مقالات ورأى

عمرو هاشم ربيع يكتب: النكتة والفكاهة الإلكترونية في لحظات الأزمة المصرية

كثيرة هي الكتابات التي سطرها الباحثين والكتاب وقادة الرأي عن النكتة والفكاهة السياسية في لحظات الأزمة المصرية، حتى صار ذلك الأمر أحد خصائص المصريين لدارسي الاجتماع السياسي في العالم العربي بل وبعض بلدان العام بأسره.

ففي لحظات الأزمات يظهر المصريون الإبداعات من النكات وأفعال السخرية بغرض التنفيس عن ذواتهم، وهو ما ظهر جليا عقب هزيمة يونيو(حزيران)عام 1967.

هنا ووسط نظم سياسية متتالية وسمت دوما في أسوء الحالات بالسلطوية أو بالديمقراطية المقيدة في أحسنها، لم تجد السلطة من بد لقيام الناس بالترويح عن أنفسهم وعن نوازعهم في إخراج كل مكبوت وطرد كل حزن سرمدي أو الخلاص من سهد ليالي طويلة من الكأباة والشجن.

هذا الصبر من السلطة لم يكن صبرا رضائيا، بمعنى أنه كان صبر المضطرين، بعد أن حوت السجون بعض الساخرين من البلوجرز ومبدعي النكات والمساخر السياسية، فصار الصمت خيار جيدا لربما توسم عهودهم بالحرية!!!

في وقتنا الحالي، ترك المستهزوون الصحافة وغادر الساخرون الإعلام التقليدي وتوقف المسرح والسينما عن إطلاق النكات ونقد الأوضاع بشكل فكاهي، فتلك الوسائل فوق أنها لم تعد مقرؤة أو مشاهدة، بسبب تدهور حال الصحافة لسوء التوزيع، أو تدني برامج التليفزيون الرسمي للدولة، أو تراجع دور السينما والمسرح، فهي أصبحت مراقبة اليوم، إلى حد أن أصبح عهد مبارك عهد يتندر به الكثيرين.

هكذا حلت وسائل التواصل الاجتماعي محل الصحافة والسينما والمسرح وبرامج التليفزيون الرسمي، فانتشرت التعليقات الإلكترونية الساخرة كالنار في الهشيم، عبر تطبيقات الهواتف النقالة كالواتس أب والفيس بوك وغيرها لتداول كافة أساليب التهكم والسخرية والنكات على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي تعليقات في المجمل لاتعبر عن السعادة أو المرح، لانها تنقد الأوضاع بشكل يحاول الترويح عن النفس.

جدير بالذكر أن تقرير السعادة الدولي، الصادر سنويا على خلفية يوم السعادة الدولي، الذي حددته الأمم المتحدة بيوم20مارس(آزار) من كل عام وضع مصر عام2024 في المرتبة الـ127 عالميًا من بين143 دولة شملها التقرير.

ولعل الغالبية العظمى وربما كل تلك التعليقات أو البوستات توسم بكونها تطال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بمعنى أنها نادرا جدا ما تتطرق للأوضاع السياسية والحريات. هي فقط تتصف بكونها سياسية لأنها تطال أشخاص ورموز في مواقع السلطة.     

واحد من أكثر التعليقات الساخرة على تلك الأوضاع الداخلية في مصر تلك التي يتناقلها الناس عن وعود السلطة بانتهاء أزمات مصر خلال فترة وجيزة تبدأ من ستة أشهر وتنتهي بعامين، ومن ثم على المصريين أن يتحملوا الوضع السلبي الحالي بعض الوقت. هي فترات يعلم القاصي والداني ومطلق الوعود ذاتها، أنها وعود مألها النكوث والنكوص.

هي أيمان وعهود أنتهت إلى الحنث والتراجع.

في الماضي كان صناع القرار يعتمدوا على الذاكرة المنقوصة ونسيان الناس، فيطلقون الوعود وبعد فترة ينسى الناس، اليوم لم يعد الناس كناس الماضي، هم يسجلون ويجترون، ويقوم نفر من الخبثاء منهم -يتهمون عادة بأنهم أنصار الجماعة الإرهابية أو أهل الشر أو الساعين لهدم الدولة- بحفظ الخطب والكلمات المرتجلة عادة، لاسترجاعها في الوقت اللازم، لتذكير الناس دوما بما قيل أنفا.

حزمة كبيرة أخرى من التعليقات تعيدنا للماضي، يظهر فيها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وهو يلوم الناس على ثورتهم عليه، وهم الأن في أمس الحاجة لعوده أيامه.

هذه التعليقات الساخرة معظمها وربما كلها بسبب التضخم وارتفاع الأسعار وعدم كفاية الدخول والرواتب في الوقت الحالي.

غرض تلك التعليقات بالتأكيد التندر والحسرة على الماضي، وعض الأنامل من الغيظ، والندم على ما فات، والشعور بالبطر.

الغريب أن تلك التعليقات التي ترتبط بالدولة العميقة وفلول نظام مبارك وبعض أنصار الإخوان، تلتقي من حيث النتيجة مع موقف صانع القرار نفسه الذي عبر عنه مرارا في إنذار المصريين وتوعدهم إذا ما خرجوا على الحاكم كخروج 25 يناير 2011.

وسط هذان الموقفان السابقان، اللذان حملا مئات البوستات، تأتي تعليقات دأب الناس عليها تعقيبا على الأزمة الاقتصادية، وتداعياتها خاصة ارتفاع نسبة الفقر، وجهود السلطة الساعية إلى رفع كل ذلك عن كاهل الناس، فإذ بسياستها تفضي لعكس النتائج، وعندما تكتشف ذلك تصر على نهجها.

هنا تأتي نكات رفع الدعم عن الخبز وشكل الرغيف، وترك السلطة أرباب الطبقة العليا وتعقبها لأرباب الطبقتين الدنيا والوسطى، حيث يختبئ وربما يتربص صانع القرار خلف الستار لتعقب الطبقتين، فمن يظهر عليه بحبوحة من العيش كأنه يحج لبيت الله مثلا أو يخرج للمصيف أو للمشتى فهو مدرك ومرصود، ما ينذر كل متلقي للبوست كي يستعد لموجة غلاء قادم.

هذا الأمر تكون نتيجته البحث عن رد فعل الناس لفشل السلطة، هنا تأتي نكات الهروب إلى خارج البلاد، حتى لو أدى الأمر للغرق في مياه المتوسط، وذلك كله للفرار من العيش داخل البلاد بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

بالطبع هناك عشرات المواقف اللحظية المثيرة للسخرية عبر بوستات شتي، خذ مثلا أزمة اختفاء السكر نهاية2023 ومطلع2024، وأحداث الفساد المختلفة كطائرة زامبيا وما حملته من سبائك الذهب لضرب كل حديث عن النزاهة ومحاربة الفساد في مقتل.

أما التهكم على المواقف السياسية من بعض مقدمي برامج التوك شو، فهي كثيرة، خاصة مقارنة مواقفهم الحالية بمواقفهم في أوقات وعهود سابقة.

وأخيرا وليس أخرا، هناك الأمر القديم الجديد وهو التهكم والتباكي على أوضاع الجنية أمام الدولار، عقب إجراء أي تعويم للعملة المحلية، وهنا يظهر الجنيه في أسوء حالاته والدولار في قمة جبروته وسطوته، مع التندر برسم صورة حية عن وضع الأخير البأس في مصر منذ عقود!!!       

اليوم هناك تعليقات كثيرة حول أمرين:

الأول: انقطاع الكهرباء لساعات عن المنازل ومؤسسات الأعمال، وما يرتبط بها من تهكم بسبب زيف وعود سابقة حول أهمية الناس والشعب لدى صناع القرار، والوعود البراقة بكفاية الغاز والثروات المكتشفة في باطن الأرض للأجيال القادمة.

لأمر الثاني: التغيير الوزارى بكل شجونه بدء من بقاء رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على رأس الحكومة الجديدة وحتى التأخير في الإعلان عن تشكيل الحكومة.

يبقى السؤال ما هو السبب في إطلاق كل تلك البوستات؟ السخرية من تعدد وتكرار الفشل، وعدم النجاح المتتالي في إصلاح الأوضاع  القائمة، هو أبرز أسباب إطلاق تلك الحملات غير الممنهجة أو المرتبة على الوجه الأعم.

فالنكات هنا لم تعد تعبيرا أو رغبة في الضحك أو إضحاك الآخرين بقدر ما هي أصبحت للتنفيس عبر المشاركة في فعل سياسي بعد أن ماتت السياسة في دولة أختفى فيها نشاط الأحزاب، وأمم فيها الإعلام، واندثرت فيها الرقابة السياسية بانتهاء دور البرلمان كفاعل رقابي ومحاسبي للسلطة بسبب سياسة الخوف من قبل النواب المعين نصفهم تقريبا بنظام القائمة المطلقة الانتخابي، وأصبح كل من يتم توقيفهم بسبب الرأي حتى أنصار التيارات العلمانية يتهمون بالانتماء أو التحالف مع جماعة إرهابية (يقصد بها جماعة الإخوان).

بعبارة أخرى صارت النكات وبوستات السخرية هي لتسجيل المواقف في مجتمع غابت وانسدت فيه سبل ووسائل المشاركة السياسية الطبيعية.

ومما لا شك فيه أنه كلما كانت سياسة السلطة بعيدة عن إيجاد تبريرات مقنعة لكل حدث، كلما زادت النكات والسخرية، وكلما سكتت السلطة عن الرد على الشائعات كلما رأى مطلق بوست السخرية أو النكتة الفرصة لتأكيد صدق كلامه، فأطلق هو وغيره مثلها العشرات.

وبذلك أصبح البوست وسيلة غير تقليدية ووحيده لمطلق البوست ولمن يرسله بعد ذلك للأخرين وتابعيهم، للرد على من ينتقده بالأسلوب الساخر المذكور.

على أنه رغم كل ذلك فمن المهم أن يطلع صناع القرار على تلك البوستات، وهم بالتأكيد يطلعون عليها، بغية الاستفاد منها لمعرفة نبض الشارع، والمدى الذي وصل إليه سخط الناس، ومدى وعيهم بمشكلة ما، ومن ثم العمل على إيجاد حلول قبل تفاقمها.

بعبارة أخرى، فإن تعقب المواقع الإلكترونية ومقالات الرأى الساخرة بالغلق، أو توقيف بعض المعلقين هو أسوء ما يمكن أن يقدم من رد فعل من قبل السلطة، فطالما لم يصل البوست لحد السب الصريح.

فيجب على كل من يوجه له أن يستفيد منه لغرض الإصلاح، وللقائمين به والمتداولين له بغرض الترويح في ظل مناخ ومجال عام لازال في حاجة ماسة لانفتاح.       

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى