كتب الكاتب الأردني والسياسي عوني المشني على موقع “ميدل إيست آي” بشأن سبب صمت السلطة الفلسطينية حول الحرب في غزة. وغياب التعليق من السلطة الفلسطينية عن الأحداث في غزة خلال الأشهر الأخيرة. السلطة لم تشارك في الهجوم الذي قادته حماس في ٧ أكتوبر،
لا يخفى على أحد غياب السلطة الفلسطينية بشكل ملحوظ عن التعليق على الحرب على غزة طوال الشهور الماضية.
لم تكن السلطة الفلسطينية بالتأكيد جزءاً من الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر، وهذا أمر مفهوم فهي ليست قوة مقاومة مسلحة، حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية، التي من المفترض أن تشكل إطاراً وطنياً شاملاً وقيادة للمقاومة، قد تم تقليصها في عهد الرئيس محمود عباس إلى ما هو أقل حتى من مجرد منظمة تابعة للسلطة الفلسطينية!
في غضون أيام من هجوم 7 أكتوبر، أدان عباس حماس واتهمها بإعطاء إسرائيل ذريعة لمهاجمة غزة، أما السلطة فلم تفعل شيئاً في نهاية المطاف سوى ترك آلة الحرب الإسرائيلية تفعل ما لم تكن تستطع أن تفعله السلطة بنفسها في غزة!
لا يمكن تبرير ذلك، فبدلاً من الوقوف بسلبية كما فعلت السلطة الفلسطينية، كان هناك نطاق واسع من الإجراءات التي كان بإمكانها اتخاذها.
بالنظر إلى حجم المفاجأة التي أحدثتها أحداث 7 أكتوبر، وما تلاها من رد فعل إسرائيلي غير مسبوق في العدوان على غزة، والذي من المرجح أن السلطة الفلسطينية افترضت من خلاله احتمالية القضاء على حماس كقوة عسكرية أو قوة حاكمة في غزة، إلا أنها انحازت إلى هذا الفهم من خلال اتخاذ موقف الحياد السلبي، في انتظار تلك النتيجة حتى تتمكن من السيطرة على غزة عن طريق المساعدات المالية لإعادة الإعمار.
كان ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تسعى إلى تحقيق شكل ما من أشكال الوحدة الفلسطينية والذي كان من المرجح أن ترحب به حماس في ظل محاولات عزلها وشيطنتها
هذا الموقف استلزم شبه صمت من جانب السلطة الفلسطينية وقبولاً غير مباشر للوضع المستمر في غزة، ففي غضون أيام من هجوم 7 أكتوبر، أدان عباس حماس واتهمها بإعطاء إسرائيل ذريعة لمهاجمة غزة، أما السلطة فلم تفعل شيئاً في نهاية المطاف سوى ترك آلة الحرب الإسرائيلية تفعل ما لم تكن تستطع أن تفعله السلطة بنفسها في غزة!
خطأ فادح
لم يكن بوسع السلطة الفلسطينية إيقاف الحرب بالتأكيد، ولكن دعواتها الخجولة لإنهاء الحرب لم تؤد إلى اتخاذ أي إجراءات سياسية، وعلى أرض الواقع، وجدت السلطة الفلسطينية نفسها متحالفة مع المحور الأردني المصري السعودي الإماراتي، الذي يرى في الحرب شراً لا بد منه، خاصة إذا أنهت حكم حماس في غزة.
لقد أدى هذا الانحياز، في مثل هذه اللحظة التاريخية، إلى تدهور مكانة السلطة الفلسطينية عالمياً، خاصة في ظل العداء الأمريكي لتطلعات الشعب الفلسطيني، حيث كانت السلطة الفلسطينية بالفعل قبل الحرب على غزة، لكنها قامت ببعض المناورات الذكية للضغط على الولايات المتحدة باستخدام علاقاتها مع روسيا والصين كوسيلة ضغط.
قد يتساءل البعض: هل كان هناك موقف آخر كان يمكن للسلطة الفلسطينية اتخاذه؟ هناك دائماً خيارات أخرى، وفي هذه الحالة، كان ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تسعى إلى تحقيق شكل ما من أشكال الوحدة الفلسطينية والذي كان من المرجح أن ترحب به حماس في ظل محاولات عزلها وشيطنتها.
لقد قدمت مختلف القوى المحلية والإقليمية اقتراحات في هذا الصدد فعلاً، ولكن السلطة الفلسطينية أحبطت كل هذه المحاولات، فهي لا تريد إلا الحلول محل حماس في حكم غزة!
لقد كان هذا خطأ فادحاً، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، التي تريد القضاء على حماس، لن تقبل بالسلطة الفلسطينية كبديل، لأنهم يرون أن وجود سلطة فلسطينية موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة بحد ذاته يمكن أن يشكل تهديداً سياسياً لحكمهم، كما أن وجود قيادة فلسطينية موحدة سيكون بمثابة خطوة مهمة نحو إقامة الدولة الفلسطينية.
من جانب آخر، فإن تجنب السلطة الفلسطينية لإقامة الانتخابات جعل من شرعيتها ورقة في أيدي قوى خارجية خاصة الولايات المتحدة، فشعار السلطة “المتجددة” هو البديل الأمريكي المفضل للانتخابات الفلسطينية، طالما أن هذا التجديد يتم بالتنسيق مع واشنطن، وهذا يجعل السلطة الفلسطينية أسيرة للموقف الأميركي والذي يصب بطبيعة الحال في الموقف الإسرائيلي.
خلال 8 أشهر من الحرب على غزة، تم إحباط أهداف إسرائيل مراراً وتكراراً، وربما يكون صحيحاً أن حماس لن تحكم غزة مرة أخرى كما فعلت من قبل، ولكن سوف تكون لها اليد العليا بالتأكيد في تحديد ما سيأتي بعد ذلك.
المصدر (هنا)