ملف انقسامات الأحزاب المصرية، وثغرات التدخلات الأمنية، ملف متخم بالوقائع القديمة، بقدم تاريخ الحياة الحزبية الطويل في مصر.
بدأها الملك ورجال القصر لإضعاف الوفد المصري ببث الفرقة، بين أعضاء الوفد، وهم في المنفي
وتكررت التجربة بانشقاق السعديين بعد وفاة سعد زغلول وانشقاق الكتلة الوفدية ثم مكرم عبيد رفيق وحبيب النحاس،.
وشهدت مرحلة ما بعد ١٩٥٢ وبعد خلاف ناصر مع الإخوان انشقاقات رأسية في صفوف الإخوان المسلمين
بداية من خروج الشيخ الباقوري نهاية بالانشقاقات داخل سجون المرحلة
وبعد عودة الحياه الحزبية عام ١٩٧٧ كانت مرحلة الثمانينيات والتسعينيات عامرة بنماذج جديدة وفجه للانشقاقات المدارة امنيا وسياسيا من جانب السلطة الحاكمة لاضعاف الاحزاب المعارضة مثال ذلك ما تعرض له حزب العمل الاشتراكي بعد انشقاق جناح احمد مجاهد عن جناح ابراهيم شكري زعيم الحزب والمعارضة بالبرلمان
وتكرر المشهد في حزب الأحرار الاشتراكيين الذي انشق لعشر فرق تتلقى دعما مستترا من الجهات الأمنية
ومع زيادة ضعف نظام الرئيس مبارك بعد ٢٠٠٥،.
زادت شراسة النظام ورغبته في إضعاف المعارضة فكان ما كان في أحزاب الوفد والغد ومصر الفتاة وغيرها
كانت هناك أحزاب سياسية رسمية منشقة ومجمدة وأحزاب هشة قامت بقرارات إدارية وتدار بقرارات أمنية
ما بعد ثورة يناير المجيدة شهدت مصر لمده ٢٤ شهرا نهضة حزبية وسياسية لم تستمر طويلا،.
ما بعد ٢٠١٣ عاشت الأحزاب السياسية في أحضان الأحزان والعواصف العاتية ودوامات الاستقطاب المرعبة ليتصاعد في هذه البيئة المريضة، صدى الانفجارات الداخلية داخل ما تبقى من أحزابنا المصرية،.
لترسم بقعا حزينة باهتة ومريضه بفعل التفتت والانشقاقات والاستسلام للإدارة الأمنية، التي هددت جوهر بنيانها.
وخلال عقد كامل نجح مخطط تقزيم الأحزاب سواء بدعم شخصيات هزلية لقيادتها أو بإلهائها في مشاكلها وأحزانها الداخلية الصغيرة في ظل الأصابع التي تلعب وتتحكم في مقدراتها- من خارجها- وربما لم يفهم البعض دلالات قيام رأس الدولة في بدايات حكمه بجمع كل من الدكتور السيد البدوي مع عصام شيحة لتصفية خلاف بسيط داخل بيت آلامه. وما كان ينبغي أن يخرج خارجه!!
فالتسامح مع تلك الجروح العميقة والانقسامات الخطيرة لا يعكس إلا وعيا ضائعا وسط ظلام يراوغ له الوحدة.
ويكاد المشهد المتكرر ينهش في المشهد الحزبي، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بعد اشتعال معارك جانبية ثنائية بين أطراف فاعله داخل أحزاب محترمة مثل الوفد والمصري الديمقراطي والدستور ‼️
ومرة تلو الأخرى تدخل الحياة الحزبية غرفه الإنعاش، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بفعل الحرائق المفتعلة أو حتى المبكرة،- أحيانا-
فهل فكر أحد المتقاتلين في أسباب هذه الفوضى المخيبة؟ وفي ثمنها الباهظ‼️
فهل هذه الحروب الداخلية المستمرة والمتصاعدة، هي سوى نتيجة لصراعات ساذجة داخلية؟ وهناك يد خفية تشتشت بفعلها أواصر الأخوة وتفجر عبرها الصدامات؟
إن التدخلات الرسمية الخبيثة ترى النور بوضوح مخيف تلقي بظلالها المظلمة على المشهد السياسي لتظل محكمة لقبضتها عليه
ألم إنها تستبيح النسيج السياسي وتثير الفتن بين أبناء الوطن، وتتلاعب بالأفكار والمواقف، لتدس السم في بوثائق الصف، لتفتك بنسيم تضامننا وضمانات وحدتنا.
أين الصوت العاقل للحق والمبادئ في هذا الظلام المريب؟ الذي يعشعش داخل أحزابه
أين دور العقول النيرة والقلوب الطاهرة في عبور هذه العتمة الممتدة؟ ينبغي علينا جميعا- أن نتوحد متحدين لمقاومة هذه الجحيم المحترق.
إن استعادة التوازن وتجميع شمل الأحزاب يعد عملا شاقا ولكنه ضروري. فاحترام الرأي الآخر والعمل المشترك هما مفتاح استعادة تلك الهيبة المفقودة. وحين يرنو فجر الإصلاح والفهم المتبادل إلى ساحتنا،.
ستعود فصول قصتنا الجميلة إلى رونقها وحيويتها.
إن مصر الثائرة بتاريخها العريق وحضارتها العظيمة لا يمكن أن ترضخ لظلم التقسيم وتدمير وحدتها السياسية. إنها تستحق فرصة ثانية، تستحق بناء مستقبل يحمل في طياته الوحدة واليقين.