فلسطين

احتجاز وترحيل.. معاناة المتضامنين مع فلسطين في الإمارات

في ظل تضامن عالمي واسع مع الشعب الفلسطيني والاستنكار لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، تشهد دولة الإمارات تحولًا ملحوظًا في الموقف، حيث يثير تهديد واستدعاء السلطات الإماراتية للمواطنين والمقيمين خوفًا شديدًا بين المتضامنين مع غزة.

تشهد دولة الإمارات تراجعًا ملحوظًا في أصوات التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضعفًا في إدانة الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة، وفقًا لتأكيدات جهات حقوقية.

يأتي ذلك في ظل تضامن عالمي واسع مع الشعب الفلسطيني، بعد جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر. وتتزايد الاحتجاجات المنددة بالجرائم الإسرائيلية، لتصل إلى قلب الجامعات الأمريكية والأوروبية.

قال مركز مناصرة معتقلي الإمارات إنه من الواضح الآن أن التسامح النسبي الذي أبدته السلطات الإماراتية في البداية تجاه المنشورات المتضامنة مع القضية الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي قد تلاشى تدريجياً ليحل مكانه لغة التهديد والاستدعاء والترحيل.

أثار ذلك، حسبما أفاد المركز الحقوقي، الخوف في نفوس المتضامنين مع القضية الفلسطينية، مما جعلهم يترددون في التعبير عن تعاطفهم أو التنديد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي.

منذ 7 أكتوبر وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، وثق “مركز مناصرة معتقلي الإمارات” اعتقال واستدعاء السلطات الإماراتية لعشرات المواطنين والمقيمين الأجانب على أراضيها، بسبب تعبيرهم عن مواقف رافضة للجرائم الإسرائيلية أو دعمهم للمقاومة الفلسطينية على وسائل التواصل الاجتماعي.

أولى الحالات التي وثقها المركز كانت في نوفمبر الماضي، عندما اتصل جهاز أمن الدولة بمواطن أردني من أصل فلسطيني يعمل في الإمارات، وطلب منه مراجعة المركز الأمني، بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يشيد بالمقاومة الفلسطينية.

قال شاب أردني للمركز إن ضابطا من أمن الدولة حققه معه لساعات، وسأله عن رأيه بأبي عبيدة، ناطق كتائب القسام، وعن توجهاته السياسية، ثم أطلق سراحه، بعدما أخبره أن السلطات الإماراتية تتفهم تعاطفه مع القضية الفلسطينية، لكن الإشادة بالمقاومة الفلسطينية ممنوعة.

أما الحالة الثانية، فتخصّ مقيمة فلسطينية في الإمارات تُدير مجموعة على تطبيق “واتساب”، حيث تفاجأت باتصال ضابط من جهاز أمن الدولة الإماراتي يطلب منها منع نشر أيّ محتوى متعلّق بالقضية الفلسطينية.

عندما أخبرته أن ما ينشره الآخرون على المجموعة لا يبرر ردة فعلها، طرح خيارين: إما حذف المجموعة نهائيًا أو إيقاف جميع التعليقات. وقد اختارت حصر النشر بإدارة المجموعة.

في ديسمبر، وثّق المركز حالة ثالثة لمواطن أردنيّ يعمل بالإمارات، اعتقلته السلطات الإماراتية لسبعة أيام، وحققت معه بسبب تغريدة عن فلسطين، قبل ترحيله للأردن.

وفي سياق متصل، أجرى المركز مقابلات مع عدد من العاملين العرب في الإمارات. عبّر العديد منهم عن خشيتهم من التحدث للمركز، في حين أفاد أحدهم بأن التضامن مع القضية الفلسطينية ليس محظوراً تماماً، لكن تبقى المشكلة غياب خطوط حمراء واضحة في هذا الشأن.

وفقًا لذلك، بثّت حالات الاستدعاء والاعتقال الخوف بين سكان الإمارات، إذ تسري شائعات مستمرة عن استدعاء أشخاص أو ترحيلهم.

وأشار إلى أنه من خلال الحالات التي يعرفها، فإن التضامن مع فلسطين مسموح به إذا كان عامًا ولا يتضمن أي إشارات سياسية أو انتقادات للاحتلال الإسرائيلي، فلا يُسمح بالمطالبة بالمقاومة الفلسطينية أو وضع صور تُشير إليها مثل المثلثات أو انتقاد الاحتلال بشكل واضح.

ووفقًا له، فإن التضامن إذا كان يحتوي على رسائل تعاطف عامة أو أدعية دينية فإنه لا مشكلة فيه، لكن أي تعاطف يتجاوز ذلك، مثل الدعوة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية أو الأمريكية، فقد يُعرّض صاحبه لخطر الاعتقال أو الاستدعاء.

وأخبر المركز أنه يعرف أشخاصًا تم تحذيرهم وتهديدهم من قبل أمن الدولة بسبب دعوتهم لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية علنًا.

ورغم أن أغلب الحالات التي وثّقها المركز كانت بين نوفمبر وديسمبر من العام الماضي، إلا أن هناك حالات أخرى وثّقها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جرت خلال مارس وأبريل، حيث كشف المركز في تقرير نُشر مطلع الشهر الماضي عن حالتَي ترحيل بسبب منشورات متعلقة بالقضية الفلسطينية.

وبحسب المرصد، فإن الحالة الأولى كانت لمواطن أردني من أصل فلسطيني يعمل في شركة مقاولات في دبي منذ خمسة أعوام، استدعته السلطات الإماراتية للاستجواب في العاشر من أبريل في أحد مراكز أمن الدولة على خلفية منشورات على “فيسبوك” يندد فيها بالهجوم العسكري الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية في غزة.

وأضاف المرصد أنه صدر قرارٌ باحتجازه عقب استجوابه الذي تمحور حول التعبير عن آرائه، ثُم أُفرج عنه بعد ثلاثة أيام على إثر تسليمه قرارًا بترحيله وإجباره على مغادرة الإمارات فورًا، دون أن يتمكن من توكيل محام أو تقديم أي اعتراض.

أما الحالة الثانية فكانت لمواطن مصري تم استجوابه في 25 مارس بسبب منشورات له تندد بالمواقف العربية والإسلامية من المجاعة في غزة، وتدعو لإنهاء التطبيع مع إسرائيل.

وأوضح المرصد أن استجوابه انتهى بعد ساعات من التحقيق داخل مركز أمني بإبلاغه بفصله من عمله في شركة محلية، وصدور قرار بترحيله مع منحه 48 ساعة لمغادرة الدولة، دون تمكينه من الطعن في القرار أو اتخاذ أي إجراء قانوني.

وكشف التقرير أن المرصد تلقى إفادات بشن الأجهزة الأمنية حملة ترهيب في الجامعات الإماراتية تضمنت إصدار تعليمات بمنع أي احتجاج ضد إسرائيل وتهديد بالفصل لأكاديميين ونشطاء من الطلبة حال مخالفتهم ذلك.

وبحسب التقرير، فإن السلطات الإماراتية استدعت عددًا من الأكاديميين وممثلي جاليات عربية وإسلامية ونشطاء رأي على مواقع التواصل إلى مقارّ أمن الدولة لتحذيرهم من تنظيم أي فعاليات للتضامن مع غزة أو التعبير عن آرائهم ضد إسرائيل.

وختم مركز مناصرة معتقلي الإمارات بأنه بينما يشهد العالم تضامنًا واسعًا مع الشعب الفلسطيني، فإن الوضع في الإمارات يأخذ منحى مختلفًا تمامًا.

فبعد بداية متسامحة نسبيًا إزاء المنشورات المتضامنة مع القضية الفلسطينية، بدأت السلطات الإماراتية تتخذ إجراءات صارمة، من تهديد واستدعاء وترحيل، تجاه كل من يُعبر عن دعمه للفلسطينيين أو ينتقد الاحتلال الإسرائيلي.

هذه الإجراءات نشرت الخوف بين المقيمين والمواطنين، مما جعلهم يترددون في التعبير عن تعاطفهم مع القضية. وكما يظهر من الحالات الموثّقة، فإن هناك تزايدًا ملحوظًا في حالات الاستدعاء والاعتقال.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى