أسعارها. وفي عهد إسماعيل باشا، تم جمع الفقراء وتوزيع الطعام عليهم لحل أزمة الغلاء. تم تحديد سعر العملات وتثبيتها.

وتم تحديد سعر الكيلو اللحم والجاموس والبقر والفول والأرز وتم تحديد سعر الكيلو اللحم والبقر والفول

وقد توقفت الاستثمارات في مصر خلال فترة الحملة الفرنسية بسبب الحالة الاقتصادية السيئة والاضطرابات السياسية. وتأثرت التجارة الخارجية والإنتاج المحلي بسبب محاصرة الأسطول الإنجليزي للسواحل المصرية.

وقام محمد علي بتنفيذ مشاريع لتحسين الاقتصاد، مثل إقامة مصانع وشركات وتنظيم الأسواق المحلية. وتم تبني سياسة الاستقلال الاقتصادي من قبل محمد علي،

حيث أراد أن تعتمد مصر على نفسها في الإنتاج الصناعي والزراعي والتجاري. وتم تعزيز الزراعة وتنفيذ مشاريع لتحسين البنية التحتية الزراعية.

وتم تسعير المحاصيل والمواد وتطبيق سياسة الاحتكار، ولكنها لم تكن ناجحة تمامًا وأدت إلى تراجع الإنتاج وتدهور مستوى معيشة الفلاحين.

الدولة الريعية: كيف أدار عبدالناصر والسادات ومبارك بنجاح القيود الاقتصادية في مصر

وبعد ذلك تأسست الدولة الريعية في عهد عبدالناصر واستمرت في عهدي السادات ومبارك. ففي عهد عبدالناصر، احتلت مصر المرتبة الأولى في قائمة المساعدات السوفيتية،

وفي عهدي السادات ومبارك، احتلت المرتبة الثانية في قائمة المساعدات الأميركية.

وبعد الركود الاقتصادي في عام 1966 والهزيمة العسكرية في عام 1967، أصبح النظام المصري منذ 23 يوليو 1952 بحاجة ماسة للاستثمارات الجديدة والأموال لإنعاش الاقتصاد.

وتحطم الجيش في عام 1967 وتدهور الاقتصاد، مما أدى إلى نفاد الخزينة وتوقف الأسواق، وزادت توقعات النظام بالانهيار.

وفي هذه اللحظة الصعبة من تاريخ النظام المصري، أصبحت لحظة مفصلية لفهم سياسات خلفاء عبدالناصر.

حيث يظهر تمدد الجيش في الاقتصاد المصري وتوسع إمبراطوريته الاقتصادية رغم الأزمة التي تعصف بالدولة.

ويجب على النظام اختيار بين النظام القوي والدولة القوية، بين جيش يحمي النظام ودولة تضع قيودًا على الجيش.

وبعد هزيمة 1967، نجح السادات في إعادة بناء الجيش وتحقيق انتصار عسكري على إسرائيل، لكنه وجد نفسه في مأزق بسبب تراجع الدعم النفطي والاقتصادي السوفيتي.

وتحول السادات نحو الغرب وسياسات الانفتاح والاقتراض، مما ساعد على استقرار الأوضاع بشكل نسبي. ومع ذلك، أدى تقليص الإنفاق الاجتماعي إلى انتفاضة الخبز عام 1977.

الاقتصاد المصري على حافة الهاوية: تاريخ من الأزمات والتدخلات

وفي عام 1989، وصلت الخزينة المصرية إلى حالة إفلاس. وعلى الرغم من توقعات الخبراء الاقتصاديين بأن الاقتصاد المصري لن يتمكن من النجاة إلا بمعجزة،

حدثت المعجزة عندما طلب التحالف الدولي مشاركة مصر في حرب العراق ووافقت مصر على ذلك مقابل إلغاء جزء من ديونها الخارجية.

وبهذا تم تخفيف الأزمة المالية للدولة واستمرت الحكومة في السيطرة على الوضع لسنوات.

وفي الوقت نفسه، استمرت البيروقراطية في النمو والتضخم وأصبحت عنصر استقرار النظام المصري.

ومع ذلك، عاد الاقتصاد المصري للركود وتراجعت إيرادات الدولة وتوقف نمو الاقتصاد وعلى الرغم من الدعم الخارجي والاقتراض الداخلي، استمر التراجع في إيرادات الدولة والتضخم المتراكم

ركوب العاصفة: الاضطراب الاقتصادي في مصر والسعي نحو الاستقرار

وأصبحت هذه المشكلة مستمرة وتهدد الدولة بالكامل. وعندما تعرض النظام لتغيرات سياسية في الشرق الأوسط بعد عام 2003 وتأثر بأزمة مالية عالمية في عام 2008، انهار النظام في النهاية.

وقد تعرضت مصر لأزمة مالية نتيجة للأزمة المالية العالمية خلال عامي 2008 و2009.

