مقالات ورأى

محمد عبدالقدوس يكتب : شاهد عيان على الهزيمة والإنتصار٢

صدق أو لا تصدق مشاعر الناس في بلادي قبيل معركة أكتوبر كان يملأوها اليأس على العكس تماماً من مشاعرنا قبل حرب يونيو عام ١٩٦٧ حيث كانت كلها في السما وعندنا ثقة في نصرة جيشنا العظيم بقيادة “ناصر” ،

ثم جاءت الهزيمة الثقيلة والمصيبة السوداء التي أوقعتنا أرضا ، وجعلت روحنا المعنوية في الحضيض !! وكفرنا بكل الشعارات المرفوعة في ذلك الوقت !!

وبدأت تتكشف الكثير من العيوب الخطيرة في نظام “ناصر” التي أودت بنا إلى التهلكة ..

فهي هزيمة نظام بالدرجة الأولى وليست هزيمة جيش أو مجرد نكسة !

وبدأت إعادة بناء قواتنا المسلحة من جديد ، ومحاولة لإعادة الثقة التي إهتزت في كل شيء ،

ومات “ناصر” رحمه الله وخلفه “السادات” وتعجب الناس من إختياره فقد كان ضعيف الشخصية كما رأيناه في ذلك الوقت ،

فهو “خدام” ل”عبدالناصر” وظله الظليل فهل يصلح لقيادة الأمة ؟؟
وإستطاع الرئيس الجديد أن يثبت شخصيته المستقلة بسرعة ، وبدأ في إصلاح الكثير من أخطاء العهد الناصري التي لم نكن نعلم عنها الكثير ، وأفرج عن السجناء السياسيين ،

وأعاد القضاة المفصولين إلى أعمالهم ، وأعلن بداية إنهاء الحراسات على آلاف من الأغنياء ، والتي خضعت أموالهم ظلماً تحت الحراسة ، وكانت كلها نقاط مضيئة في طريق إعادة البناء ..
لكن أواخر عام ١٩٧٢ وسنة ١٩٧٣ كان السخط على “السادات” في ذروته والسبب أنه وعد وأخلف !!
حيث قال عن عام ١٩٧٢ أنه سنة الحسم وإسترداد الأرض ،

ومرت السنة دون أن يحدث شيء وتوقفت مع مجيئه حرب الإستنزاف التي كانت تخوضها مصر ضد العدو القابع في سيناء.

وفي يوليو من عام ١٩٧٢ أعلن “السادات” رحمه الله طرد الخبراء الروس من مصر ، ومع أن فرحة الناس بهذا القرار كانت كبيرة إلا أنه صاحبها شعور عام بأن مصر لن تحارب بعد طردهم والروس لن يعطوا لنا أي سلاح بعد ذلك ..
وكنا كشباب زعلانين قوي لأن العدو الإسرائيلي في سيناء وعلى بعد أمتار من مدن القناة ..
و”مصر السادات” لا حس ولا خبر وكله كلام في كلام ، وهكذا كانت روحنا المعنوية في الحضيض.

وكانت المفاجأة الكبرى يوم السبت السادات من أكتوبر عام ١٩٧٣ ..


عندما بدأت المعركة وعبور الجيش المصري للقناة .. روحنا المعنوية إرتفعت مع المفاجأة مرة واحدة من القاع إلى القمة .. فرحة كبيرة لكن صاحبها حذر ، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين !!
والبلاغات الرسمية عن سير الحرب في هزيمة يونيو مختلفة تماماً عما يجري في ساحة المعركة ويملأوها الشعارات والضجيج !!
لكن لغة الإعلام في حرب أكتوبر كانت عاقلة وموضوعية ..
أنها تتحدث بواقعية ، ويا سلام على جيش مصر العظيم نجح أخيرا في العبور .. وهناك أسرى من جيش الإحتلال وقع في أيدينا لأول مرة في تاريخ الحروب معهم ، إنه نصر حقيقي !!

ومن فضل ربي أنني كنت من أوائل المدنيين الذين ذهبوا إلى سيناء بعد الحرب ورأيت أبطالنا في “الدشم” العسكرية التي بناها جنود الإحتلال بعد إستيلاءهم على سيناء على ضفاف قناة السويس .. وروح الضباط والجنود في السما بعد وقف إطلاق النار وهم سادة الميدان .. وهذا كله عكس تماماً ما جرى عام ١٩٦٧ ..

إنه فارق حقيقي بين الهزيمة والنصر وكنت شاهدا على ذلك.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى