المتتبع لأحوال السجون المصرية في عهد السيسي من بعد الانقلاب العسكري حتى اليوم، يجد تكرارا لسياسات القمع من العهد البائد، وقد أضافوا إليها ممارسات الاحتلال التي تركها لهم بعد تطويرها ماديا ونفسيا،
فكل ما استطاعوا الخروج به من درس التاريخ أن تلك هي الطريقة الوحيدة لإدارة هذا الشعب!!.
إن التعذيب والانتهاكات بشكل عام تأتي نِتاج فساد البيئة السياسية والنظام العسكري الديكتاتوري،
وغياب المجتمع المدني، وغياب الإعلام المحايد، والسيطرة من قبل النظام على الجهات والمنظمات الحقوقية، بل السيطرة على كافة مناحي الحياة من خلال عسكرتها!!.
ولذلك فإن ما يحدث داخل سجون مصر يعكس بشكل واضح ما يجري خارجها منذ الانقلاب، حيث العودة إلى “دولة القمع الشامل” و”السياسة القمعية الشاملة”،
والسيطرة على المجتمع بالخوف والذعر والرعب، وذلك لإنهاء أي حالة من حالات الشعور بالكرامة، ولتقزيم المجتمع وإنهاء فاعليته التي وصلت إلى أعلى درجاتها بعد ثورة يناير،
ولتصفية القوى الحيَّة في المجتمع، ولإرغام السجناء السياسيين على الاستسلام، وإرسال رسالة تفيد بأن التغيير مستحيل، وأن أي شخص سيشارك في العمل المعارض للنظام أو يسعى للتغيير أو حتى يعبر عن رأيه بشكل عام، سيتعرض للاعتقال والانتهاكات.
ولكن المحصلة حتى الآن لا توحي بنجاح هذه السياسة القمعية لعدة أسباب منها:
1- التجارب القمعية السابقة التي كانت تمارس داخل المعتقلات لم تحدث بعد حالة ثورية شعر فيها الشعب المصري بطعم الحرية، بل حدثت في ظل استقرار منظومة الحكم وحيازتها للشرعية في حس معظم المواطنين،
مما أدى لشعور المعتقلين باليأس من إمكانية التغيير والرضى بأي مكتسبات ولو تمثلت في مجرد تحجيم الانتهاكات، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام، والخروج من السجون مقابل تغيير الأفكار والتوجهات.
2- وُجدت شخصيات محنكة في العهود السابقة على رأس منظومة الحكم تجيد استخدام سياسة العصا والجزرة، بينما حاليا يقر السيسي نفسه بأنه شخص غير سياسي، وليس لديه سوى القمع وفقط.
3- الانسداد السياسي والفشل الاقتصادي غير المسبوق للنظام العسكري الحاكم، وفقدانه للشرعية في حس قطاعات متزايدة من الشعب، بالتوازي مع وجود حالة من التفكك والتخبط في سياسات النظامين الإقليمي والدولي.. ومن هنا تتأكد ان هذه السياسة القمعية ثبت فشلها وستؤول إلى الزوال.
بوسع أي نظام أن يبطش بالمعارضين، وذلك كي يُركّع المجتمع، لكن ذلك لن يمنحه الأمان، ولن يُسكت الناس على المدى المتوسط والطويل، فإن للشعوب كأسا ما يلبث أن يمتلئ ويفيض.
وهذا الطغيان الجنوني والهيمنة المُفرطة لنظام السيسي المجرم،
لايكفي لمواجهته خطابٌ ناقد معارض، فلن يؤثر فيه كثيرا، لابد من الانتقال إلى مربع آخر أو خطة للتحرك أكثر فعالية تُدِير فيها القوى الحية في مصر معركتَها بطريقة أفضل،
فما يحدث داخل المعتقلات وخارجها يُلقي بالأحمال على عاتق كل حر في هذه البلاد أن ينتفض محاولا إيقاف هذا الجور والظلم مستلهما الصمود من ابتسامات المعتقلين.