في الذكرى الرابعة عشرة للهجوم الإسرائيلي المميت على سفينة التضامن التركية “مافي مرمرة”، أكدت تركيا مجددًا على التزامها الراسخ بدعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر. ففي 31 مايو 2010، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا وحشيًا على السفينة في المياه الدولية، مما أسفر عن استشهاد عشرة نشطاء أتراك كانوا على متنها ضمن أسطول الحرية الذي كان يهدف إلى كسر الحصار المفروض على القطاع.وبعد مرور أربعة عشر عامًا على هذه الجريمة النكراء، لا تزال تركيا تطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذا الهجوم الوحشي وتقديمهم للعدالة. كما أنها تواصل جهودها الدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل نيل حقوقه المشروعة وإنهاء معاناته الطويلة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، جددت تركيا دعوتها للمجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومساندته في سعيه لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما شددت على ضرورة رفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، والذي يتسبب بمعاناة إنسانية هائلة لسكانه البالغ عددهم نحو مليوني نسمة.
وأكدت تركيا أن قضية فلسطين ستظل على رأس أولوياتها، وأنها ستواصل العمل بكل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، والذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني ويحفظ كرامته. فالتضامن مع فلسطين ليس مجرد موقف سياسي بالنسبة لتركيا، بل هو واجب أخلاقي وإنساني تجاه شعب يرزح تحت الاحتلال ويناضل من أجل حريته واستقلاله.
وفي هذه المناسبة، أشاد مسؤولون وناشطون فلسطينيون بالدور الحيوي الذي لعبته حادثة مافي مرمرة في زيادة وتيرة حركة التضامن الإقليمي والدولي مع غزة. فقد أعادت هذه الحادثة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، ونبهت المجتمع الدولي إلى المعاناة الشديدة التي يعيشها سكان غزة تحت وطأة الحصار الإسرائيلي الخانق.
وطالب ممثل مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) في غزة أشرف يلماز، المجتمع الدولي بـ”الوقوف عند مسؤولياته والضغط على إسرائيل لرفع حصارها عن القطاع”، قائلاً: “في ذكرى سفينة مرمرة واستشهاد 10 من إخواننا الأتراك، نترحم على شهداء الحرية الذين أناروا بدمائهم طريق الكرامة لغزة وفلسطين”.
جدير بالذكر أن إسرائيل تفرض حصارًا مشددًا على قطاع غزة منذ منتصف عام 2007، مما تسبب في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل كبير بين سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة. ورغم ذلك، تواصل تركيا دعمها القوي للشعب الفلسطيني، مؤكدة على أن قضيته ستظل دائمًا في صميم أولوياتها.
“مافي مرمرة”.. سفينة تركية جرّت إسرائيل إلى ساحات المحاكم الدولية
تاريخ سفينة مافي مرمرة
سفينة تركية شاركت في “أسطول الحرية” عام 2010، والذي ضم مجموعة من السفن التي حملت على متنها 6 آلاف طن من المساعدات الإنسانية و750 ناشطًا من 36 دولة عربية وأجنبية، بما في ذلك سياسيون وصحفيون وكتّاب وفنانون، بهدف كسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
أثناء إبحارها في المياه الدولية قبالة سواحل فلسطين المحتلة، تعرضت السفينة للاعتداء من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، مما أسفر عن مقتل 10 مواطنين أتراك وإصابة 56 آخرين. كما تعرض الناشطون للحبس والتعذيب والاستجواب ومصادرة ممتلكاتهم الخاصة، إضافة إلى مصادرة السفينة نفسها.
بُنيت سفينة “مافي مرمرة” -والتي تعني باللغة التركية “المرمرة الزرقاء”- في عام 1994 من قِبَل شركة “صناعة السفن التركية”، وصُمِّمت لغرض نقل الركاب، بسعة تصل إلى أكثر من ألف راكب، ويبلغ طولها 93 مترًا وعرضها 20 مترًا.
في مطلع عام 2010، اشترت “هيئة الإغاثة الإنسانية التركية” (آي إتش إتش) سفينة “مافي مرمرة” بمبلغ 800 ألف دولار. وفي شهر مايو/أيار من نفس العام، انضمت السفينة إلى “أسطول الحرية” الذي هدف إلى كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وأثناء ذلك، تعرضت السفينة لهجوم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
نتيجة للأضرار البالغة التي لحقت بالسفينة جراء الاعتداء الإسرائيلي، أصبحت “مافي مرمرة” غير صالحة للإبحار، مما حال دون مشاركتها في “أسطول الحرية 2” عام 2011.
أسطول الحرية مبادرة “أسطول الحرية” لكسر الحصار الخانق المفروض على غزة منذ عام 2007
دعت “هيئة الإغاثة الإنسانية” التركية عام 2010 إلى مبادرة “أسطول الحرية” لكسر الحصار الخانق المفروض على غزة منذ عام 2007، وشاركت في المبادرة -إضافة إلى الهيئة الداعية- 5 منظمات دولية غير حكومية، هي: “حركة غزة الحرة” و”الحملة الأوروبية لإنهاء الحصار على غزة” و”السفينة إلى غزة – اليونان” و”السفينة إلى غزة – السويد”، و”اللجنة الدولية لرفع الحصار عن غزة”.
ضمّ الأسطول في بداياته ثماني سفن، وهي: “مافي مرمرة” و”غزة 1″ و”دفني” من تركيا، و”سفندوني” من توغو، و”إليفثيري ميسوغيوس” من اليونان، و”تشالنجر 1″ و”تشالنجر 2″ من الولايات المتحدة الأمريكية، و”راشيل كوري” من أيرلندا. ولكن، واجهت “تشالنجر 2” عطلاً فنياً منعها من المشاركة، كما تأخرت “راشيل كوري” ليوم كامل بسبب عطل مماثل.
شارك في الأسطول -الذي نقل 6 آلاف طن من المساعدات الإنسانية- 750 ناشطًا من 36 دولة عربية وأجنبية، من بينهم برلمانيون وإعلاميون وفنانون وأدباء وناشطون فائزون بجائزة نوبل للسلام، وأبحر معظم الناشطين على متن سفينة “مافي مرمرة”، التي استوعبت ما يقرب من 600 ناشط.
انطلقت سفينة “مافي مرمرة” من ميناء “سراي بورنو” في إسطنبول متجهةً إلى أنطاليا
ومن ثم أبحرت في 27 مايو/أيار 2010، للالتقاء بالأسطول قبالة مدينة “ليماسول” جنوب قبرص، ومن ثم الإبحار إلى غزة، وكان الأسطول يحمل موادًا غذائية وملابس ومستلزمات طبية ومواد بناء ولوازم مدرسية وأجهزة تقنية.
الاعتداء الإسرائيلي بالتشويش على الهواتف النقالة والبث الإعلامي الذي كان ينفذه الصحفيون على متن السفينة
في 30 مايو/أيار 2010، وصل “أسطول الحرية” قبالة سواحل غزة، وعلى الفور بدأ الجيش الإسرائيلي بتحذير الأسطول من الاقتراب من القطاع. ردّ قبطان السفينة بأنهم لا يحملون سوى المساعدات الإنسانية، لكن إسرائيل قامت بالتشويش على الهواتف المحمولة والبث الإعلامي الذي كان يقوم به الصحفيون على متن السفينة، وحجبت القمر الصناعي تركسات.
في فجر اليوم التالي، 31 مايو/أيار، حاصرت قوات بحرية إسرائيلية ضخمة تضم 4 سفن حربية و3 مروحيات وغواصتين و30 زورقا، أسطول الحرية في المياه الدولية على بعد حوالي 72 ميلا من سواحل الاحتلال.
قامت وحدة كوماندوز “شايطيت 13″، وهي قوات بحرية إسرائيلية خاصة، بمداهمة سفينة “مافي مرمرة” عبر عملية إنزال جوي من طائرات هليكوبتر. استخدم الجنود الرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع في الهجوم.
أدى الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على السفينة إلى استشهاد 9 مواطنين أتراك، من بينهم شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، بينما توفي آخر لاحقًا متأثرًا بجروحه بعد معاناة استمرت سنوات. أصيب 56 ناشطًا بجروح خطيرة، ومنعت قوات الاحتلال الأطباء الموجودين على السفينة من تقديم أي مساعدة طبية أو إجراء إسعافات أولية للجرحى.
صودرت جميع السفن ونُقلت إلى ميناء أسدود، حيث قامت سلطات الاحتلال بتفتيش كافة الشحنات. وفي الثالث من يونيو/حزيران، أطلق الاحتلال سراح النشطاء، وأُعيد المصابون منهم إلى بلدانهم بعد عدة أيام.
وحاول الناشطون الدفاع عن أنفسهم بوسائل بدائية كالمكانس الخشبية وما شابهها، لكنها لم تكن ذات فعالية في مواجهة الجنود المدججين بالسلاح. رغم ذلك، زعمت إسرائيل أن قواتها اضطرت للدفاع عن نفسها بعد تعرضها لهجوم من قبل ركاب السفينة، مدعية أنهم استخدموا الأسلحة البيضاء والعصي، واستولوا على بعض أسلحة الجنود وهاجموهم بها.
دعاوى قضائية وتحقيقات من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقق في الحادث
بعد الهجوم الإسرائيلي على سفينة “مافي مرمرة”، أجرى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحقيقًا في الحادثة، وفي سبتمبر/أيلول 2011، أصدر تقريرًا يدين قوات الاحتلال بانتهاك القوانين الدولية واستخدام القوة المفرطة. كما رفض التقرير الادعاءات الإسرائيلية التي اتهمت النشطاء باستخدام المقاومة المسلحة ضد الجنود الإسرائيليين. وأشارت المحكمة إلى أن تصرفات إسرائيل قد ترقى إلى مستوى جريمة حرب، ولكن حجم الحادثة لم يكن كافيًا لفتح تحقيق رسمي.
وقد فتحت كل من تركيا وإسرائيل تحقيقًا مستقلًا بشأن الحادث، إلا أن نتائج التحقيقين جاءت متناقضة. فبينما أشار التحقيق الإسرائيلي إلى أن عملية الاعتداء كانت مبررة وتتماشى مع القانون الدولي، أظهرت نتائج التحقيق التركي أن إسرائيل لجأت إلى استخدام القوة المفرطة وانتهكت حقوق الإنسان.
في عام 2013، تقدمت دولة جزر القمر، حيث كانت سفينة “مافي مرمرة” مسجلة، بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل. وقد انضمت كل من كمبوديا واليونان لاحقًا إلى هذا الطلب.
سعت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية جاهدةً لإغلاق الملف من دون فتح تحقيق جنائي
عارضت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، القضية بشدة، وسعت جاهدة لإغلاق الملف دون إجراء تحقيق جنائي شامل. كانت ترى أن مقتل 10 أشخاص لا يكفي لإشراك المحكمة الجنائية الدولية، بغض النظر عن الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل.
وفي سياق متصل، تقدم 13 ناشطا بريطانيا كانوا على متن سفينة “مافي مرمرة” وقت الاعتداء، بدعوى قضائية أمام شرطة “سكوتلانديارد” البريطانية مطلع عام 2015، للمطالبة بإجراء تحقيق في حادثة هجوم الجيش الإسرائيلي على السفينة، مقدمين أدلة اتهام ضد 5 من القادة الإسرائيليين.
رفعت الحملة الأوروبية لفك الحصار عن غزة” دعوى قضائية أمام محكمة إسبانية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدد من وزرائه، متهمةً إياهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة
كما رفعت “الحملة الأوروبية لفك الحصار عن غزة” دعوى قضائية أمام محكمة إسبانية، ضد نتنياهو وعدد من وزرائه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقد شرعت المحكمة في فتح تحقيق بشأن الهجوم، إلا أنها عادت في يونيو/حزيران 2015 وأغلقت القضية وحفظت التحقيق، مع الإبقاء على إمكانية إعادة فتح القضية في حال دخول مسؤولين إسرائيليين إلى الأراضي الإسبانية.
كانت السفينة، بعد سماح إسرائيل بعودتها في أغسطس/آب 2010، قد رست دون تشغيل في ميناء “سيركجي” بإسطنبول لفترة وجيزة، ثم استقرت في ميناء “حيدر باشا” الواقع على بحر مرمرة لمدة 8 سنوات. خلال تلك الفترة، لم تُستخدم السفينة إلا في تصوير فيلم تركي وقامت ببضع رحلات من وإلى البحر الأسود.
في عام 2018 طرحت هيئة الإغاثة السفينة للبيع فاشتراها رجل الأعمال التركي “أردوغان تومشيك”، وأجرى عليها العديد من التعديلات. تم إزالة قاعات الركاب وتحويل سطح السفينة ليستوعب الشاحنات، كما تم تغيير اسمها إلى “أردوغان باي”.
وفي العام التالي، بدأت السفينة تنقل الشاحنات على متنها بين مينائي “بنديك” و”أمبرلي” في إسطنبول. لاحقًا، تحول نطاق عملها إلى أفريقيا، حيث بدأت مهامها في ليبيا في مجال النقل اللوجستي بين الموانئ الليبية، ثم عادت مجددًا إلى تركيا وتغير اسمها إلى “الأناضول”.
في عام 2021، أبحرت السفينة في عمليات شحن من تركيا إلى ميناء مقديشو في الصومال. خلال تلك الفترة، تم عرضها للبيع مرة أخرى، وتم بيعها بحوالي 4 ملايين ليرة تركية (ما يعادل 296 ألف دولار) لصالح شركة “أي 2 للصناعة البحرية”.
أثار الهجوم على سفينة “مافي مرمرة” أزمةً سياسيةً حادةً بين تركيا وإسرائيل، حيث استدعت تركيا سفيرها في إسرائيل “أوغوز تشيليكول” إلى العاصمة أنقرة، وطلبت من السفير الإسرائيلي “غابي ليفين” مغادرة البلاد. كما خفضت تركيا مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى درجة القائم بالأعمال، وقررت تعليق جميع الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين البلدين.
وفي مايو/أيار 2012، رُفعت دعوى قضائية ضد أربعة قادة عسكريين إسرائيليين سابقين على خلفية الهجوم على سفينة “مافي مرمرة”، وهم: رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية السابق غابي أشكنازي، وقائد قوات البحرية السابق أليعازر ألفريد ماروم، وقائد الاستخبارات العسكرية الجنرال عاموس يادلينير، ورئيس الاستخبارات الجوية أفيخاي ليفي.
وفي مايو/أيار 2014، أصدرت محكمة الدائرة السابعة للجرائم الخطرة بإسطنبول أوامر باعتقال القادة العسكريين الأربعة، الذين كانوا يحاكمون غيابيًا في القضية، وطلبت من الشرطة الدولية (الإنتربول) إصدار مذكرات توقيف بحقهم. كما طالب الادعاء التركي بإصدار أحكام متعددة بالسجن المؤبد بحقهم.
عرضت إسرائيل تقديم تعويضات لذوي الضحايا والتعويض عن الأضرار التي لحقت بالسفينة، ولكن المفاوضات لم تسفر في بداياتها عن حل للأزمة. ورفضت عائلات الضحايا عرضًا من رجلي أعمال يهوديين يتضمن تقديم مليار دولار مقابل التنازل عن الدعاوى القضائية الدولية المرفوعة ضد العسكريين.
وبموجب الاتفاق الثنائي بين تركيا وإسرائيل، أسقطت محكمة في إسطنبول الدعوى عام 2016، وأنهت تركيا بذلك جميع المطالبات الجنائية والمدنية ضد إسرائيل. وبالمقابل، قدمت إسرائيل تعويضات بلغت 20 مليون دولار لأهالي الضحايا، واعتذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الهجوم على “مافي مرمرة”، معترفًا بوقوع أخطاء.
دشن إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني السابق في 31 مايو/أيار 2011، نصبًا تذكاريًا في ميناء الصيادين بغزة تكريمًا لضحايا سفينة “مافي مرمرة” بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للهجوم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خلال اجتياح الجيش الإسرائيلي لغزة عقب معركة “طوفان الأقصى”، قامت قوات الاحتلال بتدمير النصب التذكاري بالكامل. وصرح المتحدث باسم الجيش أن من بين الجنود الذين حطموا النصب التذكاري كان هناك من شارك في عملية “مافي مرمرة” عام 2010.