التجربة والجنون.. مسيرة الروائي أحمد دويدار في أدب الجريمة
الفارق بين أدب الجريمة والروايات البوليسية كبير
أدب الجريمة مازال يحبو في الوطن العربي رغم أنه يقفز قفزات تصل حد الطيران في الأدب العالمي
حوار أجرته/ رابعة الختام
جاء نجيب محفوظ ثم جاءت الرواية وولد أدب جديد على يديه، فكيف يمكننا تخطي دور الأب ونحن الأبناء الذين نتلمس الطريق على ضوء كشافه الذي أضاءه عمدًا أو دون قصد، هكذا شرح الروائي الشاب “أحمد دويدار” التجربة المحفوظية في حواره لنا.
دويدار درس الإقتصاد بجامعة الإسكندرية، بدأ الكتابة طفلا في العاشرة، يعشق التشويق والإثارة.
صدر له روايات في أدب الجريمة منها، “الرجل الذي قتل ظله، باركينول، مقتل سيدة الحي اللاتيني”، تحدث عن الفارق بين أدب الجريمة والروايات البوليسية، وتأثير البيئة السكندرية وأسئلة كثيرة في سطور الحوار التالي…..
ما الذي فجر لديك فكرة رواية باركينول، وكيف يمكن أن يكون بطل روايتك صرصار؟
ومضة جنون لم أحدد بوصلتها بعد، لا استطيع تحديد سبب أو شيء دفعني لكتابة أي عمل من أعمالي، فقط عندما أنوى كتابة رواية اترك نفسي مع تيار أفكاري ومخزون مخيلتي من أحداث وشخصيات قمت بجمعها من قبل، حتى أشعر في لحظة ما وكأن هناك وحي أو صوت غريب أنا وحدي من يسمعه.
يملي علي الفكرة ومن بعدها الخطوط الدرامية في الرواية، يمكننا أن نسميه صوت الجنون الذي أعجز في كل مرة أن أعصيه ولو في تفاصيل بسيطة داخل الرواية.
نستطيع القول أنني أمام ذلك الصوت وصرخاته، كخشبة حملتها أمواج بحر هائج، وهذا حال باركينول فضلاً عن باقي أعمالي.
كيف تصف الشارع الأدبي في لحظته الراهنة؟
حاله حال الشارع المصري أو العربي عموماً، تملأه الصراعات والضجيج الذي لا ينقطع، وتنتشر به الغيوم رغماً عن سرعة دورانه وتطوره، لا نعرف هل يجري ذلك للأفضل أم للأسوء لكن حتماً سيأتي وقت ونستطيع تقييم هذه الفترة وتغيراتها.
ما الفرق بين الروايات البوليسية وروايات الجريمة؟
أحيك على هذا السؤال المميز، فقلما ينتبه البعض أن هناك فرق بين الرواية البوليسية وأدب الجريمة، دعيني أقول لكي أولاً أن الرواية البوليسية هي أحد فروع أدب الجريمة وربما يمكننا القول أنه الفرع الأهم والأشهر.
أي أن أدب الجريمة هو الأعم والأشمل، فالرواية البوليسية هي رواية جريمة تحكي مجرى أحداث الجريمة، ويسعى بداخلها لحل لغزها محقق أو ضابط أو أي شخصية له صفة أياً ما تكون، ومخول إليه حل اللغز وفقاً لبعض الدوافع التي تتناسب مع دراما العمل.
أما أدب الجريمة فهو الأعم والذي يحتوي على عدة تصنيفات مثل الرواية البوليسية، والجريمة الاجتماعية، والجريمة النفسية وغيرها، فضلاً عن تصنيفات وطرق وأساليب فنية مختلفة لعرض وتناول الجريمة.
هل تخطت الرواية التجربة المحفوظية؟
هذا السؤال كفيل أن يصيبني بالخرس، لم ولن تتخطى الرواية العربية تجربة الأستاذ مهما حدث، فكيف سيحدث ذلك وقد أتى محفوظ أولاً ثم أتت الرواية العربية، فأي عقل يتقبل أن يتخطى الإبن أبيه الذي أنار له الطريق وأوجده في هذا العالم، هذه النقطة تحتاج حوار خاص يمكننا التحدث والاسترسال فيها كثيراً، ولتلخيص ذلك أجيب عليك بكلمة واحدة، مستحيل.
البيئة السكندرية في كتاباتك حاضرة وبقوة فكيف أثرت على مشروعك الإبداعي؟
الإسكندرية لها طبيعة خاصة جداً، فكل تفاصيلها مميزة ومختلفة، ولن أتحدث في هذه النقطة كثيراً حتى لا أُتهم بالعنصرية والجهوية، ولكن سأقول إستطاعت الإسكندرية هضم الكثير من الثقافات والحضارات على مر العصور ويتضح ذلك في شوارعها ومبانيها وأهلها، وباستثناء أن أحداث السلسلة الأهم -بالنسبة لي- في مشروعي الأدبي (ملفات سامح الصيرفي) بدأت وأظن أن جميع أحداثها بإختلاف إصدارتها ستدور في الإسكندرية، إلا أنني أظن أن طبيعة البحر وسلوكه، ومدى تعلقي الشديد به، قد أثر على أسلوبي وطرق معالجاتي الأدبية بشكل غير إرادي وملحوظ، فالبحر المندفع شديد الجلبة تارة والمستقر تارة أخرى ليس إلا وصف دقيق لي.
أدب الجريمة في الأدب العالمي يختلف عنه في المحلي وضح هذا للقارئ؟
للأسف الشديد هذه حقيقة، ولكن يجب علينا ألا نغفل أن أدب الجريمة هو غربي الأصل، وقديم النشأة، ولكن في عالمنا العربي يعد هو أدب معاصر، رغم بعض الأقاويل أن رواية اللص والكلاب للأستاذ نجيب محفوظ تنتمي لأدب الجريمة، لكن ما زال يعد أدب الجريمة العربي حديث النشأة.
وبذلك سنجده لدى الغرب تطور بشكل ملحوظ وأصبح له أسس نقدية، وأبحاث أكاديمية خاصة به، ساعدت بشكل ملحوظ في تطوره و نجاحه، على عكس عالمنا العربي الذي لا يزال ينظر لأدب الجريمة أنه أدب نشأ للتسلية يفتقر لمناقشة القضايا المجتمعية، ولا يرتقي للنقد أو الفوز بالجوائز الأدبية.
أدب الجريمة مازال جديدا في الوطن العربي يحبو ببطء رغم أنه يقفز قفزات تصل حد الطيران في الأدب العالمي، ويخطو خطوات واسعة.
كوزوموبولتانية إسكندرية تخلق عالمًا مختلفًا فكيف تصفه وإلى أي مدى أثر فيك؟
إسكندريتي وبحرها إستطاعوا أن يأثروا في بشكل واضح سواء على المستوى الأدبي أو المستوى الشخصي تقدري تقولي أوقات كتير مجنون زي البحر، المياه المالحة بتطبع بصمتها على أرواحنا، بتدينا ختم كدا “صنع في البحر”، لذلك صعب أن تجدي ساحلي بعيدا عن الفنون بشتى أنواعها.
ما هي طقوسك في القراءة وفي الكتابة؟
طقوسي كتابية فقط، القراءة ليس لها طقوس لدي، عندما أريد أن اقرأ أفعل ذلك في لحظتها مهما كانت الأجواء المحيطة بي.
أما الكتابة فهي على النقيض تماما فأنا أختار مكان ووقت الكتابة وليس من المحتمل أن يصدر صوت من حولي غير صوتي وأنا أحدث أبطال أعمالي وصوتهم إذا أجابوا علي.
من هو سامح الصيرفي؟
المقدم سامح الصيرفي بطل سلسلة رواياتي ومشروعي الأدبي القائم، وهوشخصية حقيقية، وصديق عزيز جدًا على قلبي وشخصية ثرية للغاية.
لكل رواية أو عمل أدبي هناك لحظة فارقة تفجر إبداعه فما لحظتك المفجرة في رواية مقتل سيدة الحي اللاتيني؟
أنا إنسان أهتم بإيجاد فكرة العمل التي ستخدم مشروعي بغض النظر عن كيفية ذلك فلن تجديني أهتم باللحظة والتوقيت كي أتذكرهم إلا لو كان العمل مرتبط بحادث غريب لا ينسى.
كل ما أستطيع قوله أن مقتل سيدة الحي اللاتيني جاءت نتاج دراسة لأكثر من عام عن طبيعة الأدب البوليسي وأنواعه ومدارسه.
أكتب جملة واحدة عن كل عمل من أعمالك؟
باركينول سبب تعارفي على القراء، أو معرفتهم بي، أما مقتل سيدة الحي اللاتيني فهو الخطوة الأولى في مشروعي الأهم على الاطلاق،والرجل الذي قتل ظله محاولة للنجاة من الإنتحار.
هل تؤمن بالتجريب في مجال الرواية؟
انا لا أؤمن بأي شيء وأكاد أن أجزم إنني أكفر بكل أسس الرواية عدا التجريب.
ما هي تجربتك مع النشر وخاصة نشر العمل الأول؟
تجربة صعبة جدًا وللأسف أول عمل تجربته مسيئة للغاية حالي كحال أي كاتب في بداية طريقه.
كيف ترى الفارق بين النشر الحكومي والنشر الخاص؟
كما هو الفارق بين كل ما هو قطاع حكومي وقطاع خاص، الروتين والبيروقراطية في الحكومي وإنعدام الفرص مقابل المحسوبية والإستغلال وإنعدام العدل في الخاص، وحديثي هذا ليس للتعميم لأن هناك فرص في الحكومي وتجارب كانت جيدة وفي الخاص أيضا يوجد بعض الناشرين المحترفين.
لك مقولة من قبل تقول كيف أصف نفسي بانني كاتب واضع نفسي في تصنيف واحد مع عمنا نجيب محفوظ ماذا تقصد منها؟
عم نجيب جاء أولا ثم جاءت الرواية العربية، فلا يصح أن نقول قبل إسمه كاتب مثله مثل أي كاتب ونستوي به، فإذا كان محفوظ كاتب وانا لا أتجرأ على قول هذا، فنحن إذن نجارين في الوسط الثقافي مع إحترامي الكامل لجميع المهن.
إذا وضع جميع الكتاب والأدباء في جسد كاتب واحد لن نصل لنجيب محفوظ فهل تتفق معي وإلى اي مدى؟
أتفق طبعا، فمن إستطاع أن يكتب عن الحارة بعد العم نجيب، من كتب رواية أجيال بعده، هناك من فعلها وتوجد تجارب معاصرة جيدة جدا ولكن حتى في ذلك نقيمه بكم من عشرة من رواية نجيب..
الامر أصبح مستحيل على الأقل في وقتنا الحالي.
لمن من الكتاب المحليين والعالميين تقرأ
أقرأ لعمنا نجيب محفوظ اولاً، يحي الطاهر عبد الله، مصطفى محمود، نهى داوود، هشام الخشن، أحمد مراد كل أبناء جيلي اقرأ لهم قدر المستطاع خاصة من يكتب أدب الجريمة
أما على المستوى العالمي: باولو كويللو، أجاثا كريستي، دان براون
هل ترى ان المدارس النقدية سواء الواقعية السحرية والبنيوية وما بعد الحداثة كافية لتصنيف الأعمال الأدبية أم أن التجريب الأدبي أصبح أكبر منها؟
أنا لا أهتم ولا اؤمن بكل ما يسمى مدارس نقدية، وارى أنه يجب ان تكون العلاقة أن الكاتب يكتب ثم يتحدث الناقد كما يرى دون المدارس والكلاكيع العقيمة هذه
هل تؤمن بجدوى الندوات؟
طبعا هو لقاء لطيف بيني وبين القاريء الذي إهتم أن يقرأ لي ويناقشني وله مني كل الحب والاحترام والآذان الصاغية
الممثل يتلبس شخصية واحدة ونجده دائم الشكوى من معاناته أما الكاتب فيتلبس جميع شخصياته فاذا طبقنا هذه النظرية على أحمد دويدار فهل تعاني من ازمات لبعض شخصياتك؟
أنا شديد المعاناة في هذا الجانب، الأمر أصبح يسبب لي تدهورًا عصبيًا وصحيًا أبعد مما تتخيلين.
هل تخوض مغامرات من أجل كتابة بعض الروايات أو الأحداث لتبدو واقعية؟
أنا من مدرسة أن أرى بعيني وأسمع بأذني فلا أبني أحداث الرواية ألا في مكان رأيته بعيني وربما أجرب الشعور والتجربة التي تخوضها الشخصية في الرواية بنفسي، ولا أنصح أحد بذلك، ففي أوقات كثيرة تكون نتائج ذلك صعبة للغاية.
فلكي أن تتخيلي بأن جنون الإبداع قادني لأن أجرب حبوب الهلوسة والصراصير حتى ألتقي ببطل روايتي “باركينول” وإسمه “رامي” مجرد صرصار، هل رأيتي يا سيدتي كاتبًا يجعل من صرصار بطلا لعمله الأدبي ويعيش معه، هذا جنون أعترف بذلك، ولا أنصح أحد به.
لكنني بكل فخر أعترف بأنني إبن التجربة والجنون، الحقيقة العارية بلا غطاء!
ما هي أكثر الشخصيات التي أتعبتك؟
شخصية الإنسان في الرجل الذي قتل ظله، ولكن سامح الصيرفي الأصعب لأنني كنت أحاول تصميم شخصية تعيش في أكثر من جيل وأكثر من رواية كبطل لمشروعي الأدبي كاملاً.
ما هي تفاصيل عملك الجديد وهل تجرب فيه شكل سردي مغاير؟
العمل الجديد هو الجزء الثاني من سلسلة ملفات سامح الصيرفي وينتمي لأدب الجريمة، العمل مختلف تماما في كل شيء، سواء الإسلوب السردي أو الحبكة البوليسية المستخدمة.. مختلف تماما عن إسلوب دويدار ويعد رغم كونه أدب جريمة أولا وأخيرًا ولكن من إتجاه مغاير وجديد تماما