لا شك أن مشاهد الهيبة والإجلال التي يلقيهما رب العالمين في قلوب الواقفين على جبل عرفة في يوم التاسع من ذي الحجة بل ويلقيها جل جلاله في قلوب أكثر من مليار ونصف مسلم من المتابعين للحجيج عبر الأقمار الصناعية ومن خلال شاشات التلفاز في شتى أرجاء المعمورة،
يشاركونهم الدموع وتخفق قلوبهم للتكبير والتهليل رافعين أكفّ الضراعة إلى ربهم طلباً لجنته وسعيا لمغفرته..
يرددون مع الحجيج ممن ترتفع حناجرهم بالتكبيرات عاليةً مدّوية مزلّزلةً مجلّجلة جبل عرفة الذي يزدان بحُلته الجميلة وقد شاع نوراً وبهاءاً فوق بهائه في يوم اجتماع ذلك الجمع المهيب للمُختارين من قبل الله عزوجل دون غيرهم من المسلمين!
ليباهي بهم ملائكته قائلا: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شُعثاً غُبراً ضاجِّين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي !
اجتمعت القلوب بعد فرقتها وتعانقت الأرواح فأصبحت جنودٌ مجندة وقد ائتلفت بعدما تعارفت مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، وصَفتْ النفوس من كَدَر الدنيا، واستنارت الوجوه بعد ظلمتها بسبب الشهوات والملذات التي هبطت بأرواحهم إلى الدونية التي تجعلهم أقل من ذوات الأربع! وشعر الحجيج بخفةٍ في أرواحهم -بعد ثقلها زمنا طويلا!-وقوةٍ في أبدانهم بعدما ضعفت وهزلت من العلل!،
وأصبحوا وكأن الله عزوجل قد ابتعثهم من جديد ونفخ فيهم من روحه الكريمة! وأرخى عليهم يوم عرفة سدوله فأرسل أستار روحانياته ليحول دون الشوارد التي تتخطفهم ذات اليمين وذات الشمال!
ها قد اجتمعت القلوب بعد فرقتها، وذابت الفوارق بعد اتساعها، وكانت الفُرقة لأسباب شتى أهمها: ما خطه الشيطان بيساره وكلتا يديه يسار! ما بين اللون والجنس واللسان من لغات ولهجات مختلفة كانت سبباً في التباعد بين قلوب المسلمين ونظّر لتلك الفرقة شعراء فساق سطروا كلماتهم وكؤوس الخمر تلعب برؤوسهم لعب الصبيان بالكرة! وشجّع عليها وأقام الحوافز لجعلها واقعاً حكام لئام تربوا على تأصيل الشعور بالإنفصال عن جسد الأمة وفرضوا على شعوبهم عصبيات جاهلية لأجناسهم وقومياتهم..
ها قد توارى أمام حجيج الله كل ما عَلَق بأذهانهم من شحن السحرة في اعلام دولهم من برامج ومسلسلات، وانكشفت الحجب عن حبٍ دفين لبعضهم البعض من افريقيا السمراء والصين من بني الأصفر وأوروبا من أصحاب الحمرة والزرقة،
وقد تراصوا معا كتفاً بكتف وقدماً بقدم، وشوهد الشيطان وهو يهيل التراب على رأسه بعدما طاش جهده وانقلب السحر على الساحر، وباتت الوفود أكثر تعلقاً ببعضهم البعض من غير سابق ترتيب!..
وتشعر أن الأمر مختلفٌ في هذا العام دون سابقيه، فالأمر لا يتعلق بما حدث للمسلمين من كوارث طبيعية كالزلازل والأعاصير، ولا يتعلق ببعض التغيرات الإجتماعية ما بين موجات فقر وغنى قد تطال تلك الدولة دون غيرها، لكنه مرتبط بشكل وثيق بقِبلة المسلمين -كل المسلمين- وملتقى مسرى نبيهم صلى الله عليه وسلم ومعراجه،
متعلق كذلك بانفراط عقد بعض الفتن والملاحم وتداعي كل القوى الصليبية بل والوثنية في مواجهة المسلمين، ويكيفك أن تتابع مقدار التقارب والحميمية بين عباد البقر الهنود وبين اسرائيل وخلفها أمريكا الصليبية في مواجهة المجاهدين من أبطال المقاومة الفلسطينية! ولعلك تابعت أخبار مباركة زعماء الحزب الهندوسي الحاكم بالهند “بهاتريا جاناتا” للإبادة التي تقوم بها اسرائيل في حق اخواننا الفلسطينيين بل ومسارعة البعض من هؤلاء الهندوس بالتطوع في جيش الإحتلال للمساهمة في الإستمتاع بقتل عدوهم المشترك -المسلمين-!
هل آن الآوان أن تجتمع كلمة المسلمين بعدما اجتمعت قلوبهم في المشاعر رغم ارتفاع الأسوار الحاجبة لتقاربهم ورغم قسوة الإجراءات الإحترازية ضد أي محاولات الوحدة الشعورية بينهم، ورغم أعين الرقيب الحاقدة التي تأتمر بأمر بني صهيون؟! والتي تستحق فقعها وجوباً!
هل آن الآوان وفي ظل تلك الثورة المعلوماتية والشبكة العنكبوتية أن يتقارب أبناء الأمة المحمدية مستغلين أدوات التواصل الحديثة ليعززوا الحب والإخّوة في الدين من خلال العلاقات والمصاهرات البينية التي تنسف كل ما بذلته القوى الكارهة لأمتنا؟!
هل آن الآوان حقا رغم أنف حكام المسلمين وأسيادهم من خلفهم!؟!
هل آن الآوان وفي يوم الحجّ الأكبر أن تجتمع كلمة المسلمين بعدما بذلت الجهود الجبارة من أجل تباعدهم وبث الكراهية بينهم بحسب الجنس أو اللون أو العرق ليظلوا في تشتتهم وتمزقهم بل وفي ظل ما تبذله الحكومات المنسلخة عن دينها وعروبتها من تقارب مع الصهاينة فيما عرف اصطلاحا بالتطبيع؟!