أكثر من برنامج تليفزيونى حكى لنا هذا الشهر قصة تأسيس مستشفى الدمرداش. المستشفى نشأ كتبرع خيرى من عبد الرحيم باشا الدمرداش عام 1928،
يومها تبرع رجل الأعمال ب 40 ألف جنيه للبناء و60 ألف جنيه كانت كتبرع تحت تصرف الحكومة للصرف من ريعها على المستشفى. مستشفى الدمرداش الذى بدأ بعلاج كافة المرضى بالمجان بغض النظر عن قدراتهم المالية،
أشرف على بنائه بالسرعة الواجبة مصطفى باشا النحاس رئيس وزراء مصر الأسبق، لأن المتبرع ألح عليه أن يرى هذا العمل النور قبل أن ينقل إلى جوار ربه.
لكن الرجل توفاه الله عام 1929 قبل ثلاث سنوات من افتتاح هذا الصرح الطبى الذى ما زال قائما حتى اليوم. ولأن الطيور على أشكالها تقع، وكل يعمل على شاكلته، لحقت زوجة الدمرداش به بالتبرع بكل مجوهراتها لتشييد معهد للأبحاث الطبية والعلمية،
كما لحقت بالرجل ابنته قوت القلوب الدمرداشية التى أغدقت المستشفى بالمزيد من التبرعات.
ما سبق حديث غرضه أن نقارن أعمال الخير التى أغدق بها العديد من رجال الأعمال من أبناء مصر، وقد كان ساعدا لهم ومعينا مهما لا ينضب عشرات الأميرات من الأسرة العلوية اللائى تبرعن بذهبهن وأموالهن وأوقافهن لتشييد الصروح العلمية والطبية والدراسية،
حتى تكون بلادهم فى مصاف التقدم والتنمية، وينالوا قسطا من الخير والبر ينير لهم قبورهم ويكون لهم زخرا ومعينا يوم المشهد العظيم.
اليوم ربما يكون هناك الكثير والكثير من أهل الخير الذين يقومون بأعمال مماثلة، لكن ما من شك أنه يقابل كل هؤلاء نماذج أخرى أثروا القعود والركون لتكنيز المال،
وكان العديد من أعمالهم الخيرية تتم كنوع من أنواع الرياء. فهذا العمل مخصص لمنع فرض المزيد من الضرائب على هذا أو غيره،
وذاك مخصص لوقت الانتخاب بحيث يكون وسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية فى إطار تسييس الأعمال والاقتصاد والأعمال التجارية. وبعض الأعمال الخيرية تتم اليوم بغرض رضاء وإرضاء صاحب هذا المنصب أو ذاك.
فى إطار تشجيع الدولة على الأعمال الخيرية والسعى الدائم لمواجهة معدلات الفقر المرتفعة، مهم أن تكون هناك حوافز كثيرة لمن يقوم بالتبرع لرفع الأعباء عن كاهل الناس. الناس تريد فى تلك الأوقات العصيبة أن ترى أعمالا خيرية على شاكلة مستشفى مصطفى محمود ومؤسسات الخير التى أقامها محمود العربى وعبلة الكحلاوى والكثير والكثير من الناس الذين استحبوا الآخرة على الحياة الدنيا،
فأسسوا صروح العلاج والتعليم والمشاغل وكلها أعمال قائمة على الحد من البطالة والمرض والأمية وسد رمق الكثيرين للخروج من حالة الفاقة والعوز. وقد كانت تلك الأعمال ممن يزيد ويربى الصدقات لكل هؤلاء، فى الدنيا والآخرة، عوضا عن حياة الترف والسفور والفجور والسفه فى الإسراف.
المشكلة تبدو الآن فى أمر آخر، وهو أنه مقابل الرغبة فى تحسين وتشجيع الحكومة لتلك الأوضاع، تعلى ما يبدو فى بيع بعض الخدمات الطبية التى يستفيد منها الناس الأكثر احتياجا.
غير ملائم على الإطلاق أن نشجع المجتمع المدنى على دعم الخدمات والعمل الطوعى، ثم نقوم بالإجهاز على هذا العمل بغرض الحصول على المال بسرعة عبر البيع أو التأجير أو خلافه، ففوق ما أنه أمر مخالف للدستور، فهو أيضا مخالف لأبسط قواعد الإنسانية والرحمة.