إعادة الاعتبار للمحليات في مصر.. خطوة للقضاء على المركزية
تعتبر المجالس المحلية في أى دولة أو البلديات كما يُطلق عليها في دول أخرى هى المركز اللوجستي الداعم لكل ما يمس حياة المواطنين من خدمات، وتعجيل تنفيذها بشكل أسرع، ومن جهة أخرى تخفف الضغط على الحكومة في أى دولة، كون البلديات أو المحليات بمثابة معادل حكومي مصغر يرعى مصالح الناس في المدن والأحياء دون المرور على المؤسسات الكبرى في مركز الدولة والدوران في حلقة البيروقراطية التى تقتل روح الإنجاز وتعطل مصالح المواطنين. فالنظام المحلى يقضى على الشكل التقليدي للدولة المركزية.
كثير من الدول المتقدمة وجدت في المجالس المحلية حلا جيدا لكثير من المشكلات ذات الصلة بالمرافق والخدمات العامة مثل التعليم والصحة عبر تحويلها إلى المجالس المحلية. وظلت مصر لسنوات كثيرة بعيدة كل البعد عن عن موجة الإصلاحات المرتبطة باللامركزية رغم كونها من أقدم الدول أخذا بنظام الإدراة المحلية، والذي بدأ مع محمد على عام 1908 ومرور مصر منذ ذلك التاريخ بمراحل كثيرة من التطورات إلا أن هذه التجربة لم ترق أبدا إلى منح المحليات المستوى المطلوب من حرية العمل والحركة فظلت مصر أسيرة نظام شديد المركزية في إدارة الدولة بما يخالف الدستور والقانون.
وينص دستور 1971 على اللامركزية كما أن التعديلات التى أضيفت عليه عام 2007 استحدثت فقرة تنص على أن يكفل القانون دعم اللامركزية وينظم وسائل تمكين الوحدات الإدارية من توفير المرافق والخدمات المحلية والنهوض بها وحسن إدراتها لكن عمليا نجد أن المحليات سُلبت أغلب صلاحيتها المهمة والمؤثرة.
العودة في ثوب جديد
في تصريحات إعلامية قال الأمين العام المساعد في حزب مستقبل وطن المقرب من دوائر السلطة في مصر النائب عصام هلال: إن عودة المحليات في ثوبها الجديد ستكون بصلاحيات كبيرة تؤهلها من متابعة ورقابة الجهات والإدارات في نطاق المحافظة، وأضاف هلال أن المحليات سيكون لها صلاحيات كبيرة منها محاسبة المسئولين داخل نطاق المحافظة، مؤكدًا الدور الهام الذي تلعبه المحليات في مواجهة أي فساد أو ما شابه ذلك. مشيرا إلى أن حزب مستقبل وطن يستعد للمنافسة بقوة في انتخابات المحليات المرتقبة، خصوصا في ظل وجود العديد من الأحزاب السياسية في الشارع.
في أكثر من مناسبة تطرّق الرئيس عبد الفتاح السيسي عن رغبة الدولة فى إنهاء قانون المحليات وإنجاز الانتخابات بشكل يؤدى إلى وجود مجالس من الشباب تكون قادرة على مناقشة ومراقبة الأوضاع وطرح المشكلات المحلية والتفتيش عن حلول، والقضاء على الفساد المستشري في المدن والأحياء وهو ما أشار إليه الرئيس بشكل واضح أكثر من مرة.
“ماذا سأفعل حيال هذا؟” هكذا رد الرئيس عبد الفتاح السيسي على سؤال خاص بكيفية مواجهة فساد المحليات طرحه أحد المشاركين في المنتدى الأول لنماذج تأهيل الشباب للقيادة، وأضاف حينذاك أن المصريين سيخدمون بلادهم بانتخاب شباب وفتيات أكفاء حريصين على القيام بدورهم في المحليات، فهل النظام لديه الرغبة الحقيقية في تجديد دماء المحليات وإعادة تأهيلها عبر انتخابات حقيقية تعيد الاعتبار للمجالس المحلية من جديد؟
ويساهم تطوير المحليات وإطلاق يدها بمزيد من الصلاحيات في إنهاء الاعتماد على الحكومة فى كثير من القرارات الخاصة بالمحافظات التي تُحمّل الحكومة والبرلمان الكثير من الأعباء، ولا تُحول عضو مجلس النواب إلى عضو مجلس محلى لأنه يجعل هموم الناس محل اهتمامه وينقلها من المحافظات والمدن والقرى إلى المركز، حيث عرضها في البرلمان كى يحظى برضا الناخبين، بينما من المفترض أن يتم حل مشكلات المواطنين فورا وفى أماكنها عبر المحليات.
ويرى بعض المتخصص في الإدارة المحلية أن غياب المجالس الشعبية المحلية لأكثر من عشر سنوات أثر بنسبة تقارب الـ90 في المئة في جودة الخدمات المقدمة للجمهور، وهيكل البنية التحتية في شوارع مصر، بعد غياب نحو 52 ألف عضو مجلس محلي لهم صلاحيات رقابية تماثل صلاحيات عضو مجلس النواب.
آخر انتخابات
شهد عام 2008 آخر انتخابات للمجالس المحلية في مصر، التي اعتبرها مراقبون أحد أسباب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، بسبب ما شهدته من عمليات تزوير لصالح الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان حينها حزب الرئيس حسني مبارك، مع ضعف تمثيل قوى المعارضة، إلى جانب انسحاب المرشحين المنتمين لـ”جماعة الإخوان”.
بلغ عدد مقاعد المحليات في هذه الانتخابات 52 ألف مقعد، حسمت التزكية مصير 44 ألفاً منها، وجرت الانتخابات للتنافس على المقاعد المتبقية وعددها ثمانية آلاف مقعد، لتنتهي الانتخابات باكتساح الحزب الوطني المقاعد بنسبة 97 في المئة.
وعقب ثورة 25 يناير 2011 أقيمت ثلاث دعاوى قضائية للمطالبة بحل المجالس المحلية، وفي 18 يونيو من العام نفسه، قضت محكمة القضاء الإداري بحل المجالس المحلية بجميع أنحاء الجمهورية، وألزمت المجلس العسكري الحاكم وقتها والحكومة بإصدار قرار بحل المجالس.