التهمة الترشح للرئاسة..أيمن نور جديد في قبضة الأمن المصري
في مصر تتشابه القضايا والضحية واحدة، وتختلف السيناريوهات والنهاية أيضا واحدة، وهذا ما تجلى بالأمس في اعتقال البرلماني السابق والمرشح المستبعد للرئاسة أحمد طنطاوي بعد تأييد الحكم بحبسه لمدة سنة واعتقاله من قاعة المحكمة لتنفيذ الحكم في قضية التوكيلات الشعبية.
وكانت محكمة جنح المطرية، قضت بحبس أحمد طنطاوي سنة مع الإيقاف، وغرامة مالية 20 ألف جنيه، وعدم مزاولة الترشح لأي منصب رئاسي، ومعاقبة باقي المتهمين في القضية بالحبس سنة مع النفاذ؛ وذلك لاتهامهم بتداول أوراق تخص الانتخابات، دون إذن السلطات المختصة، عبر دعوة المواطنين لتوقيع توكيلات شعبية.
تعيد قضية أحمد طنطاوي إلى الأذهان ما حدث للدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد آنذاك إبان ترشحه أمام الرئيس مبارك عام 2005 وحل في المرتبة الثانية وقد دفع الثمن أن قضي عدة سنوات في السجن بتهمة تزوير توكيلات على غرار نفس التهمة للبرلماني أحمد طنطاوي.
أوجه الشبه بين نور وطنطاوي
في جلسة خاطفة استمرت بضع دقائق، وسط إجراءات أمن مشددة، أصدرت محكمة جنايات القاهرة عام 2005 حكماً بالسجن خمس سنوات لزعيم حزب الغد المصري المعارض أيمن نور والتهمة تزوير أوراق رسمية، لكن رغم ذلك خاض نور سباق الانتخابات الرئاسية قبل هذا الحكم والمنافسة مع الرئيس مبارك وقدم نموذجا وطنيا شبابيا أحيا أمل التغيير في نفوس المصريين من جديد.
فبراير عام 2024 تصدر المحكمة حكما أوليا بحق أحمد طنطاوي بالسجن لمدم عام التهمة ظاهرها تزوير توكيلات شعبية لكن باطنها التجرأ في منافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية، لكن الفرق بين نور وطنطاوي هى مساحة الحرية التى حظى بها أيمن نور في الترشح والتعبير عن برنامجه، لكن طنطاوي لم يتمكن من الترشح بفعل ما سماها قيودا ومضايقات حرمته من الحصول على التوكيلات والتزكيات الضرورية للترشح.
لم يقتصر الأمر على حبس طنطاوي كما حدث مع نور ففي قضية 2005 قضت المحكمة أيضا بمعاقبة مدير مكتب أيمن نور إسماعيل زكريا وأيمن إسماعيل موظف في المكتب بالسجن المشدد خمس سنوات لكل من المتهمين الثلاثة، و بالسجن المشدد 3 سنوات لكل من المتهمين لطفي الشناوي واحمد عبد الشافي الغريانى وميرفت صابر السيد.
عاقبت محكمة جنح المطرية بتأييد حبس أحمد أبو الديار مدير حملة أحمد طنطاوي ومعه 21 من أعضاء الحملة الانتخابية، بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ، لاتهامهم بتداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات المختصة، بالمخالفة للقانون، عبر دعوة المواطنين لتوقيع توكيلات شعبية لتأييد ترشح طنطاوي.
بين الماضي والحاضر
ما أُتيح للدكتور أيمن نور حُرم منه أحمد طنطاوي على الصعيد السياسي والشعبي، فقد استطاع نور أن يواجه خصومه أدبيا وشعبيا ودوليا، فقد واجه بشجاعة وقال من قلب قفص الاتهام إن ما يحدث له جريمة سياسية مفضوحة وقال في تصريحات لوكالات عالمية: فعلوا كل شيء من أجل سحق وإدانة الشخص الوحيد الذي كان في وسعه الوقوف في وجه الأب والابن، في إشارة إلى مبارك ونجله جمال.
وقال حزب الغد حينذاك إن الحكم بإدانة نور اليوم هو بمثابة حكم بالإعدام على زعيم شعبي لم يرتكب جرما سوى انه تجرأ وطالب بحقوق شعبه مؤكدا ان ذلك يستهدف تحطيم حزب الغد. وعلى الصعيد الجماهيري سقط واحد على الأقل من أنصار نور مغشياً عليه بعد صدور الحكم بينما بكت متظاهرات وراحت أخريات تطلقن الصرخات، وألقى شبان حجارة وقطعا من الخشب على قوات مكافحة الشغب التي أحاطت بمبنى المحكمة في حي مدينة نصر بشرق القاهرة من جميع الجوانب.
وأعربت المنظمة المصرية لحقوق الانسان وقتذاك عن قلقها إزاء الحكم على نور، وطالبت المنظمة النائب العام بتأجيل تنفيذ العقوبة إعمالاً لقانون الاجراءات الجنائية لحين اتخاذ اجراءات الطعن أمام محكمة النقض نظرا لتدهور حالته الصحية. وقالت إن هناك شكوكا تتواتر لديها حول معايير المحاكمة العادلة والمنصفة في هذه القضية كما جاءت في المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان والدستور المصري.
غضب دولي
وفي واشنطن أصدر البيت الأبيض بياناً عبر فيه عن انزعاج واشنطن الشديد من الحكم بسجن نور مشيرة إلى أن نور يعاني من الضعف نتيجة اضرابه عن الطعام. وأضاف البيان أن الولايات المتحدة تدعو الحكومة المصرية إلى احترام القوانين المصرية في اطار رغبتها المعلنة في المزيد من الانفتاح والحوار داخل المجتمع المصري والى اطلاق سراح نور لأسباب إنسانية، واعتبر البيت الأبيض أن إدانة نور الذي احتل المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية خلف الرئيس حسني مبارك تُشكّك في التزام مصر بالديمقراطية والحرية واحترام القانون.
وعن محاكمة طنطاوي فلم تتوفر له مساحات الحرية اللازمة للدفاع عن نفسه كما كان لأيمن نور، لم تتحرك منظمات حقوقية أو غربية لأدانة الحكم، لم يسمح لمؤيديه بالتظاهر أو التعبير عن رفضهم، بل تم اعتقاله فورا من قاعة المحكمة كى لا يتسنى له التصريح لأى وسيلة إعلامية للدفاع عن نفسه هذا إن سُمح لها من الأساس.
لم تتوفر ظروف محاكمة ديمقراطية وعادلة لطنطاوي، بل كل شيء جرى بسرعة لتنفيذ الحكم، وكل تلك المعطيات شاهدة على الفرق الكبيرة بين نظام مبارك والنظام المصري الحالى رغم ما كان في نظام مبارك من عيوب كثيرة، فقد ضاعت أدنى درجات الحرية السياسية في زحام التضييق الأمني الحالي في مخالفة واضحة لمواد الدستور والقانون، التاريخ يعيد نفسه وحادثة نور وطنطاوي بينتا البون الشاسع بين واقع مصر السياسي الأن وواقعها في ظل حكم أنظمة سابقة لم تخل سياستها من القمع والاحتكار السياسي إلا أنها كانت تسمح بنافذة يدخل منها بعض الهواء كى لا تموت خنقا.