مقالات ورأى

عمرو هاشم ربيع يكتب: الترحم على أيام مبارك …جزاء البطر

منذ عدة أسابيع وعند تلقي العزاء في وفاة شقيقة حمدين صباحي مرشح الرئاسة الأسبق، والقيادي الناصري البارز، تفاجأ الحاضرون بالقيادي العمالي وزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطه

وهو يقدم واجب العزاء مبتسما كعادته، مترحما على أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك وهو واحد من الناس الذين تضرروا من فترة حكمه بقوله ساخرا “أسفين ياريس”. هذه المقولة على صعوبتها للقائل وللكثير من أمثاله تعبر عن الحال التي وصل إليها المصريين في الفترة الأخيرة من مصاعب جعلتهم يعضون الأنامل على نقدهم لعهد مبارك، وتمنياتهم بزوال عهده،

لأنه بزوال عهده (رغم الفساد الكبير) زالت الكثير من النعم التي لم يكن الناس يشعروا بوجودها إلا بعد أن فقدوها هذه الأيام، وكأن الجاحد لا يشعر بحواسه ولا يشكر خالقه عليها حتى وهو يرى غيره يفقدها، إلا بعد أن تزول منه هو نفسه.

ما من شك أن هناك أمور سلبية ليست بالهينة وقعت إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبالمقابل هناك نجاحات تحققت في فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكن ما أن يتحدث المرء إلى الناس حتى يشعر أن هذا ليس بذاك،

بمعنى أن كم الظلم الذي يتعرض له الناس خاصة الفقراء منهم تلك الأيام أكثر مما كان يحدث أيام مبارك.

خلال مايو الحالي وقعت عدة أحداث يبدو أنها عادت بالناس للتذكير مرة أخرى بالماضي، والتباكي على الأيام الغابرة. فمنذ أقل من أسبوعين وافق مجلس النواب على قانون لتأجير المستشفيات العامة،

ليضرب بالدستور عرض الحائط. فمن خلال هذا القانون سيتم تأجير المستشفيات ويحق للمستأجر تسريح بعض الأطباء وأطقم التمريض المصريين بها لصالح الأطباء وأطقم التمريض الأجانب، وستكون الخدمة التي ستراقبها الحكومة باعتبار أنها تقدم من خلال مستشفيات الدولة في مهب الريح. فإذا كانت تلك الرقابة شكلية وهي من وزارة الصحة تجاه مستشفيات الدولة،

فما بالنا بها لو تحولت تلك المنشآت لأمر المستثمر الأجنبي (المستأجر). وإذا أضيف لكل ذلك أثر هذا القانون على أرباب المعاشات وكبار السن خاصة والمواطنين عامة، لتبين تبعات هذا القانون الخطيرة.

إذ سيفضي للقضاء على وهم التأمين الصحي الذي بحت أصوات الحوار الوطني بضرورة تعميمه لباقي محافظات الجمهورية،

ومن ثم ضرورة فتح أبواب مستشفيات الدولة له. لقد أطاح القانون بكل ما هو واجب للدولة تجاه دافعي الضرائب،

بسبب نهم تأجير المنشآت الصحية للأجنبي، والرغبة في الحصول على المال على حساب الرعاية الصحية التي تقدمها كافة الدول الليبرالية لمواطنيها بالمجان.

خذ أيضا قيام القضاء بإصدار عقوبة بسجن أحمد الطنطاوي الذي كان يسعى للترشح لانتخابات الرئاسة السابقة،

وما قد يسفر عنه هذا الحكم من تجريف للحياة السياسية المصرية فوق تجريفها، لكونه يجعل من يقترب في المشاركة الانتخابية من زاوية الترشح للرئاسة مرة أخرى مآله السجن،

وهو ما تكرر في الماضي مع بعض من فكروا بشكل جدى أن يخوضوا تلك التجربة. إن ما حدث يجعل الناس تفكر مليا وتتخوف في مستقبل بلادهم وما قد سيحدث لها عام 2030 عندما ستعقد الانتخابات الرئاسية القادمة.

بعبارة أخرى، هل معنى ما حدث أن دستور البلاد سيعدل مرة أخرى لتصفير عداد الرئاسة، أي ستخرق مواده مرة أخرى، لكونه هو ذاته ينص على عدم تعديل البند الخاص بمدة الرئاسة؟، أم أن الدولة وقتئذ ستواجه بمرشحين كومبارس يعلوهم مرشح تقدمه المؤسسة العسكرية؟ الغموض يحكم كل المشهد.

يرتبط بالأمر السابق أمر مهم متعلق بالمجال العام، وهو أن بلادنا رغم ما يشاهد من أن العالم تغلي بلدانه المتقدمة قبل النامية بشأن أحداث غزة، يعتقل فيها المتظاهرين المتعاطفين مع فلسطين، وينكل بهم لشهور بسجنهم. منذ أسبوع تقريبا دعى الحوار الوطني لبدأ أعماله من جديد اعتبارا من الأول من يونيو2024،

وذكر أن على رأس جدول أعماله الأمن القومي المصري في ظل أحداث غزة، وكانت قضايا الأمن القومي قد منع على الحوار مناقشاتها منذ بدء الإعداد للحوار في 5يوليو 2022،

وانعقاد جلساته الفعلية في صيف العام التالي. السؤال الآن هل الحوار الوطني قبل أن يناقش أثر تلك الأحداث الدامية على أمن مصر القومي سيكون صامتا أمام بقاء عشرات الشباب في السجون من أبناء مصر والمحبوسين على ذمة قضايا أصبحت معيبة بسبب الاتهام الآلي المعروف فيها ولغيرها مما شابه وهو “التعاون والإنضمام لجماعة إرهابية” المؤكد أن هذا الصمت لن يكن سيد الموقف (قضايا 2469 و2468 و2463 لسنة 2023 حصر أمن دولة).

وبشأن المجال العام أيضا، هناك ما أعلن في مطلع مايو2024 عن تأسيس اتحاد القبائل العربية، وكانت حجة تأسيس الاتحاد الخشية من ان تغازل إسرائيل القبائل العربية بسيناء، كما استقطبت قبائل النقب لصفها ضد أحداث غزة. هنا بدا التناقض الكبير فهل بلغ اهتمام الدولة بالأحزاب السياسية منتهاه حتى تتجه لكيانات أخرى،

ولماذا ونحن في عصر العولمة والفضائيات نستدار مرة أخرى للخلف ونعيد الاعتبار للانقسامات الأولية كالقبلية والعائلية والطائفية، وهي الإنقسامات التي فتتت بلدان كاليمن وأفغانستان والعديد من البلدان الأفريقية جنوب الصحراء.

وحتى لو كانت هناك رغبة في مواجهة إسرائيل بتلك الخطوة، ألم يكن من الأجدى الاهتمام بتعمير سيناء والاستثمار في ثرواتها للقضاء على الإرهاب فيها واستقطاب ولاء العشائر لمظلة الدولة عبر التنمية وتقديم الخدمات بدلا من التلويح بتسليح هؤلاء؟

ألم يكن من الأفضل البحث عن وجوه لقيادات تنموية حقيقية للقبائل بدلا من الغوص في أوحال ما يتردد عن وجوه تتهم بالفساد أو بالإتجار بدم الشعب الفلسطيني من خلال جبايات المرور لمصر أو إتاوات إدخال المساعدات من معبر رفح كما ذكر أكثر من مصدر محلى ودولى؟.

بقت مسألة رفع الدعم عن رغيف الخبز، برفع قيمته 400%، وتخفيض عدد الأرغفة التي يستحقها الفرد الواحد. هذا الوضع بالتأكيد يتسم بالخطورة الشديدة، لأنه يمس الملايين ممن يحصلون على دعم رغيف الخبز.

فبعد أن ذكر الأسبوع الماضي أن الحوار الوطني سيطرح على مائدته مسألة دعم الخبز، أسرعت الحكومة بإلغاء الخطوة واتخذت القرار فورًا منهية الحوار فيه قبل بدءه. ما هو مثير هنا أن المستفيدين من الدعم حوالي 70 مليون نسمة،

نصفهم تقريبا تحت خط الفقر وتبلغ نسبتهم 37.5% من السكان، ما يجعل الناس في حالة اختناق، فما بين تقويض الخدمة الصحية بتأجير المستشفيات العامة ورفع الدعم بشكل تدريجي تبرز مسألة التضييق على الناس وزيادة عوزهم،

وقبل كل ذلك الارتفاع المتوالي في أسعار الكهرباء وغاز المنازل وتذكرة مترو الإنفاق.الغلاء هو بالتأكيد أكبر أعداء الناس، والتضخم المستشري نتيجة فقد بوصلة الأولويات واستبعاد دراسات الجدوى والإصرار على الإنفاق البزخي في العاصمة والعالمين والقطار الكهربي وغيرها أدى إلى فورة الديون الخارجية وخفض قيمة العملة لكونه ترافق مع زيادة الواردات وانخفاض الصادرات،

وإحباط الناس بعد الحديث عن عسرة الدولة في تقديم خدمات أساسية كالكهرباء، بعدما اغدقت الوعود بأن الغاز المولد الرئيس للكهرباء يكفي لأجيال وأجيال قادمة.

ما من شك أن العودة لفقه الأولويات، ودعم الاستثمار بخطى محسوبة حتى لا تستنزف ثروات البلاد، وتشجيع الصادرات وحفز الموارد غير الريعية،

ومواجهة التهرب الضريبي وفرض ضرائب على البورصة وهو ما يضغط رجال الأعمال لمنعه، كلها خطوات مهمة لاستعادة خطى التنمية وهي أمور لا شك أنها لا تكتمل إلا بفتح المجال العام. فالناس قد تصبر على ضيق ذات اليد لبعض الوقت طالما كانت ترى تنمية حقيقة،

أما وأنها تجد هذا الضيق في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي مترافقا مع غلق المجال العام وعدم وجود متنفسا، فهذا ما لا يطيقه الناس.   

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى