توثيق قانوني يسلط الضوء على النظام المجحف والمستغل للعمالة فى الإمارات
كشف توثيق حقوقي صادر عن منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن العمال الأجانب في الإمارات يجدون أنفسهم ضحايا لنظام تقييدي واستغلالي يعرف باسم الكفالة، والذي يسبب انتهاكات عديدة وموثقة لحقوقهم الأساسية.
وأشار التوثيق إلى أن العمال الأجانب في الإمارات، الذين يشكلون 88% من سكان الدولة، يواجهون العديد من الانتهاكات مثل رسوم الاستقدام العالية، والمديونية الباهظة، ومصادرة جوازات السفر، وخطر الهروب، واستبدال العقود.
وقال متحدث باسم المنظمة: “إن استمرار الانتهاكات بحق العمال الأجانب في الإمارات يعني استمرار انتهاك أبوظبي لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. يجب على السلطات الإماراتية اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء نظام الكفالة واحترام حقوق جميع العمال”.
وتعد الإمارات ثاني أعلى وجهة للمهاجرين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بعد السعودية، حيث تضم حوالي 8.7 مليون عامل مهاجر، معظمهم من العمال ذوي الأجور المنخفضة وشبه المهرة. وتشكل الهند وبنغلاديش وباكستان ومصر والفلبين أعلى خمس مناطق منشأ للقوى العاملة الأجنبية في الدولة.
وكشف التوثيق عن إحصاءات مقلقة، حيث قُدر عدد الأفراد الذين يعيشون في ظروف تشبه العبودية في الإمارات بحوالي 132,000 فرد في عام 2021.
وأضاف المتحدث: “هذه الأرقام تسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية في سياسات وممارسات الإمارات تجاه العمال الأجانب. يجب على المجتمع الدولي الضغط على الإمارات لاحترام حقوق الإنسان والعمل”.
تُعد منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان منظمة غير حكومية تهدف إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، من خلال البحث والمناصرة وكسب التأييد.
في هذا السياق، من الضروري تقديم نظام خاص ينظم الهجرة العمالية إلى الإمارات والذي كان موجودًا في دول مجلس التعاون الخليجي ودول الشرق الأوسط الأخرى لعقود: إنه نظام الكفالة.
وقد نشأ نظام الكفالة الحديث في دول الخليج في أوائل القرن العشرين لتنظيم معاملة العمال الأجانب في صناعة اللؤلؤ. وتوسع في الخمسينيات استجابة لحاجة الدول الغنية بالنفط الجديدة إلى المهاجرين للعمل في مشاريع البنية التحتية الكبيرة.
مع مراعاة عدد السكان القليل نسبيًا في دول الخليج، كان هدف نظام الكفالة هو توفير العمالة المؤقتة التي يمكن إدخالها بسرعة إلى البلاد خلال فترات النمو الاقتصادي، وطردها عندما تضعف الاقتصاد.
حتى يومنا هذا، لا يزال هذا النظام يحدد العلاقة بين العمال المهاجرين وأصحاب العمل -الراعي المحلي أو الكفيل- في دول مجلس التعاون الخليجي.
في الأصل، كان النظام يفضل العمال العرب من الدول المجاورة، خاصة مصر واليمن وفلسطين. ومع ذلك، في منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينيات، أدت فترة التقشف التي تلت انخفاض أسعار النفط والتخفيض الناتج في التكاليف في القطاعين العام والخاص إلى استبدال العمال العرب الحاليين بعمال آسيويين أقل مهارة.
وهناك سبب آخر تم تقديره لهذا الاستبدال وهو الخوف من أن ينشر العمال العرب أيديولوجية قومية عربية يمكن أن تقوض ممالك الخليج.
علاوة على ذلك، بعد أزمة الخليج في عام 1990، تم طرد حوالي مليوني مصري وفلسطيني ويمني من المنطقة بسبب دعم حكوماتهم لغزو العراق للكويت، مما يفسر أيضًا لماذا تم تخفيض عدد العمال العرب.
