مصر

قطب العربي يكتب: انتخابات الرئاسة الإيرانية..تنافس بشروط “الحوزة”

بقلم/ قطب العربي

أعلنت لجنة الانتخابات الإيرانية يوم الأحد الماضي فتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية اعتباراً من اليوم الخميس لاختيار خليفة للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي نتيجة تحطم طائرة مروحية قبل أيام. لم يهتز نظام الحكم الإيراني نتيجة وفاة رئيسي، فقد خلفه في موقعه مؤقتا وفقا للدستور نائبه محمد مخبر، وعلى الفور بدأت ماكينة الانتخابات لاختيار الرئيس الجديد يوم 28 يونيو حزيران المقبل.

شرحنا في مقال سابق الأسبوع الماضي نظام الحكم في إيران، وأهم مفاصله، وعلى رأسها المرشد الأعلى ومجالس الخبراء، وصيانة الدستور، وتشخيص مصلحة النظام، ولكن وفقا للدستور (م57) فإن السلطات الحاكمة هي (التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة والوزراء والتشريعية ممثلة في مجلس الشورى الإسلامي ومجالس شورى المحافظات، والقضائية بشقيها المدني والعسكري) لكنها عمليا هي الأقل نفوذا.

ومع ذلك فإن النظام يحرص على إبراز شكل تنافسي ديمقراطي في انتخابات رئيس الجمهورية، وانتخابات مجالس الشورى، والرسالة هنا مزدوجة فهي بالنسبة للداخل تعني منح الإيرانيين هامشا للتعبير عن أرائهم، واختيار ممثليهم، وبالتالي سحب شحنات الغضب في الصناديق بدلا من تحولها إلى انفجارات شعبية، أما الرسالة الثانية فهي للخارج بتقديم حدث انتخابي تنافسي تغطيه وسائل الإعلام المحلية والدولية ويظهر إيران كدولة منفتحة ديمقراطيا.

ديمقراطية تحت السيطرة

يدرك الجميع أنها ديمقراطية تحت السيطرة، وأن من يقوم بالضبط والسيطرة هي المؤسسات غير التقليدية النافذة التي يسيطر عليها رجال الحوزة العلمية، فمجلس صيانة الدستور هو الفلتر الذي يسمح أو لا يسمح بمرور المرشحين ابتداء، وليس عنده كبير كما يقولون، فقد منع من قبل ترشح رؤساء كبار مثل هاشمي رفسنجاني الذي رأس الدولة مرتين ومن قبلها ترأس البرلمان، وكان مقربا من الخميني، ومن قبل منع ترشح أحمدي نجاد الذي رأس الدولة مرتين أيضا، كما منع أسماء أخرى كبيرة مثل علي لاريجاني أمين مجلس القومي ورئيس البرلمان الأسبق، وأحد المقربين من خامنئي، كما منع مجلس صيانة الدستور الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني من الترشح لمجلس الخبراء رغم عضويته فيه لثلاث دورات من قبل.

لا يعلن مجلس صيانة الدستور حيثيات قراراته حول المنع، لكن بعض الأخبار تتسرب عاجلا أو آجلا، فمثلا حين تم منع قبول ترشح الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني في العام 2013 لم يعرف السبب في حينه، لكن وزير المخابرات الأسبق حيدر مصلحي كشف في العام 2021 أنه كان هو الذي كتب تقريرا سريا لمنع ترشح رفسنجاني خوفا من فوزه المحقق، والذي رآه في غير صالح النظام في حينه، أما رفض قبول ترشح الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد فلأنه خالف نصيحة المرشد الأعلى بعدم ترشحه مجددا بعد توليه المنصب لدورتين سابقتين.

ربما الحسنة البارزة لفلتر مجلس صيانة الدستور هو تقليص عدد المرشحين في كل دورة إلى رقم لا يتجاوز العشرة، حيث يتقدم المئات في كل مرة بطلبات الترشح رجالا ونساء، ويطبق المجلس عليهم شروط الترشح الواردة في الدستور والقانون، لكنه يمتلك صلاحيات مطلقة في قراره، فلا يلتزم فقط بشروط الترشح القانونية، ولكن ينظر لمصلحة النظام قبل وبعد ذلك.

شروط ترشح مجحفة

شروط الترشح للرئاسة مجحفة لأنها تقصر الترشح على المذهب الإثني عشري، وتحرم باقي المذاهب والعقائد من الترشح، سواء من المسلمين السنة أو المسيحيين أو غيرهم، كما تحرم النساء من الترشح، فالدستور ينص ابتداء في مادته الثانية على (الإيمان بالإمامة)، رغم أن المادة الثالثة مباشرة تنص على (ضمان الحقوق الشاملة لجميع المواطنين، نساءً ورجالاً، وتوفير الحماية القضائية العادلة لهم، ومساواتهم أمام القانون)، وتتضمن المادة 115 الشروط التقليدية للمرشح الرئاسي(أن يكون إيراني الأصل؛ ويحمل الجنسية الإيرانية؛ تتوفر فيه القدرات الإدارية وحسن التدبير؛ ذو ماضٍ جيد؛ تتوفر فيه الأمانة والتقوى؛ مؤمن بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية والمذهب الرسمي للبلاد)، كما يتلو الرئيس الفائز القسم متضمنا “أن يكون حامياً للمذهب الرسمي، ولنظام الجمهورية الإسلامية .. المادة 121)، وتضيف لجنة الانتخابات شروطا أخرى مثل العمر بحيث لا يقل عن 40 عاما ولا يتجاوز 75 عاما.


حلال الأيام المقبلة ستتضح خارطة المرشحين الذين نجوا من مقصلة مجلس صيانة الدستور، وستكون فرصة لامتصاص الغضب الشعبي الذي تصاعد خلال السنوات الماضيةـ عبر تفريغ ذلك الغضب في معركة انتخابية مدارة تحت سقف أصحاب العمائم، لكن الإقبال على المشاركة في الانتخابات الإيرانية تراجع عبر العقود الماضية لافتقاد كثير من المواطنين الثقة في مدى نزاهة تلك الانتخابات، التي تخضع دوما لرقابة وفلترة مسبقة.

توظيف طوفان الأقصى

يعتبر حجم المشاركة في الانتخابات معيارا لقياس استمرار الدعم الشعبي للنظام الإسلامي بغض النظر عن التصويت لأحد المرشحين، ورغم مخاوف العزوف الذي يتوقعه البعض إلا أن هذا العزوف لن يكون كبيرا بدرجة مختلفة عما حدث في الانتخابات السابقة، وسيوظف النظام الإيراني الأزمات التي تحيط به وبالبلاد في عمليات الحشد والتعبئة باعتبار أن إيران مستهدفة من ” الإستكبار الدولي”، وسيستفيد النظام بشكل خاص من طوفان الأقصى الذي ظهر فيه وحيدا داعما فعليا للمقاومة الفلسطينية عبر تسليحها، وتحريك أذرعه العسكرية الخارجية لفتح جبهات داعمة لها، كما سيستفيد من حالة الانحياز الغربي المكشوف للعدوان الإسرائيلي، والدوس على كل ما طرحه الغرب نفسه من مبادئ إنسانية نبيلة في مجال الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية.. ببساطة سيقول النظام الإيراني لخصومه الغربيين لا تعايرني ولا أعايرك الهم طايلني وطايلك.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى