ميدل إيست آي: تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم هو الخطوة الأولى نحو إبادتهم… مجزرة النصيرات مثالاً
كان صباح يوم السبت 8 يونيو حين نفذ جيش الاحتلال الصهيوني مجزرة مروعة في محافظة الوسطى في قطاع غزة، راح ضحيتها ما لا يقل عن 274 مدنياً فلسطينياً، بينهم نساء وأطفال، وبعد ساعات أعلنوا أن هذه المجازر كانت غطاء لتحرير 4 أسرى إسرائيليين كانوا في مخيم النصيرات.
في وقت وقوع المجزرة، كنت في زيارة للمحافظة الوسطى وسمعت القصف الإسرائيلي في كل مكان، فقد شاركت طائرات مقاتلة من طراز إف 16 ومروحيات أباتشي ومدفعية وسفن حربية في القصف العشوائي على تجمعات المدنيين، جعلت الناس يفرون في كل الاتجاهات، ولا يعرفون إلى أين يتجهون، إذ لا يوجد مكان آمن في غزة.
الحقيقة أن أنصار المشروع الاستعماري العنصري يؤمنون بتسلسل المراتب في القيمة الإنسانية، حيث يعتبرون مواطنو الدولة الاستعمارية أكثر قيمة واستحقاقاً للحياة من الفلسطينيين!
في تلك اللحظة، كان العديد من سكان المحافظة الوسطى قد فروا بالأصل مؤخراً من رفح، وذلك بعد أن ألقى جيش الاحتلال منشورات لإجبار السكان على الإخلاء.
أما في شمال غزة، فلم يُسمح لأي من النازحين بالعودة، ومنذ بداية الحرب، قام جيش الاحتلال بفصلها عن المنطقة الوسطى، واضعاً دباباته على طول ممر نتساريم الذي يمر عبر قطاع غزة لتكون جاهزة لقتل كل من يحاول العودة!
أعتقد أن الملاحظة الأبرز حول مجزرة النصيرات هي أنه لم تكن هناك ضرورة عملية لها، فقد كان بإمكان جيش الاحتلال استعادة الرهائن بأقل عدد من الضحايا الفلسطينيين، مع مراعاة المبدأ الأساسي المتمثل في أن قتل مدني واحد هو جريمة تستحق المساءلة.
خسائر بشرية فادحة
لقد تسبب الجيش الإسرائيلي عمداً في وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين، وما يعزز ذلك هو أن القصف الإسرائيلي المتواصل قد استهدف منطقة واسعة ومواقع بعيدة عن موقع العملية.
على سبيل المثال، تم ارتكاب مجزرة في دير البلح على بعد حوالي 5 كيلومترات من مخيم النصيرات مكان العملية الأصلي، وعليه فإن هذا القتل المفرط للمدنيين دون أي “حاجة” له تفسير واحد فقط، وهو اغتنام الدولة الصهيونية الاستعمارية أي فرصة أمامها لسفك دماء أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين!
ولم يعد يخفى على أحد أن دولة الاحتلال الصهيوني تعتبر قتل أي فلسطيني إضافي مكسباً لها، لأن مشروعها يقوم بشكل أساسي على فكرة التطهير العرقي، فهي تريد أن تغرس في الوعي الفلسطيني أن أي محاولة للتمرد على المشروع الاستعماري ستكون تكلفتها باهظة.
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل ليست الوحيدة المتورطة في التقليل من قيمة حياة الفلسطينيين، بل إن الحكومات الصديقة لهذه الدولة الاستعمارية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، تتبنى ذلك بوضوح من خلال خطابات تحاول إضفاء الشرعية على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها هذه الدولة الاستعمارية، فمنذ بداية حرب الإبادة الجماعية هذه، ركز المسؤولون الغربيون على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، معتبرين ذلك المشكلة الوحيدة في غزة.
نحن نعلم أيضاً كيف أبادت القوى الاستعمارية عشرات الملايين في أفريقيا وآسيا ونهبت ثرواتهم خلال الحقبة الاستعمارية، وفي هذا السياق، فإسرائيل ليست إلا صورة تذكرنا بهذا الموروث القبيح للمشروع الاستعماري الغربي
في الوقت نفسه، قتلت إسرائيل ما يقرب من 40 ألف فلسطيني خلال 8 أشهر، غالبيتهم العظمى من المدنيين، بما في ذلك حوالي 15 ألف طفل فلسطيني، فما موقف الغرب الذي يدعم النظام الاستعماري الصهيوني؟ وأين هو من قيمة المساواة الإنسانية؟ هل يعتقدون حقاً أن حياة 120 رهينة إسرائيلية تستحق إهدار حياة أكثر من 40 ألف فلسطيني تساوي؟!
الحقيقة أن أنصار المشروع الاستعماري العنصري يؤمنون بتسلسل المراتب في القيمة الإنسانية، حيث يعتبرون مواطنو الدولة الاستعمارية أكثر قيمة واستحقاقاً للحياة من الفلسطينيين!
تراث قبيح
في بداية هذه الحرب، وصف وزير دفاع الدولة الاستعمارية العنصرية، يوآف غالانت، الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”، ولم يكن هذا الوصف فقداناً للأعصاب في لحظة غضب، بل كان التعبير الأكثر صدقاً عن النظرة الصهيونية للشعب الفلسطيني.
إن جميع سياسات الإبادة الجماعية التي اتبعتها إسرائيل قبل 7 أكتوبر وبعده تؤكد أنها لا تنظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم بشراً يستحقون الحياة، بل باعتبارهم تهديداً يجب القضاء عليه.
وبطبيعة الحال، فدائماً ما يساعدنا التاريخ في فهم الحاضر، حيث أن هذه النظرة الصهيونية التي تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم كمقدمة لإبادتهم جسدياً هي استمرار للنظرة الاستعمارية للشعوب المقهورة، فتاريخ الاستعمار الغربي شاهد على إبادة الغزاة الأوروبيين لعشرات الملايين من الأمريكيين الأصليين وقتل عشرات الملايين من الأفارقة عندما جلبوهم عبر رحلات طويلة من التعذيب والإذلال عبر المحيط.
نحن نعلم أيضاً كيف أبادت القوى الاستعمارية عشرات الملايين في أفريقيا وآسيا ونهبت ثرواتهم خلال الحقبة الاستعمارية، وفي هذا السياق، فإسرائيل ليست إلا صورة تذكرنا بهذا الموروث القبيح للمشروع الاستعماري الغربي.
لا يمكن لأي دولة أو سياسي أن يدعي الإيمان بالقيم الإنسانية بينما يدعم هذه الدولة الاستعمارية التي تمارس الإبادة الجماعية، فالإيمان بمبادئ المساواة والعدالة والكرامة لجميع البشر يتطلب بالضرورة معارضة هذا النظام الاستعماري القبيح والنضال من أجل عالم يؤمن بحق كل إنسان في الحياة والكرامة، بغض النظر عن عرقه أو دينه أو لونه.