قامت غزة بما فعله أبونا إبراهيم، عليه السلام، عندما حمل فأسه وهوى بها على رؤوس الأصنام، وعندما سألوه عمن فعل، قال لهم: كبيرهم.
هكذا فعلت غزة وحروبها حتى طهرت المفاهيم من تحريفها المتعمد، وأرجعت إلى النفوس والأبدان كرامتها وأرجعتها إلى سيرتها الأولى.
فكيف هدمت حرب غزة أصنام الأفكار؟
لقد أثرت حرب غزة على العديد من المفاهيم السياسية والاجتماعية والعسكرية، بما في ذلك مفاهيم القومية والدولة ذات الحدود الوهمية، فأظهرت غزة أننا بحاجة إلى مفاهيم وقواعد أخرى تكون من إنتاجنا نحن العرب والمسلمين، وليس قواعد وضعها الاحتلال لنا فتتبعنا خطواتها حتى اعتقدنا أننا من صنعناها.
ورغم تطبيع بعض الحكومات العربية مع إسرائيل، فحرب غزة أثارت بالفعل معضلات فكرية وأخلاقية وعسكرية ووفقاً للتحليلات، فإن الحرب قد أظهرت أن مفهوم مثل المقاومة (مقاومة الدول المحتلة ودول الفصل العنصري والانقلابات) قد أعيد للأذهان مرة أخرى، وأن للشعوب حق تقرير مصيرها رغم ترويج الإعلام الغربي للعكس، وأن المقاومة الفلسطينية خاصة هي حركات إرهاب، إلا أن الشعوب كان لها رأي آخر والغريب في هذه الحرب الأخيرة أن الأكثرية من الشعوب التي انتفضت كانت مجموعات أوروبا وأمريكا وكندا، وعلى رأسهم جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية التي قامت بردود فعل أكثر من الدول العربية، التي قمعت الحراك الشعبي فى بلدان عرفت بغضبتها الشديدة لما يحدث في فلسطين مثل مصر على سبيل المثال.
على الرغم من التطبيع مع إسرائيل، فإن الحرب أبرزت أيضاً كيف يمكن للقضايا الإنسانية والتاريخية أن توحد الشعوب عبر الحدود الوطنية، مما يشير إلى أن الهوية والتضامن قد يكون لهما وزن أكبر من الاتفاقيات الرسمية، وقد أدت الخسائر الفادحة في غزة إلى تعزيز هذا الشعور بالتضامن، حيث لاقت صدى في العالم العربي والعالم كله.
بالإضافة إلى ذلك أظهرت الحرب أن التطبيع بين بعض الحكومات العربية وإسرائيل أثار ردود فعل متباينة في الشارع العربي والعالمي. ووفقاً للتحليلات، يبدو أن التطبيع لم ينجح في حماية الحكومات العربية من السخط الشعبي في الواقع، كما أدت حرب غزة إلى خروج الشعوب الغربية ومطالبة الطلاب في الجامعات الأمريكية والتي كانت نواة الحراك الطلابي العالمي للمطالبة بسحب الاستثمارات والشراكات مع الشركات الداعمة للكيان المحتل، فهناك تناقض واضح بين المستويين الشعبي والرسمي فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل أو الدعم غير المشروط من قبل حكومات الغرب.
وقد أصبح الشارع العربي والعالمي ينظر إلى التطبيع مع إسرائيل على أنه من المنكرات، حتى مع تقدم بعض الحكومات العربية والغربية في عملية التطبيع ودعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وأظهرت الأحداث الرياضية والدبلوماسية العديدة حالة التناقض بين الأنظمة وشعوبها.
ولهذا يجب علينا تقديم الشكر والثناء للمقاومة وغزة على ما قدمته للعالم العربي والعالم أجمع وعلى إرجاعهم البوصلة إلى وجهتها الحقيقية الأصيلة، وأن الحرية وتحرير الأوطان حق أصيل للشعوب في حق تقرير مصيرها وتحرير أرضها المحتلة، وأن التطبيع مع المحتل وصمة عار لن يمحوها التاريخ سواء للأفراد المطبعين أو الحكومات المنبطحة في حظيرة التطبيع.
دمتم مداومين، منادين بالحرية وتحرير الأوطان.. عاشت فلسطين وغزة حرة