وتراجع معدل النمو في مصر إلى 5.8% مقارنة بـ 6.5% في العام السابق. وانفجر سوق الائتمانات في مصر مما أدى إلى أزمة بطالة وإفلاس العديد من الشركات.

وتأثرت جميع القطاعات باستثناء الاتصالات والسياحة والنفط والغاز. حيث سجل الاقتصاد المصري أبطأ معدل نمو سنوي له منذ نحو خمس سنوات في العام المالي 2008.

وتأثرت معظم القطاعات الاقتصادية الرئيسية في مصر بتراجع معدلات النمو، بينما حقق قطاع البترول والغاز والاتصالات نموًا إيجابيًا.

وتمكنت مصر من تخطي الأزمة المالية وحققت تقدمًا في الأداء الاقتصادي، حيث سجلت البورصة المصرية ارتفاعًا وسجل الاقتصاد نموًا بنسبة 7.2% في 2009.

ثقل المديونية: الأزمة الاقتصادية في مصر والسعي إلى الحل

تضاعفت الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال الفترة من 2014 إلى 2024، وتبلغ قيمة الديون المستحقة السداد نحو 29.229 مليار دولار خلال عام 2024.

حيث تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة، منذ عام 2023 تتمثل المشكلة الكبيرة في عجز الميزان التجاري الذي يبلغ متوسطه 38 مليار دولار، بدون احتساب أقساط الديون وفوائدها.

وقد تضخمت الديون الحكومية إلى مستويات قياسية، وتبلغ خدمة الدين حوالي 42.3 مليار دولار خلال العام 2024.

وواجهت مصر أيضًا تحديات في مجال التضخم وتقلص الفائض الأولي في الموازنة.

تخفيض التصنيف الائتماني لمصر وسط التحديات المالية التي تواجهها مصر

وتم خفض تصنيفات الائتمان السيادي لمصر من قبل وكالات التصنيف الائتماني. وقد تفاقمت أزمة توافر الدواء بسبب نقص المواد الخام المستوردة وارتفاع أسعار الدواء.

وتم تطبيق إجراءات من قبل الحكومة لمواجهة هذه التحديات، مثل بيع الأصول العامة وترشيد الإنفاق الحكومي.

وتم تفعيل حزمة حماية اجتماعية تشمل زيادة الحد الأدنى للأجور وزيادة المعاشات وتخفيض الإعفاء الضريبي.

وتم توقيع صفقة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات لتطوير مشروع رأس الحكمة.

أزمة الديون السيادية في مصر: دعوة لاتخاذ تدابير جذرية

حيث تعاني مصر منذ بداية عام 2024 وحتي الآن من أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة للعديد من المشاكل الداخلية والخارجية حيث بلغ معدل التضخم السنوي 35.2٪ وتراجعت قيمة العملة المحلية.

وقد زادت ديون مصر الخارجية بشكل كبير لتصل إلى 164.7 مليار دولار، مما أدى إلى استبعادها من بعض المؤشرات المالية.

وتم تخفيض حدود السحب النقدي للدولار الأمريكي للمصريين المسافرين، وتراجعت تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 30٪.

ويعتقد الخبراء أن تحريك سعر الصرف يمكن أن يكون الحل، ويتوقعون خفض قيمة العملة بنسبة 23٪.

ومن المهم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتوفير تمويل حاسم وتهدئة المستثمرين. وتعتمد مصر منذ فترة طويلة على التمويل من الصندوق وودائع الحلفاء الخليجيين.

تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر في ظل التضخم ونقص الدولار

وقد أظهرت تلك البيانات الواردة في هذا التقرير بأن مصر تواجه تحديات اقتصادية حالية نتيجة للعديد من المشاكل الداخلية والخارجية كبيرة تتطلب إجراءات جذرية لتحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي.

فقد تأثر قطاع السياحة في مصر بشكل كبير بسبب جائحة كوفيد-19 وتوقف تدفق واردات القمح من أوكرانيا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتم تنفيذ مشاريع عملاقة في مصر بتكلفة كبيرة، ولكنها لم تحقق النتائج المرجوة وأدت إلى ضعف القطاع الخاص وتنفير المستثمرين الأجانب.

وكما تعاني مصر من ديون أجنبية كبيرة وتحتاج إلى جهود كبيرة لسدادها. والفقر والفساد هما أبرز المشاكل التي تواجهها مصر،

وعلى الرغم من ذلك، فإن الوضع الاقتصادي في مصر أكثر استقرارًا من لبنان بسبب وجود مصادر إضافية للدخل وحكومة يمكن التفاوض معها.

بالإضافة إلى ذلك، مصر هي دولة كبيرة جدًا وتمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط، مما يجعل من الصعب تحولها إلى دولة فاشلة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى