كان جهاز الأمن السياسي في عهد الخليفة هارون الرشيد اسمه “البريد” نسبة إلى الوسيلة التي تسافر بها التقارير الأمنية من مختلف أنحاء الإمبراطورية إلى حيث يكون الخليفة في قصور بغداد أو أي مكان.
كانت عناصر الأمن السياسي تكتب التقارير عن الأسواق والخصوم السياسيين وكافة الأحوال مرتين في اليوم والليلة.
مرة قبل شروق الشمس تسجل ما حدث طوال الليل، ومرة عند غروب الشمس تسجل ما حدث بالنهار.
وذات مرة في 184 هجرية جاءه تقرير أمني عن عشرة رجال يرون أن الخليفة لا يصلح أن يكون أميرا للمؤمنين.
وكانت هذه تهمة عظمى، وكانت عقوبتها ضرب العنق.
وكان عاشر المتهمين العشرة هو الإمام الشافعي، وكان الرشيد هو الخصم والحكم.
جرت محاكمة العشرة في جلسة واحدة، وحضرها قاضي القضاة محمد بن الحسن الشيباني، وكانت وظيفته يسجل الأحكام فقط، بينما كان السياف يسمع الحكم من الخليفة فيهوي بالسيف على رقبة المتهم المدان.
وكان الخليفة حاكما وقاضيا دون فصل بين الوظيفتين، فهو كان قائد الدولة وكان في الوقت ذاته من أكابر الفقهاء المعدودين.
وقد رأى الشافعي الأعناق تضرب عنقا وراء عنق والرؤوس تتطاير رأسا وراء رأس، طارت رؤوس التسعة الذين سبقوه.
أما هو فقد كتب الله له النجاة بعد أن ترافع عن نفسه كما يليق بواحد من عظماء المشرعين وبناة القانون في التاريخ.
(السلطة في الحضارة الإسلامية مثلها مثل كل سلطة في كل حضارة أخرى، إذ يعنيها- بالدرجة الأولى- أن تحمي بقاءها بكل ثمن ولو كان أعناق البشر).