مقالات ورأى

يحيى حسين عبد الهادي يكتب: تنويريون بلا ادعاء متدينون بلا تنطع


كان من عادتي أيام كان عندي سيارة، أن أبدأ رحلاتي (لا سينما الطويلة) بالاستماع إلى ما يتيسر من المصحف المرتل بصوت المنشاوي أو المجود بصوت عبد الباسط…

ثم أسحب شريطا عشوائيا من مجموعة من شرائط المسجل التي أغيرها كل فترة، معظمها كلثوميات ووهابيات (وقليل منتقى لحليم وفيروز ونجاة ومحرم والشيخ إمام والحجار…).


التقطت شريطا دون أن أراه ووضعته في الكاسيت، فإذا بالست تغني (نهج البردة)… كنت قد استمعت إليها كثيرا من قبل ككل الكلثوميات، لكنني وجدتني أتعايش معها هذه المرة بيت بيت إلى أن صرت في يوم الهول العظيم محملا بذنوبي العظيمة

وقد قرأت للتو كتابيه… ولا أمل في النجاة إلا بعفو الله… ولا مجير من عذابه إلا رحمته:ان جل ذنبي عن الغفران لي أمل… في الله يجعلني في خير معتصم ألقى رجائي إذا عز المجير على… مفرج الكرب في الدارين والغنم
وبينما يتشفع الناس من حولي، كل بما فعله -ذات يوم- من عمل صالح،

لا أجد ما أقدمه إلا دمعة ندم صادقة على ما ارتكبت من ذنوب:
وإن تقدم ذي تقوى بصالحة. قدمت بين يديه عبرة الندم
فإذا بالدموع تنهمر من عيني بلا انقطاع إلى أن هدأت… ثم انتابني شعور بالراحة… وتدبرت فإذا بالراحة تتحول إلى فرحة… فالدموع التي انسابت من عيني منذ قليل من خشية الله صارت حامية لها من النار وفقا للحديث الشريف… وهو فضل مقسم -بلا شك- بين أحمد شوقي صاحب الكلمات المؤثرة… ورياض السنباطي صاحب اللحن المعبر… وأم كلثوم التي حلق صوتها باللحن والكلمات فمس شغاف القلوب.


المدهش أن السنباطي قال في حوار لتليفزيون عربي، إن هذه الأغنية هي أسرع لحنا قام بإنجازه… إذ لم تستغرق منه سوى ثلاث ساعات لدرجة أن أم كلثوم لم تصدق أنه نجح في ذلك… وأضاف (فلما أسمعتها مطلع الأغنية بكت بقوة… ولما سألتها عن سر هذا البكاء الشديد قالت: “إن الأغنية هزتني من أعماقي”،

فما كان من السنباطي إلا أن ردا عليها قائلا: وأنا أعترف لك بأنني لا أعرف كيف لحنت “نهج البردة”، وإنما والله على ما أقول شهيدا، كنت أستمع إلى صوت سماوي شجي في داخلي وأنا فقط أردد اللحن وراءه، وتلك حقيقة… فأنا لم ألحنها، وإنما أنا رددتها وراء صوت سماوي في داخلي!).
رحم الله هؤلاء التنويريين بلا ادعاء… والمؤمنون بلا تنطع…

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى