بايدن وترامب يواجهان بعضهما في مناظرة بدون جمهور بعد قبول ترامب شروط بايدن
بعد عدة أشهر من الجمود السياسي، يترقب الأميركيون المناظرة الأولى في سباق الوصول إلى البيت الأبيض بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومنافسه الجمهوري دونالد ترمب. تم الاتفاق بين المرشحين على عقد مناظرتين، الأولى في يونيو المقبل، تليها أخرى في سبتمبر، حيث يسعى كل منهما لإقناع الناخبين بأنه الأجدر بالفوز بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بايدن وترمب اتفقا على جدول زمني مبكر بكثير للمناظرة الأولى، التي كانت عادة ما تُجرى في سبتمبر خلال حملة الانتخابات.
عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن بايدن منتصف مايو الجاري أنه وافق على حضور مناظرة تستضيفها شبكة CNN الإخبارية في 27 يونيو في ولاية أتالانتا. وبعد ذلك ذكر ترمب لشبكة “فوكس نيوز” بأنه “سأكون هناك”.
فيما يتعلق بالمناظرة الثانية، ستُعقد في 10 سبتمبر وستُستضاف من قبل قناة ABC NEWS. وفي تغريدة على حسابه في “تويتر”، كتب ترمب: “إنه لشرف كبير بالنسبة لي أن أواجه المرشح الديمقراطي جو بايدن في المناظرتين المقترحتين خلال شهري يونيو وسبتمبر. أنصح بشدة بإجراء مناظرات إضافية”.
واعتبر محللون أن توقيت المناظرة الرئاسية غير المعتاد يمثل محاولة من بايدن لتغيير مجرى الأمور لصالحه، خاصة أن القرار حُسم في وقت تتقارب حظوظ المتنافسين على الفوز بالسباق إلى البيت الأبيض.
وبينما يتقدم ترمب على بايدن في استطلاعات الرأي، فإن تفوقه يُعتبر ضئيلاً لا يتجاوز نقطتين إلى 4 نقاط.
وحتى في استطلاع الرأي، الذي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”، وكلية “سيينا”، وصحيفة “فيلادلفيا إنكوايرر”، في أبريل الماضي، وصدرت نتائجه في 13 مايو، وكشف أن ترمب يتقدم في 5 من الولايات الست الرئيسية المتأرجحة، أظهر أيضاً أن بايدن متعادل مع ترمب بين الناخبين من أصل إسباني في الولايات الست الحاسمة (بنسلفانيا، وأريزونا، وميشيجان، وجورجيا وويسكونسن، ونيفادا).
وفقًا للاستطلاع، يظهر أن بايدن يتفوق على ترمب بنسبة 63% مقابل 23% بين الناخبين من أصول إفريقية.
بايدن يحاول التحكم في الوقت
جو بايدن، الرئيس الأميركي، قرر مع حملته الانتخابية بدء المناظرات في وقت أبكر بكثير من التواريخ المقترحة من لجنة المناظرات الرئاسية، حتى قبل أن يتم ترشيح أي من المرشحين كمرشح رسمي لحزبه في المؤتمرات الحزبية المقررة في 15 يوليو للجمهوريين، و19 أغسطس للديمقراطيين.
تفوق ترمب في كل المناظرات الجمهورية التمهيدية للحزب الجمهوري. وقد طالب لعدة أشهر بإجراء مناظرة مع الرئيس الأميركي. في مارس الماضي، جدد الدعوة عبر منصته، قائلاً: “من المهم لمصلحة بلدنا أن نناقش جو بايدن وأنا القضايا الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة والشعب الأميركي. لذلك، أنا أدعو إلى المناقشات في أي وقت وفي أي مكان”.
بالمقابل، لم يبدي الرئيس الأمريكي أي اهتمام أثناء ذلك، وقد فسر الباحث السياسي جي مايلز كولمان هذا التصرف ضمن سياق المقابلات النادرة التي أجراها بايدن والتي لم تتجاوز 54 خلال أول عامين من رئاسته، وهو أقل عدد لمقابلات الرؤساء الأمريكيين منذ عهد رونالد ريغان، حيث أُجريت 202 مقابلة في نفس الفترة لترمب.
قال كولمان أن السيطرة على المقابلات هي استراتيجية ناجحة من حملة بايدن، حيث جنبته مساءلات عامة عن تعليقاته وأفعاله، مشيرا إلى أن حملة بايدن هي التي اقترحت هذه المناظرة، ربما لإدراكها أن مرشحها متأخر في استطلاعات الرأي ويحتاج إلى تغيير.
وتساءل كولمان: “إذا كان بايدن متقدماً، هل سيحتاج إلى اقتراح شيء جديد؟”.
ومن جانبه، ذكر أستاذ القانون والسياسة العامة في جامعة “ماركيت” الأمريكية، تشارلز فرانكلين، أن الدافع وراء اقتراح بايدن لإجراء مناظرة في يونيو -قبل بثلاثة أشهر من الموعد المعتاد- يعود إلى رغبته في استحضار اهتمام الناخبين. ومن ناحية أخرى، أشار الخبير السياسي كايل كونديك، مدير تحرير نشرة مركز السياسة في “جامعة فيرجينيا”، إلى أن هذا الإجراء يأتي في إطار محاولات بايدن لتوجيه انتباه الجمهور نحو التركيز على ترمب وخطاياه، بدلاً من التركيز على عملية الاستفتاء عليه.
ورأى فرانكلين في حديثه أن “الناخبين غير متحمسين للانتخابات، ولهذا من الممكن أن تعطي هذه المناقشة دفعة للانطلاقة، من خلال تعزيز المشاركة في يونيو بدلاً من انتظار المؤتمرات. كما أن إجراء المناظرة الثانية قبل بدء التصويت المبكر أمر جيد للحملة”.
وعلى الرغم من اعتقاد فرانكلين بأن المناقشات نادراً ما تؤدي إلى إعادة تشكيل السباق الانتخابي في الولايات المتحدة، إلا أنه يرى أن الأخطاء والمفاجآت قد تحدث وتغير الأمور.
وافق الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية، زاك مكيري، مع فرانكلين، مشيراً إلى أن الحملة الرئاسية الفعلية لم تبدأ بعد بشكل جدي، وأن المناظرة المقرّرة في يونيو قد تكون بداية ملموسة للحملة الانتخابية، مساهمة في توعية الناخبين الذين لم ينتبهوا بعد لبدء السباق الانتخابي الحالي.
وأشار مكيري إلى أن الرئيس بايدن جاهز لبدء حملته الانتخابية وعرض رؤيته على الناخبين، في حين انشغل ترمب بمشاكل قانونية في الفترة الأخيرة، مما أدى إلى توقف حملته الانتخابية. وأوضح أن الرئيس بايدن يخطط للتركيز على جذب الناخبين دون التورط في القضايا القانونية أو الصحفية.
كونديك يرى أن بايدن يرغب في صرف انتباه الناخبين عن ترمب، مشيرًا إلى خوفه من تحول الانتخابات إلى استفتاء عليه، يريد بايدن تأطير الانتخابات كخيار بينه وبين ترمب، ليس مجرد تقييم لأدائه، مما يمنحه فرصة أكبر نظرًا لمشاكل ترمب الخاصة.
وأضاف أن إجراء المناقشة في وقت مبكر ربما يدفع الجمهور إلى التركيز أكثر على ترمب، خاصة في الولايات التي ستصوت مبكراً قبل الانتخابات العامة بنحو 6 أسابيع، لافتاً إلى سبب آخر لتفضيل بايدن إجراء المناظرة مبكراً عن موعدها المتعارف عليه، إذ سيكون هناك متسعاً من الوقت لإصلاح الأخطاء والتعافي إذا سارت مناظرة يونيو بشكل سيئ له”.
وتابع كونديك: “حتى لو فشل بايدن في سبتمبر أيضاً، فإن الحملة ستستمر طوال شهر أكتوبر، ما يمنحه المزيد من الوقت مع تزايد أعباء ترمب القانونية”.
اشتراطات بايدن
بعد أشهر من عدم اليقين بشأن عقد أي مناظرات رئاسية، اشترط بايدن أن تُجرى المناظرة داخل استوديو تلفزيوني من دون جمهور، مع ميكروفونات يتم قطعها تلقائياً عند انقضاء المهلة الزمنية للمتحدث.
واعتبر الخبراء أن هذه الاشتراطات ملائمة وجيدة، خاصة بعد مناظرة عام 2020، التي وُصِفت بأنها الأكثر توتراً في التاريخ الحديث، حين قاطع المنافِسَين بعضهما، وارتفعت حدة الانتقادات والصراخ من قبل دونالد ترمب.
وسيضمن قطع الميكروفونات تلقائياً مع انتهاء المهلة الزمنية للمتحدث، إعطاء كل مرشح وقته للتحدث وتوضيح الأمور دون إلهاء من الآخر، بحسب كولمان، قائلاً إن “نفس المرشحين تحدثا عام 2020 بشكل سيئ مع بعضهما البعض خلال المناظرات، وبدا أنهما كانا يصرخان في بعض الأحيان، رغم أن هذا كان خطأ ترمب، لكن سنرى مدى جودة تطبيق قطع الميكروفونات هذه المرة”.
أما بخصوص استبعاد الجمهور من حضور المناظرة، فقد أشار زاك مكيري إلى أن العديد من النقاشات السابقة كانت تتضمن مشاركة الجمهور مع طلب الصمت، لكنه كثيراً ما كانت تنتهي بالهتاف أو الضحك في بعض اللحظات خلال المناظرة، خاصةً في ضوء سلوك ترمب، الذي “يتجذر ويتلاعب بالجمهور”، مما يؤثر سلباً على الحوار.
وشك في جدوى إجراء المناظرة بالأصل، معتبراً أنه بالرغم من موافقة المرشحين الاثنين عليها، إلا أنه من الصعب التأكد من تنفيذها بنسبة 100%، وفقاً للجدول الزمني. كما رأى أن “تصرفات غير عادية من ترمب، قد تدفعه ليجد بعض الأسباب المنطقية لمحاولة تأجيل أو حتى إلغاء المناظرات”، تماماً كما فعل خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.
من ناحيته، توقع كونديك أن كان للمناظرة الأولى، إذا حصلت فعلاً، تأثير محدود، نظراً لتوقيتها البعيد جداً عن الانتخابات الفعلية، وعدم احتمالية مشاهدة بنسبة عالية كما في المناظرات السابقة. وأوضح: “إذا كانت المناظرة الأولى تُبث على قناة CNN فقط، بدلاً من بثها على عدة شبكات مختلفة، فستكون نسبة المشاهدة ضئيلة، مما يخفف من تأثيرها بشكل كبير”.
مناظرة خطرة على الفريقين
في الوقت الحالي، يتوقع الخبراء طرح عدد من القضايا خلال المناظرة، ويشير إلى مخاطر ذلك على المرشحين، وذلك بسبب تشابكهما في السباق الرئاسي بنسبة تأييد متقاربة، ومشاركتهما حماسًا منخفضًا من الناخبين.
ووفقًا لاستطلاع للرأي الذي أجرته “رويترز/إبسوس”، فإن الأميركيين غير راضين عن إعادة الانتخابات بين بايدن وترمب، حيث أظهر الاستطلاع أن 67% من المشاركين يريدون رؤية شخصًا جديدًا يمثلهم في الانتخابات الرئاسية.
ويرى تشارلز فرانكلين، مدير استطلاع كلية الحقوق في جامعة “ماركيت”، أن المناظرة ستناقش قضايا الاقتصاد والهجرة والإجهاض، بالإضافة إلى قضايا ترمب الجنائية، وحادثة اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، و”حرب إسرائيل على غزة”.
ويحتاج بايدن إلى تبديد فكرة كبر سنه، بينما يجب على ترمب السيطرة على نفسه خلال المناظرة، حسب تقدير فرانكلين، الذي يتساءل عما إذا كان بإمكان ترمب تحسين أدائه بالمناظرة كما فعل في المناظرة الثانية مناقشة.
فيما يتعلق ببايدن، يرى كونديك أنه قد يواجه انتقادات أكثر قسوة بسبب الأخطاء اللفظية، لكن توقعاته عادةً ما تكون منخفضة، مما يعني أنه قد يفاجئ الجميع.
أما كولمان، فقد أوضح أن العديد من الناخبين ليسوا راضين عن تكرار مباراة العودة بين ترمب وبايدن، مشيرًا إلى وجود مخاطر لكلا المرشحين، وأن المناظرات قد تحدد نتيجة الانتخابات.
عندما يتعلق الأمر بترمب، يعتبر كولمان أن أكبر خطورة تواجهه هي ذكر الناخبين الذين يترددون في قرارتهم سبب اعتراضاتهم عليه، ويرجع ذلك جزئيًا إلى غيابه الإعلامي هذا العام نتيجة ازدياد قضايا المحاكمات، مما قد يؤدي بنقاشاته في المناظرة إلى دفع الناخبين المترددين.