وعلى الرغم من أن القوانين والإجراءات الخاصة بنظام الكفالة تختلف من دولة إلى أخرى، إلا أنه يعرف عمومًا كنظام مقيد يربط العمال المهاجرين بأرباب عملهم، مما يزيد من اختلال توازن القوى بين صاحب العمل والعامل ويمنع العمال المهاجرين من الإبلاغ عن الإساءة أو الاستغلال.
وهذا يفسر لماذا وصفت بعض المنظمات الحقوقية والنشطاء هذا النظام بأنه “شكل من العبودية الحديثة“. بشكل خاص، إن تفويض المسؤولية عن العمال المهاجرين إلى أرباب العمل، الذي يحدث بموجب تصاريح الكفالة التي تمنحها الدولة للأفراد أو الشركات المحلية لتوظيف العمال الأجانب، يمنح الأخيرة السيطرة على إمكانية الإقامة والعمل والخروج من بلد العمل.
وهذه الدرجة العالية من السيطرة التي يمتلكها أصحاب العمل على العمال تؤدي إلى انتهاكات مثل مصادرة جوازات السفر، رسوم التوظيف غير المستحقة، ساعات العمل الطويلة، ظروف العمل والمعيشة السيئة، سرقة الأجور، إلخ، والتي سيتم شرحها بمزيد من التفصيل لاحقًا.
كما أن القطاعات التي يعاني فيها العمال المهاجرون من مخاطر العمل القسري بشكل خاص هي قطاعات البناء، العمل المنزلي، وصناعة الخدمات.
أثر آخر لنظام الكفالة هو الاستبعاد الكامل للعمال المهاجرين من الاندماج في المجتمع المحلي، وهو ما يُطلق عليه في دراسات الهجرة “نموذج الاستبعاد التفاضلي“.
وهذا يوضح لماذا يعاني العمال المهاجرون في الإمارات، على عكس المواطنين.
إذ لا يمكنهم تلقي المخصصات الحكومية للسكن أو الرعاية الصحية المدعومة أو الخدمات الأخرى، وبالتالي يعتمدون على أجورهم للوصول إلى الخدمات الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك دور أقل فهمًا لنظام الكفالة يجب الإشارة إليه: إنشاء عقد اجتماعي بين الدولة ومواطنيها، وهو عنصر حاسم في استقرار الدولة.
في هذا الصدد، وفقًا للسلطات الإماراتية، فإن نظام الكفالة، بالإضافة إلى تمكين البلاد من الحفاظ على هويتها الوطنية، قد قدم أيضًا مزايا اقتصادية واجتماعية ذات صلة لأولئك الذين يتمتعون بالجنسية وساعد في الحفاظ على مجتمع آمن ومستقر.
وهذا، بعبارة أخرى، يعني أن الإمارات تمنح المواطنين حقوقًا وسلطة على المهاجرين والثروة التي يولدونها – بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الفوائد الاجتماعية – مقابل قيود كبيرة على الحريات المدنية والسياسية.
نتيجة للمزايا التي يتلقاها المواطنون الإماراتيون من هذا النظام العمالي، يمكن اعتبار أي محاولة من الحكومة الإماراتية لإصلاحه وفقًا للمعايير الدولية والاتفاقيات العمالية، تهديدًا لامتيازاتهم، وبالتالي لا تحظى بشعبية.
ومن الواضح أن هذا يمثل تحدياً يستحق النظر فيه عندما نتحدث عن تعديل نظام العمل الذي لا يستطيع تجنب مسألة تنفيذ إصلاحات مدنية وسياسية أوسع نطاقاً.
وبالفعل، فإنه من دون الاعتراف بسلسلة من حقوق العمال – مثل حقوق حرية التنظيم والمفاوضة الجماعية بالإضافة إلى حقوق النقابات العمالية الأخرى – لن تكون قوانين العمل الجديدة في الإمارات قادرة على معالجة ممارسات الاستغلال العمالي في البلاد.
