مصر

نحو الحرية: قصة نيلسون مانديلا من معركة ضد التمييز العنصري إلى قيادة جنوب أفريقيا

الفصل الأول: الطفولة والتكوين

في يوم 18 يوليو 1918، ولد نيلسون مانديلا في مقاطعة ترانسكاي بجنوب إفريقيا. وشهدت حياته مرحلة مهمة في تاريخ البلاد، إذ كان قائدًا رئيسيًا في النضال ضد نظام الفصل العنصري. بعد دراسته للقانون في جامعة ويتوارساند، انخرط مانديلا في الحركة الوطنية الإفريقية وأصبح نائبًا لرئيس مؤتمر الأفارقة الوطني. وفي نفس العام، اعتقل واتهم بالتحريض على إضرابات العمال والمشاركة في مظاهرات غير قانونية.

وقال القيادي البارز في مؤتمر الأفارقة الوطني، السيد جوزيف نيكوديموس: “لقد كان نيلسون مانديلا رمزًا للنضال من أجل العدالة والحرية في جنوب إفريقيا. لقد كرس حياته لخدمة شعبه وللقضاء على آفة التمييز العنصري”.

وتأثر مانديلا بشكل كبير بالفكر الوطني الإفريقي، وتبنى فلسفة عدم العنف في أوائل الأربعينيات. وفي عام 1944، انضم إلى الحزب الشيوعي الجنوب إفريقي، كما أصبح نائبًا لرئيس مؤتمر الأفارقة الوطني في نفس العام. وعلى مدى العقود التالية، لعب دورًا رئيسيًا في الحركة المناهضة للفصل العنصري.

وختم السيد جوزيف نيكوديموس تصريحه قائلاً: “إن رحيل نيلسون مانديلا يُعد خسارة كبيرة لشعب جنوب إفريقيا والعالم أجمع. فهو أسطورة حقيقية، وسيظل إرثه وتضحياته محل تقدير وإعجاب الأجيال القادمة”.

التعليم والصعود

نيلسون مانديلا: نضال العمر من أجل العدالة والمساواة في جنوب أفريقيا

نيلسون مانديلا، أيقونة النضال ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، كان له مسار حياة متميز وملهم. بدأ رحلته التعليمية في مدرسة داخلية عام 1930، ثم انخرط في الحركة السياسية المناهضة للفصل العنصري. واجه محنة السجن لمدة 27 عامًا بسبب نضاله، ولكن لم يثني ذلك عزيمته عن تحقيق الحرية والمساواة في بلاده.

على الرغم من بداياته المتواضعة، كان مسار حياة مانديلا امتدادًا لنضال طويل وشاق ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. بعد تعليمه الابتدائي، التحق بدراسة الحقوق في العديد من الجامعات، وكان نشطًا في المقاومة السياسية ضد الحكومة البيضاء المتطرفة.

كما قال مانديلا: “لا أحب العنف ولكن إذا نفد السبيل السلمي فلا خيار آخر”. واستجابة لقمع النظام، قرر الانضمام إلى الحركة المسلحة المناهضة للفصل العنصري. وكانت هذه الخطوة السبب وراء اعتقاله وإدانته بالسجن مدى الحياة في عام 1964.

على الرغم من معاناته وآلامه في السجن لعقود طويلة، إلا أن مانديلا لم يفقد الأمل في تحقيق التغيير. وبحسب قوله: “أنا لست بطلاً، أنا مجرد رجل قرر أن يضع حياته في خدمة شعبه.” وفي النهاية، نجح في إطلاق سراحه في عام 1990 بفضل الضغوط الدولية والجهود الدؤوبة للمجلس الأفريقي القومي.

بعد إطلاق سراحه، واصل مانديلا نضاله السياسي حتى تم انتخابه رئيسًا لجنوب أفريقيا في عام 1994، ليصبح أول رئيس أسود في تاريخ البلاد. وخلال فترة رئاسته، عمل على تحقيق المصالحة الوطنية وإزالة آثار الفصل العنصري.

الفصل الثاني: النضال والمعارضة

بدايات المعارضة

في 6 نيسان/أبريل 1952، أعقب نظام التفرقة العنصرية اعتقال 8500 مناضل من “المؤتمر الوطني الأفريقي” على مظاهرة كبيرة في شوارع جوهانسبرغ. وأُصدر حكم بالسجن 9 أشهر مع وقف التنفيذ بحق نيلسون مانديلا. ولم تكن هذه هي المشاكل الأولى التي واجهها الزعيم الأفريقي مع القضاء. ففي 5 كانون الأول/ديسمبر 1956، اعتقلت سلطات نظام التفرقة العنصرية 156 مناضلاً من “المؤتمر الوطني الأفريقي” بينهم مانديلا، وتم الإفراج عنهم جميعاً بعد محاكمة استمرت أربع سنوات.

مجزرة شاربفيل المؤسفة والمؤلمة

في 21 آذار/مارس 1960، أطلقت الشرطة النار على مظاهرة شارك فيها 5000 من السكان السود في حي شاربفيل الفقير، ما أسفر عن وقوع 69 قتيلا. وشكلت هذه الحادثة الدامية منعرجًا هامًا في مسار نيلسون مانديلا السياسي وفي كفاحه ضد التمييز العنصري، إذ دفعته إلى التخلي عن نهج نبذ العنف واعتماد الكفاح المسلح من خلال إنشاء الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الإفريقي.

هذه الجريمة الوحشية أحدثت صدمة ورعبًا في جميع أنحاء البلاد. إن قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال بشكل متعمد وقاس أمر مروع وبالغ القسوة. هذا الحادث المأساوي يستحق الحزن والإدانة، ويجب محاسبة مرتكبيه على هذه الجريمة البشعة. لا يمكن السكوت عن هذه الكارثة الفظيعة، والبد من بذل قصارى الجهود لتحقيق العدالة وضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال الإجرامية.

هذه المرحلة من الحياة كانت سرية وصعبة، أمضى سنوات مديدة في السجن، لكنها شكلت جزءًا مهمًا من مساره الشخصي والمهني.

في 5 آب/أغسطس 1962، وبعد 17 شهرًا من العمل السري، اعتقلت السلطات نيلسون مانديلا واسكنته السجن. خلال عام 1963، حوكم معظم قادة “المؤتمر الوطني” المعتقلين بتهم الخيانة والتخريب والتآمر ضد استقلال البلاد، وحكم على مانديلا بالسجن مدى الحياة.

السجين رقم 466/64

بدأ نيلسون مانديلا قضاء حكم السجن المؤبد عام 1964 في زنزانة جزيرة روبن آيلاند، حيث قضى 18 من أصل 27 سنة. ثم نُقل في عام 1982 إلى سجن بولسمور ذي الحراسة المشددة. وعلى مدار سنوات السجن، أصبح الزعيم الجنوب الإفريقي تدريجيًا الرمز المثالي للنضال ضد التمييز العنصري في أنظار الرأي العام الدولي.

وفي ظل الضغط الدولي المتزايد، اضطرت سلطات نظام التفرقة العنصرية في ديسمبر 1988 إلى الإفراج عن مانديلا من السجن ووضعه قيد الإقامة الجبرية.


“نيلسون مانديلا: رمز النضال من أجل الحرية والمساواة”


في ذكرى تاريخية، استرجع نيلسون مانديلا حريته المطلقة في 11 شباط/فبراير 1990 بعد أن قضى ثلاثة عقود كاملة في سجون نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. هذا الإفراج عنه جاء في أعقاب قرار رفع الحظر على نشاطات “المؤتمر الوطني الإفريقي” من قبل رئيس جنوب إفريقيا فريدريك دي كليرك في تموز/يوليو 1989.


مانديلا، الذي أصبح فيما بعد رئيس جنوب إفريقيا الأول بعد سقوط نظام الفصل العنصري، كان قد أعلن وقتها أن الأسباب التي بررت قرار تبني الكفاح المسلح لا زالت قائمة. ومع ذلك، في السادس من آب/أغسطس، أعلن “المؤتمر الوطني” تخليه عن الكفاح المسلح بناء على اتفاق مع “الحزب الوطني” الحاكم.


“لقد أمضيت 27 عامًا في السجن، وخلال هذه السنوات لم أفقد الأمل. تحرير نفسي لم يكن مجرد هدف شخصي، بل كان جزءًا من تحرير شعبنا وبناء مجتمع جديد خال من التمييز العنصري والعبودية والقمع” – نيلسون مانديلا


“تكريم رائدي المصالحة والتسامح في جنوب أفريقيا: مانديلا ودي كليرك يشاركان جائزة نوبل للسلام 1993”


في إنجاز تاريخي لجهود المصالحة والإصلاح في جنوب أفريقيا، قررت لجنة جائزة نوبل للسلام تكريم كل من نيلسون مانديلا والرئيس فريدريك دي كليرك بمنحهما جائزة نوبل للسلام عام 1993. هذا القرار التاريخي يأتي اعترافًا بالدور الحيوي الذي لعبه هذان القائدان في إحداث التغيير السياسي والاجتماعي والقضاء على نظام الفصل العنصري المشؤوم في بلادهما.

“إن منح جائزة نوبل للسلام لمانديلا ودي كليرك معًا هو إشادة بالشجاعة والرؤية التي أبداها هذان الزعيمان في تحقيق المصالحة الوطنية والمساواة في جنوب أفريقيا” قال عضو اللجنة المانيكا سيبوكوسي. “لقد قادا بلادهما بحكمة وإلهام عبر محنة التحول التاريخي من نظام التمييز إلى ديمقراطية شاملة”.

في تشرين الأول/أكتوبر 1993، قررت لجنة جائزة نوبل للسلام تكريم مانديلا ودي كليرك في آن واحد عرفانًا بدورهما في المسار الذي شقته البلاد على طريق المصالحة وطي حقبة التمييز العنصري المظلمة. هذا القرار جاء بعد قيام دي كليرك بإسقاط ما تبقى من قوانين التمييز العنصري في حزيران/يونيو 1991، مما مهد الطريق أمام الانتخابات الديمقراطية الأولى في تاريخ جنوب أفريقيا عام 1994.

نيلسون مانديلا: رمز المصالحة والتسامح في جنوب أفريقيا مرحلة تولي منصب الرئاسة

في أعقاب انتخاب نيلسون مانديلا كأول رئيس في تاريخ جنوب إفريقيا بعد سنوات طويلة من التمييز العنصري والفصل العنصري، بادر الزعيم الجنوب الإفريقي إلى إنشاء لجنة “الحقيقة والمصالحة”، وهي هيئة هدفها الرئيسي تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء المجتمع الجنوب إفريقي على أسس العدالة والمساواة.

خلال فترة رئاسته، نجحت لجنة الحقيقة والمصالحة في دفع عملية التغيير في البلاد، إذ سعت إلى الكشف عن الحقيقة واستعادة الكرامة والاعتراف بالجرائم السابقة، كما عملت على إنشاء آليات للمساءلة والعدالة وتعويض الضحايا. وكما قال نيلسون مانديلا: “لا يمكننا البناء على المستقبل دون مواجهة الماضي بشجاعة”.

بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها مانديلا وفريقه، نجحت جنوب إفريقيا في إحداث نقلة نوعية في مسيرة المصالحة الوطنية وتحسين صورتها على الساحة الدولية، حيث باتت تُنظر إليها كنموذج يُحتذى به في تحقيق المصالحة بعد الصراعات والنزاعات.

بعد انتهاء ولايته الرئاسية في عام 1999، واصل مانديلا دوره كرمز للكفاح من أجل العدالة والمساواة في جميع أنحاء العالم حتى وفاته في عام 2013. ويُعتبر مانديلا إلى اليوم أحد أبرز الشخصيات التاريخية والقيادات الملهمة في القرن العشرين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى