الحكم الذي صدر مؤخرا بالحبس عاما بحق النائب البرلماني المصري السابق أحمد الطنطاوي الذي سبق له إعلان عزمه الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات التي جرت أواخر العام 2023 ، و22 من أفراد حملته الانتخابية في قضية ما يعرف بالتوكيلات الموازية ليس الأول ولن يكون الأخير لمنع أي مرشح جاد من منافسة المشير السيسي الذي تعهد بأنه لن يترك كرسي الرئاسة، وهدد من يقترب من ذاك الكرسي بمحوه من على وجه الأرض.
لم ننس بعد ما فعله السيسي مع أستاذه ومعلمه الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، والذي
أعلن نيته الترشح ضد السيسي في العام 2018، وجهز بالفعل حملته الانتخابية التي ضمت رموزا كبرى كان من بينها المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، والدكتور حازم حسني الأستاذ بكلية الاقتصاد وقد تم اعتقالهما إلى جوار عنان وآخرين.
لم ننس بعد ما فعله السيسي مع أستاذه أيضا الفريق أحمد شفيق قائد سلاح الطيران الأسبق ورئيس أخر حكومة في عهد مبارك، والذي اختطفه السيسي من الإمارات إلى مصر ليفرض عليه إقامة جبرية لا تزال سارية حتى الآن.
لم ننس ما فعله السيسي مع المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي اعتقله السيسي مطلع العام 2018 بعد حديث صحفي مع قناة الجزيرة، واصدر عبر القضاء حكما بحبسه خمسة عشر عاما حتى يقطع عليه أي تفكير في الترشح في مواجهته.
إذن ما حدث مع أحمد الطنطاوي كان أمرا طبيعيا جدا من السيسي الذي لا ولن يقبل بمنافس حقيقي، ولا بانتخابات حقيقية تتمتع بضمانات النزاهة والشفافية لأنه يعرف كيف ستكون النتيجة في هذه الحالة؟!
الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في ديسمبر كانون أول 2023 لم تخرج عن الطبعات الرئاسية السابقة، فقد كان المشهد معدا بكل تفاصيله، من هم (الكومبارسات) الذين سيدفع بهم النظام للترشح في مواجهة السيسي؟، وكيف سيتم مساعدتهم في تقديم متطلبات الترشح سواء عبر توكيلات مواطنين أو توكيلات نواب برلمانيين؟.
وكم الحصة المقررة لكل واحد منهم من جملة الأصوات؟، ثم ما الثمن الذي سيقبضه كل منهم بعد إعلان النتيجة سواء على المستوى الشخصي أو الحزبي؟.
وبينما كانت الترتيبات تسير حسب الخطة إذ بالنائب أحمد الطنطاوي يربك الحسابات بإعلان اعتزامه الترشح من خارج تلك الترتيبات بينما كان لا يزال مقيما في بيروت.
ثم أتبع ذلك بالعودة فعلا إلى مصر ليبدأ في تجهيز حملته وجمع التوكيلات المطلوبة.
مثل الطنطاوي تحديا حقيقيا للسيسي رغم صغر سنه الذي لم يبلغ منتصف الأربعينات، فهو نائب مشاكس بين عامي 2015 -2020، وهو الذي كان يجاهر بكراهيته للسيسي في البرلمان، في وقت كان الآخرون يسبحون بحمد السيسي، ويعتبرونه المنقذ بمن في ذلك التيار الذي ينتمي له طنطاوي، وحين أعلن نيته الترشح صحب ذلك بحركة شعبية على الأرض لجمع التوكيلات، والنزول بنفسه بجوار أنصاره في مقرات الشهر العقاري.
كما أتبع ذلك بخطاب سياسي غير مألوف داخل مصر، وجه سهامه مباشرة إلى السيسي وليس أحدا دونه لإدراكه أنه الحاكم الفرد الأحد، وأنه هو صاحب كل القرارات والسياسات المنفذة في مصر، وليس أحدا غيره، ولذا كانت المواجهة الخشنة له ولأنصاره منذ اللحظات الأولى حيث تم القبض على بعض أفراد أسرته بهدف الضغط عليه.
ثم تلى ذلك القبض على العشرات من أنصاره، ومدير حملته، وصولا إلى محاكمته هو وأنصاره والحكم عليه وعليهم بالحبس سنة مع الشغل.
كما تضمن الحكم أيضا حرمانه من الترشح للانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات، بتهمة استخدام توكيلات غير رسمية، وهي التوكيلات الشعبية التي طلبها الطنطاوي من أنصاره كبديل للتوكيلات الرسمية التي منعتهم الأجهزة الرسمية من الحصول عليها لمنع تمكينه من الترشح للانتخابات الرئاسية.
في الفترة القليلة التي تمكن فيها الطنطاوي من التحرك وعرض رؤاه السياسية بشكل عام طرح خطابا سياسيا رشيدا متماسكا، ومختلفا عن السائد داخل مصر الملتزم بسقف متدن فرضته السلطة على الجميع.
تحدث صراحة عن جريمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وجريمة التنازل عن حصة مصر في مياه النيل، وجريمة القروض الضخمة، وتعويم الجنيه والغلاء الفاحش، وتصفية الشركات الحكومية.
كما طرح فكرة المصالحة الوطنية لأول مرة بصوت عال، وصمد في وجه كل الاتهامات والابتزازات التي تعرض لها بسبب حديثه العقلاني عن الإخوان المسلمين واعتبارهم جزء من الشعب المصري، وأن الفيصل بينه وبينهم هو الدستور والقانون، وأحكام القضاء النزيه وليس المسيس، كما دافع عن وجهات نظره في القضايا الاجتماعية والدينية التي حاول البعض تشويه موقفه تجاهها.
تميز دوما بالثبات الانفعالي في كل أحاديثه، ولم يستجب للاستفزازات التي أراد البعض سوقه إليها خلال الجولات السياسية أو الحوارات الصحفية.
منذ القبض عليه وإيداعه السجن (27 مايو أيار2024) نشط الكثيرون في طلب العفو الرئاسي عنه، وتنادى الكثيرون لجمع توقيعات لرفعها إلى السيسي لطلب عفوه.
لكن حزب تيار الأمل الذي لا يزال تحت التأسيس والذي كان يرأسه أحمد وانتقلت رئاسته إلى زميله علاء الخيام أعلن رفضه لهذه المطالب مؤكدا أنه يطلب العدل وليس العفو، (لا تزال أمام الطنطاوي فرصة أمام محكمة النقض).
وفي حدود معرفتي بشخص أحمد فأنا واثق تماما أنه أيضا يرفض ذلك، ولا يقبل أن يمن عليه السيسي بعفو رئاسي، بينما بإمكانه أي الطنطاوي احتمال الحبس لمدة سنة.
وهو الذي رأى كثيرون غيره قضوا حتى الآن في السجن عشر سنوات أو يزيد ولم يحنوا رؤوسهم، وسيخرج هو أيضا من السجن بعد سداد فاتورة الأمل منتصب القامة مرفوع الهامة، ليكمل الحلم والأمل.