ويفرض قانون العمل الإماراتي دفع الرواتب الشهرية من خلال نظام حماية الأجور. ومع ذلك، كما قيل، فإن الثغرات في تنفيذ القوانين وإنفاذها لا تزال تجعل العمال المهاجرين عرضة للاتجار والعمل القسري والممارسات الاستغلالية الأخرى.
يتجلى نقص الاستعداد لمواجهة انتهاكات العمال في البلاد بفعالية في تصوّر الإمارات لمشكلة الاتجار بالبشر كقضية تقتصر فقط على النساء والأطفال والاستغلال الجنسي.
علاوة على ذلك، على الرغم من أن الإمارات هي واحدة من ثلاث دول لديها قانون عمل يحظر ويجرم جميع أشكال العمل القسري بشكل صريح، إلا أن الحقيقة هي أن اتهامات العمل القسري تُعتبر غالبًا انتهاكات تنظيمية، وبالتالي، لا تخضع الشركات إلا للغرامات أو فقدان تراخيصها.
كما أن قانون العمل الإماراتي يستثني العمالة المنزلية، ورعاة الأغنام، ومربي الجمال، وعمال المزارع، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال.
كما تقول منظمة العمل الدولية، فإن مرحلة التوظيف في عملية الهجرة يمكن أن تحدد ما إذا كان العمال يتمتعون بتجربة هجرة إيجابية، أو، على العكس من ذلك، تجربة استغلالية حيث تكون عبودية الدين والأجور المنخفضة هي القاعدة.
في هذه المرحلة، وكالات التوظيف الخاصة في البلدان الأصلية التي يستأجرها الكفلاء تلعب دورًا مهمًا، كونها الوحيدة المسؤولة عن استقدام العمال وتسهيل دخولهم إلى البلد المضيف.
وهذه الممارسة هي جوهر السلوك الاحتيالي لصناعة التوظيف، وتكمن في فرض رسوم توظيف عالية على العمال المهاجرين ذوي المهارات المتدنية – خاصة الرجال والنساء في قطاعات مثل البناء والزراعة والخدمات مثل العمل المنزلي.
في الإمارات، رغم أن قوانين العمل المحلية تحظر فرض رسوم على العمال، إلا أن الواقع هو أن هذا الانتهاك، جنبًا إلى جنب مع سرقة الأجور، متفشٍ في البلاد، مما يدفع المهاجرين إلى اقتراض الأموال من مقرضي الأموال المحليين بمعدلات فائدة سنوية تصل إلى 50 بالمئة، أو بيع الأصول أو استنزاف مدخرات العائلة.
ما هو مهم التأكيد عليه هنا هو أن أجور العمال هي أمر أساسي للسيطرة على العمال المهاجرين، وبهذه الطريقة، تؤدي أيضًا إلى أشكال أخرى من الاستغلال مثل ساعات العمل الطويلة دون أجر العمل الإضافي، أو عدم دفع الأجور أو دفع الأجور. أجور أقل مما هو منصوص عليه في العقد – وهو ما يُعرف بسرقة الأجور.
ممارسات احتيالية أخرى تحدث في عملية التوظيف قد تشمل:
عبودية الديون: إساءة استخدام مرتبطة بدفع رسوم التوظيف المرتفعة المذكورة سابقًا، حيث يقوم أصحاب العمل بتخفيض أو حجب أجور العمال من أجل سداد رواتب مكاتب التوظيف. في حالات أخرى، يعتبر دفع أجور منخفضة أو سرقة الأجور ممارسة يستخدمها أصحاب العمل كعقوبة.
التضليل بشأن طبيعة وشروط العمل واستبدال العقود: الاختلافات في شروط الأجر و/أو العمل بين العقد الذي عُرض في البداية عند التوظيف في بلد المنشأ والعقد الذي تم توقيعه فعليًا في بلد العمل. عادةً ما يتضمن استبدال العقود قبول أجور وظروف عمل سيئة بتوقيع العديد من الوثائق بلغات لا يفهمها المهاجرون.
في أي حال، فإن المدفوعات المفرطة المفروضة على العمال ذوي المهارات المتدنية والانتهاكات المذكورة المرتبطة بمرحلة التوظيف يمكن أن تؤدي إلى تقليل كبير في المبلغ الذي يسمح للعمال إنفاقه في بلد الوجهة وإرساله أيضاً إلى وطنهم.
انتهاكات أخرى
على الرغم من أنها غير قانونية في الإمارات، فإن نقص العقوبات على الكفلاء الذين يصادرون جوازات سفر الموظفين لتقييد حركة العمال يجعل هذه الممارسة انتهاكًا شائعًا في البلاد، وكان معرض إكسبو 2020 دبي مثالاً على ذلك.
علاوة على ذلك، يواجه العمال الذين يتركون أصحاب عملهم بدون إذن، بما في ذلك الهروب من الانتهاكات، عقوبات بتهمة “الفرار“، مما قد يؤدي إلى الغرامات، الاحتجاز، والترحيل.
لاستكمال الصورة حول الانتهاكات المتكررة التي يتعرض لها العمال المهاجرون، يجب الإشارة أيضًا إلى ظروف العمل المتردية التي تعرض صحة وسلامة العمال للخطر وظروف السكن والمعيشة السيئة وغير الصحية.
وضع النساء المهاجرات في الإمارات
نظرًا للوضع الخاص الذي تعيشه النساء المهاجرات بسبب الطبيعة الخاصة للأعمال التي يقمن بها، يجدر التوسع في هذا الموضوع.
في هذا السياق، يجب التنويه إلى أنه منذ منتصف الثمانينيات، بدأت النساء المهاجرات في الهيمنة بشكل متزايد على تدفق العمالة إلى الإمارات، خاصة في قطاعي العمل المنزلي والخدمات الشخصية، وهما مجالان كانا تقليديًا محصورين بالرجال.
في الواقع، وفقًا لمنظمة العمل الدولية (ILO)، على الرغم من أن الإحصائيات حول العاملات المنزليات الأجنبيات تعاني من نقص الدقة وقلة الوصول وشفافية المعلومات.
إلا أنه يمكن التأكيد على وجود تأنيث دراماتيكي للقوى العاملة في الثمانينيات والتفكير في أن عدد العاملات المنزليات الأجنبيات يجب أن يكون أعلى أو على الأقل مساوٍ لعدد السكان المحليين.
العاملات المنزليات الأجنبيات في الإمارات موجودات في كل بيت، كل مدينة، وحتى في المناطق الصحراوية، ويتم توظيفهن بشكل رئيسي من الفلبين، إندونيسيا، الهند، بنغلاديش، سريلانكا، نيبال، وإثيوبيا.
تعيش عاملات المنازل الأجنبيات وضعًا فريدًا مقارنة بالعمال المهاجرين الآخرين، بسبب العزلة الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية التي يعانين منها كجزء أساسي من تجربتهن في الهجرة إلى الإمارات.
علاوة على ذلك، يستثني قانون العمل الإماراتي عاملات المنازل بشكل خاص من حمايته، والتي، إلى جانب نظام الكفالة شديد التقييد والممارسات الاجتماعية تجاه العاملات الأجنبيات، “تستعبدهن لدى أصحاب العمل حتى انتهاء مدة عقدهن” مما يجعلهن عرضة بشكل خاص لانتهاكات حقوق الإنسان.
في هذا السياق، على الرغم من أنهن ضحايا الانتهاكات الشائعة في نظام الكفالة مثل تلك المذكورة أعلاه، إلا أنه من المناسب التأكيد على الانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية التي تتعرض لها العاملات المنزليات المهاجرات، والتي ذكرتها هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن البلاد (2014)، بما في ذلك: الضرب، اللكم، الصفع، الركل، الخنق، البصق، الشد؛ الاعتداء الجنسي أو التحرش؛ الصراخ، الإهانات، التهديدات، والإذلال.