مقالات ورأى

محمد عماد صابر يكتب: ٣٠ يونيو.. ليست ثورة . بل هي خيانة لإرادة شعب مصر

في ذكرى انقلاب ٣٠ يونيو المشؤوم لا يزال هناك بعض “جنرالات المقاهي” الذي يلقي باللائمة على الإخوان فيما حدث،

بل والأدهي من ذلك أنه يحملهم مسؤولية القضاء على الحياة السياسية في مصر ومسؤولية المجازر المروعة التى قتل فيها الألوف من أبناء مصر وحملات الاعتقال الوحشية والمطاردات والفصل من الوظائف ومصادرة الممتلكات والتى طالت الملايين من أبناء الشعب والتى لا تزال تدور رحاها حتى الآن من خلال النظام العسكري المستبد.

والحقيقة أن هذا الفريق من “جنرالات المقاهي” لا يقرأ الأحداث، وإذا قرأها فلا أظنه يفهمها، وإذا فهمها، فلابد أنه يعاني مرضًا نفسيًا أصبح معروفًا عند الجميع إسمه فوبيا الإخوان المسلمين.

ونحن نقول: إن الإخوان المسلمين جماعة بشرية ولا شك أنها ارتكبت أخطاء في صراع سياسى كان محتدمًا قي تلك الآونة، ولكن الإخوان في كل الحالات استخدموا في هذه المعركة الساخنة آليات الصراع السياسي المحترمة والتى يمارسها العالم المتحضر،

من لجوء للتظاهر وحشد الأنصار والاعتصام وممارسة حقهم في استحقاقات انتخابية وصلوا من خلالها إلي البرلمان والرئاسة عبر صناديق الاقتراع في إنتخابات نزيهة تحدث لأول مرة في تاريخ مصر؛

ولذا فإن كل منصف يعتبر أن أخطاء الإخوان هي أخطاء سياسية ومن يحاسبهم عليها هو الشعب الذى يمكن أن يسحب منهم ثقته ويقرر عدم انتخابهم مثل أى فصيل سياسى في أى بلد ديمقراطي محترم.

أما أصحاب انقلاب ٣٠ يونيو من العسكر وسدنته من القوى السياسية التى تدعي الليبرالية فإنهم لم يرتكبوا أخطاء سياسية،

بل ارتكبوا جريمة الخيانة العظمى لإرادة الشعب المصرى، وسلبوا إرادته وحقه في اختيار حكامه، ولم يكتفوا بذلك بل تحولوا إلي زمرة من القتلة والسفاحين حين أطلقوا رصاصهم على أبناء مصر وأحرقوا جثثهم في رابعة وفي ميادين مصر وشوارعها،

ثم سلطوا كلابهم المسعورة وأجهزتهم الأمنية على المصريين والتى امعنت قتلًا وتعذيبًا وسجنًا ومطاردة لأبناء الشعب حتى باتت مصر عبارة عن سجن كبير، وقد كان كل ذلك يتم وسط حشد إعلامي كان أشبه بسيرك كبير ينشد الأناشيد ويرقص على جثامين المصريين التى تحترق في كل مكان.

لم يكن ٣٠ يونيو انقلابًا عسكريًا فحسب بل كان جريمة كبرى وخيانة عظمى في حق مصر كلها، ولا شك أن سفهاء العسكر والنخب السياسية والفكرية والإعلامية الداعمة لهم سيسجلون باعتبارهم أحط من أنجبت مصر في تاريخها قديمًا وحديثًا.

ولكن الآن دعونا من جنرالات المقاهي ( وكدابين زفة ) النظام العسكري والمحبطين من الفشل الذى وقع لثورة ٢٥ يناير، فهناك ماهو أهم من أصوات هؤلاء، الأهم أن نسأل أنفسنا سؤالًا هل كان انقلاب وكارثة ٣٠ يونيو يمكن تجنبها أم أنه كان لابد من حدوثها ؟؟.

نحن نقول: إن انقلاب ٣٠ يونيو كان لابد أن يحدث لأسباب بدهية لا يمكن أن تخطئها العين.


أولآ: لأن كل تجارب التحول الديمقراطي في عالمنا المعاصر تلقت مثل هذه الثورات المضادة والانقلابات العسكرية،

والعجيب أن الذين يلومون الإخوان هم ذاتهم الذين يثمنون التجربة التركية ويكيلون المديح لأربكان وتلميذه أردوغان، والجميع يعرف أن التجربة الديمقراطية التركية تلقت على مدى أكثر من خمسين عاما خمسة انقلابات عسكرية كلها نجحت ماعدا الانقلاب الأخير في ٢٠١٦ بسبب استقرار الحياة السياسية ونضج الشعب التركي.

ثانيًا: إن النظام العسكرى الذى تم تأسيسه في مصر منذ عام ٥٢ والذى استمر أكثر من سبعين عامًا كان لابد أن يدافع عن نفسه وعن امتيازاته المالية والمعنوية، فلا ينبغي أن ننسى أن أكثر من ٩٠% من المحافظين والوزراء ورؤساء الهيئات والمؤسسات في مصر كانوا من أبناء المؤسسة العسكرية،

ولقد كان تعبير مندوب الجيش واضحًا في برلمان الثورة حين رفض أن يناقش البرلمان المصري المنتخب ميزانية الجيش- كنت شاهدًا- وقال: ( إن ده عرق الجيش لن نعطيه لأحد ).

ثالثًا: إن النظام العسكرى في مصر نشأ حوله طبقة من رجال المال والأعمال والاعلاميين والسياسيين ومدعي الثقافة الذين ارتبطت مصالحهم المالية الفاسدة _ في غالب الأحيان _ بالنظام القائم وقد كان هؤلاء من أهم ممولي الانقلاب والداعمين له عبر إمكاناتهم المالية والإعلامية.

رابعًا: إن النخب السياسية قصيرة النظر والتى امتلأت غيظًا من فشلها سياسيًا أمام أبناء التيار الإسلامي فقررت أن تدعم الدبابة لإزاحة الاسلاميين، ظنا منها أنها ستكون البديل القادم، ولكنها نسيت أن العسكر في عالمنا الثالث ينظرون دائمًا باحتقار إلي رجال الفكر والسياسة، ونسوا الحكمة البسيطة التى تقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

خامسًا: القوى الإقليمية الخليجية والتى هزت ثورات الربيع العربي عروشها وخاصة ثورة ٢٥ يناير المصرية فدعمت ماليًا ومعنويًا وبكل سخاء الانقلابيين بل وحثت العسكر على استخدام أقصى درجات القمع والعنف.

سادسًا: إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والنظام الغربي والذى استشعر الخطر من وجود نظام ديمقراطي حر يتكون في كبرى بلاد العالم العربي وعلى رأسه أكبر حركة إسلامية في العالم الإسلامي وكانت نذر هذا الخطر بادية وواضحة في تعامل د مرسي مع أحداث غزة والثورة السورية،

ولذا فإن ماأكدته الوقائع بعد ذلك أن تلك القوى الدولية لم تكن داعمة للانقلاب فحسب، بل كانت المصدر الأول والمخطط والداعم لأدواته ليس في مصر وحدها، بل في كل ثورات الربيع العربي،

وحتى تونس التى قام فيها راشد الغنوشى بتقديم العديد من التنازلات وحاول المناورة كثيرًا لتجنب الصدام، وبالرغم من كل ذلك تم الإجهاز على الثورة ويقبع الغنوشى الآن سجينًا ومعه ثلة من الأحرار ولا زالت آلة القمع التونسية تعمل عملها.

سابعًا: وأخيرًا إن أهم عوامل نجاح الانقلاب العسكري في ٣٠ يونيو هو عدم نضج المجتمع المصرى ذاته وقبوله لفكرة الانقلاب في بدايتها وعدم استنكارها وعدم التحرك بفاعلية ضد مصادرة حريته،

إن علينا ألا ننسى أبدًا أن اختيار رئيس مصر عبر تاريخها الطويل كان يتم عبر الصراع العسكرى بين النخب العسكرية وأن الشعب لم يكن له دور أبدًا في اختيار حاكمه، وأنه في تاريخ مصر الحديث منذ محمد على كان الشعب يقف دائمًا متفرجًا ينتظر من تختاره المؤسسة العسكرية ليحكم البلاد،

وأن بقاء أى حاكم على عرش مصر كان مرتبطا دائما بقدرته على السيطرة على الجيش وليس بإرادة الشعب ..
والحقيقة أن ثورة ٢٥ يناير كانت السنة الأولى للديمقراطية وأن معظم من قام بتفجير الثورة كانوا من طلبة الجامعات والمثقفين وأبناء الطبقة الوسطى أما أبناء الطبقات الشعبية فلم يشاركوا بشكل فاعل فيها.

و لكن عذرًا هل معنى هذا أننا فقدنا الأمل في الإصلاح وفي إزالة هذا النظام الفاسد المستبد ؟؟؟.

قطعًا لا، فبعد أكثر من عشر سنوات من عودة العسكر إلي واجهة المشهد واغتصاب السيسى للسلطة فإننا نرى البلاد تسير من سىء إلي أسوأ، وقد كفر الشعب تمامًا بالحكم العسكرى وبقدرة المؤسسة العسكرية على إدارة البلاد،

وصارت أناشيد بشرة خير وتسلم الأيادي وهتافات ووعود السيسى بمصر الجديدة وقد الدنيا مثار سخرية المصريين جميعًا، وباختصار لقد باتت جموع الشعب تطمح لإزالة هذا النظام العسكري الفاسد المستبد العفن.

لا شك أن نضج الشعوب من خلال هذه الدورات التاريخية والتدافع يزداد، وأن الشعب المصرى يتعلم الدرس الآن وسوف ينبت من رحمه نخبا سياسية تدرك معنى الحرية،

ومجتمعًا يؤمن بحقه في اختيار من يحكمه وحقه في محاسبته، وحصاد ذلك كله لابد أن يثمر عن حراك فاعل يؤدي لإزاحة هذا النظام العسكري المستبد الفاسد، وإقامة نظام سياسي ديمقراطي حر، هذه هي حكمة التاريخ وسنة الله التى لا تتبدل.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى