تقارير

رفع الدعم عن الرغيف يعيد إلى الأذهان أحداث انتفاضة الخبز 1977

في خطوة تُذكّرنا بأحداث انتفاضة الخبز عام 1977، أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا قرارها برفع الدعم عن رغيف الخبز، مما أثار موجة من القلق والجدل بين المواطنين والخبراء الاقتصاديين. تأتي هذه الخطوة في ظل سياسات تهدف إلى ترشيد الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه، لكنها تواجه انتقادات شديدة تتعلق بتأثيرها على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.

تشبه هذه الخطوة إلى حد كبير ما حدث في يناير 1977، عندما أعلنت الحكومة آنذاك رفع الدعم عن عدد من السلع الأساسية، بما في ذلك الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين. تلك القرارات أدت إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة النطاق، عرفت لاحقًا بانتفاضة الخبز، حيث خرج العمال والطلاب وفئات أخرى من الشعب إلى الشوارع احتجاجًا على غلاء الأسعار وسياسات الحكومة الاقتصادية. جاءت هذه الانتفاضة كرد فعل مباشر على إعلان الحكومة رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار.

في 17 يناير 1977، أعلن الدكتور عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، أمام مجلس الشعب قرارات اقتصادية شملت رفع الدعم عن سلع أساسية مثل الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى. كانت هذه القرارات جزءًا من توجه الرئيس أنور السادات نحو الانفتاح الاقتصادي، الذي تبناه كخطوة نحو الرأسمالية والاقتصاد الحر، بعيدًا عن النهج الاشتراكي الذي ساد في عهد سلفه جمال عبد الناصر.

استقبلت هذه القرارات بغضب واسع النطاق، حيث بدأت الاحتجاجات من تجمعات عمالية كبيرة في مناطق مثل حلوان بالقاهرة وشبرا الخيمة، بالإضافة إلى شركة الترسانة البحرية في الإسكندرية. خرج العمال إلى الشوارع يهتفون ضد الجوع والفقر ويطالبون بإسقاط الحكومة، رافعين شعارات مثل: “يا ساكنين القصور الفقراء عايشين في قبور”، و”سيد مرعي يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه”.

انتقلت المظاهرات سريعًا إلى الجامعات، حيث انضم الطلاب إلى العمال، ومعهم العديد من فئات الشعب المختلفة. اجتاحت الاحتجاجات الشوارع والميادين في القاهرة والمحافظات، متحدية القرارات الاقتصادية الصارمة.

واجهت الحكومة هذه المظاهرات بقوة، حيث تدخلت قوات الأمن بعنف لفض التجمعات واعتقلت المئات من المتظاهرين. نزل الجيش إلى الشوارع لأول مرة منذ حرب أكتوبر 1973، وأعلنت حالة الطوارئ وحظر التجول من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا، في محاولة للسيطرة على الوضع.

جاءت الانتفاضة في وقت كان الرئيس السادات يقود مصر نحو سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي وصفها الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهاء الدين بأنها “سداح مداح”. هذه السياسة هدفت إلى تخفيف قبضة الدولة على الشؤون الاقتصادية، لكنها أدت إلى تزايد الفوارق الطبقية وانتشار مظاهر البذخ بين فئة صغيرة من السكان، في حين عانى البقية من تدهور معيشي واضح.

استجابةً للضغط الشعبي، تراجع السادات عن قرارات رفع الأسعار وأعادها إلى ما كانت عليه قبل الزيادات. ورغم ذلك، ظل السادات ينظر إلى هذه الانتفاضة بمرارة، ووصفها دائمًا بـ”انتفاضة حرامية”. أثرت هذه الأحداث بشكل كبير على السياسات الاقتصادية المستقبلية في مصر، وأكدت على القوة الكامنة في الحراك الشعبي.

رغم القمع الذي واجه المتظاهرين، إلا أن القضاء المصري، متمثلًا في القاضي الشجاع حكيم منير صليب، أصدر حكمًا ببراءة 176 متهمًا في انتفاضة الخبز. ألقى القاضي باللوم على السياسات الاقتصادية للحكومة، مؤكدًا أن القرارات الاقتصادية كانت السبب المباشر والوحيد لتلك الأحداث.

تبقى انتفاضة الخبز 1977 علامة فارقة في تاريخ مصر، تذكرنا بأهمية العدالة الاجتماعية ودور الشعب في مواجهة السياسات الاقتصادية المجحفة. إن ذكرى هذه الانتفاضة تحمل دروسًا هامة لصناع القر

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى